لقطات من معاناة معتقل -9-

تحت عنوان "من تدمر إلى هارفارد" كتب الدكتور براء السراج، الأستاذ في قسم زراعة الأعضاء في كلية الطب في شيكاغو، مذكراته عن مدة اثنتي عشرة سنة قضاها في تدمر. ونسجّل هنا بعض فقرات من مذكراته الغنية، في حلقات قصيرة متتابعة:

7 آب 1987م:

بَلَغَ بنا البلاء مبْلَغه هذا اليوم، فالحَرّ والاختناقات باتت لا تحتمل، مما دفع رئيس المهجع لأن يدق الباب بنفسه. لم يجرؤ بقية المهاجع على دق الأبواب بسبب الاختناقات خوفاً من التعذيب، وهذا أدّى إلى الاستفراد بنا، وكنا نغتاظ لذلك، فلسنا أكثر شجاعة، ولكن غياب البعض عن الوعي كان يجبرنا بأن نقوم بعملٍ ما إنقاذاً لهم. يُفتح الباب: "الكلّ لبرّا ولا".. ما إن خرجنا إلا وأمرونا جميعاً بالانبطاح.. "وين المخنوقين ولا؟ طالعهن".. لم يجرؤ بعض منهم أن يخرج فتطوّع أخ من دمشق وبدؤوا بضربه، ومرّوا على عدد منا فضربوهم بالحديد على ظهورهم. كان هذا الحديد مما يستعمل لبناء مهجع جديد في الباحة السادسة، فكان اللبن والخشب مما استعمل في ضربنا هذا الصيف.. فجأةً والكرباج يعمل بنا إذ أتى الرقيب شوشو أبو الشوارب وأوقف الضرب تماماً وساد هدوء جميل لكن حذِر.

12 تشرين الأول 1987م:

إعدام عشرة أشخاص من ضمنهم محمد صادق عون. أكثر ما آلمني أنني سمعت أن هذه الدفعة ظنت أنها منقولة إلى صيدنايا، لكن بدلاً من ذلك سيقوا إلى ربّهم.

14 تشرين الثاني 1987م:

إعدام محيي الدين جزائرلي (من دمشق)، ضمن ستة أشخاص. أخرجوه من الباحة الخامسة.

الأول من كانون الثاني 1988م:

مع دخول كانون الثاني 1988م بدأ المساعد محمد نعمة بتوزيع ثياب بدلة خارجية بلون أزرق لكل سجين مع ثياب داخلية. جاءت في وقتها، إذ البرد شديد وبطانيتان لا تكفي. بدأ أيضاً التعميم بوجوب وضع الطماشات على الأعين أثناء النوم! كان علينا أن نخيطها مما توفر من قماش.. وفّقت لقطعة قماش بنيّة تمكنني من رؤية واضحة لما يجري حولي بينما لا تستطيع الشرطة أن ترى عيوني.. إنجاز مذهل، أليس كذلك؟!..

وسوم: العدد 977