فانتازيا المفكر الغوغائي

تعيش نخبة ممن يسمون أنفسهم "المفكرون العرب" الملتصقون بمفردات وبعض مصطلحات الفكر الغربي أو الحضارة الغربية، حالة من الفنتازيا الغوغائية، التي تشير إليهم وتدمغهم من حيث لا يشعرون.

في مسرحية البرجوازي النبيل لموليير، يشعر السيد جوردان بالغبطة عندما يعلم انه يتكلم بلغة تندرج تحت عنوان "النثر" قسيم الشعر، ويظل يجاهد لكي يحفظ أكثر المفردات التي ترتقي به فوق حالته الاجتماعية التي ينتمي اليها، وهو يحاول جاهدا ان يتعلم الأدب والفلسفة والموسيقا..

في علم النفس الحضاري يلحون دائما على جنوح الأمم والشعوب المغلوبة على تقليد الغالب، بالألفاظ والأزياء والعادات..

في مرحلة متطورة لهذه الحالة البدائية من التقليد والانحطاط يتبارى بعض من يسمون انفسهم "مفكرون" على طريقة مبهريهم في تقديم آراء غازقة في الغوغائية والتفاهة وأحيانا الانحطاط الفكري والخلقي أيضا، وكل واحد منهم يرى انه نبيء قوم لا يفهمون "غريب مثل صالح في ثمود"

من صور الفنتازيا الغوغائية هذه ان بعضهم يحل مشكلة المحتمع العربي المضطهد والمنتهك على الطريقة المنسوبة زورا الى قتيلة المقصلة ماري انطوانيت.

المحققون من المؤرخين يقولون إن الحكاية المنسوبة اليها، حول نصيحتها للفقراء ان يأكلوا الكاتو بديلا عن الخبز المفقود، ملفقة مزورة لا حقيقة لها، وكم يتم التلفيق والتزوير في فضاء الهبّات..

واحد من هؤلاء الهلاميين بعد طول تفكير فيما تتعرض له المجتمعات العربية من انتهاك وقهر على أيدي حكامها وأدواتهم يسطر "رجيتته" السحرية في حل المشكلة على الطريقة الحضارية، أن على المجتمعات العربية ان ترقى الى مستوى العصر وان تتعود عندما تتعرض للانتهاك ان تتوجه بالشكوى ضد هذه الانتهاكات إلى الحمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الانسان، وكذا يكون الرقي الحقيقي!!

مأفون آخر من الطراز نفسه، حين تعرض عليه مشكلة قائمة فيها؛ عرض ينتهك، وروح تزهق، وأشلاء تتناثر.. يقول لك تريث: يجب ان نواجه المشكلة من الحذور، حولوا المصاب بعينه المقلوعة بمخرز الظالمين والطغاة، إلى مركز العناية بالقدم، وهناك يجب ان نظل نبحث حتى نجد الحلول العملية للمشاكل الأكثر استعصاء..

مجذوم ثالث يقول على طريقة الفنتازية الغوغائية نفسها إنه من الانحطاط الفكري والذهني ان ننغمس في شؤون لحظتنا بكل ما فيها من دم وانتهاك وجوع وعذاب، يجب ان نكون استعلائيين استشرافيين، ثم يسأل هل تعلمون ما هو حجم كرة الارض بالنسبة لهذا الكون الفسيح، ماذا تساوي الأرض وما عليها ومن عليها بالنسبة لعالم المجرات؟؟ يجب ان نكون أكثر رقيا من ان ننغمس في مشكلة شر او ألم أو مرض أو جوع على هذه الكرة التي لا يتجاوز حجمها حبة رمل في الصحراء الكبرى، أقول الصحراء الكبرى وليس الربع الخالي، لأن أكثر هؤلاء المفكرين "الميري" نشؤوا هناك.

نعم والله يكتبون ويزهون ويتبغددون ويظنون، وأريد أن أجيب كل واحد منهم ومن أمثالهم ، بجواب بلدي يليق به، ثم أتذكر انني صائم!!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 977