لقطات من معاناة معتقل -12-

تحت عنوان "من تدمر إلى هارفارد" كتب الدكتور براء السراج، الأستاذ في قسم زراعة الأعضاء في كلية الطب في شيكاغو، مذكراته عن مدة اثنتي عشرة سنة قضاها في تدمر. ونسجّل هنا بعض فقرات من مذكراته الغنية، في حلقات قصيرة متتابعة:

5 أيار 1989م:

تمت محاكمة شباب الطليعة المقاتلة هذا اليوم، وكانوا حوالي 60 شخصاً، منهم أصدقائي الذين كانوا معي في مهجع 15. كان الناس يتحدثون أن الإعدام لن يطول بعد المحكمة، وعليه فإن أمامهم 40 يوماً على قيد الحياة حسب نظام الإعدامات الكثيفة في فترة ما قبل 1983م. بدءاً من هذا اليوم بتُّ أدعو الله أن يأخذني معهم، فقد طال المقام في هذا المكان. عاد التنفّس وكان صباحياً فقط، وكان وضع السجن وشراسة المعاملة يسوء يوماً بعد يوم. رقيبان سيَدخُلان قاموس السجناء كأعظم الشرطة إجراماً وهما أبو البورية وأبو الشياب حسب تلقيب مهجعنا. أبو البورية رقيب علوي قوي البنية وكأنه كان يلعب رياضة كمال الأجسام، لا تعرف الرحمة إليه سبيلاً، وكانت هوايته الضرب بقضيب حديدي نصف متر طولاً. مرةً كنتُ أدخل الفطور صباحاً فرفسني على وجهي رفسةً لو لم تُخطئني يعلم الله نتيجتها!. أما أبو الشياب فرقيب أشوري من منطقة الحسكة، وكان أشقر عظيم الجثة، لذا كان لقبه الأول الدب القطبي.

4 حزيران 1989م:

كان التفقد مشهوداً هذا اليوم وما مر علينا مثله. كان تفقد السجن كاملاً يستغرق نصف ساعة، لكنه استغرق ساعتين هذا اليوم. كان يوماً حاراً، وكنا نسمع صياحاً غير معتاد يتبعه تراكض ثقيل، وبدأت الأصوات تقترب. خرجنا للباحة، وكان كل شيء كالعادة، لكن ما إن جاء الأمر بالعودة للمهجع حتى بدأ ضرب الكرابيج بحقد لا يوصف، على الوجوه والأعين. كانت وجوه بعض الإخوة وورم العيون يفوق الوصف. علمنا فيما بعد أن اليوم هو يوم وفاة الخميني!.

10 حزيران 1989م:

كان الأسلوب المفضل لدى أبو الشياب أن يربت بلطف على كتف الضحية ونحن جلوس على أرض الباحة مغمضي الأعين، والأيدي معقودة للخلف، ثم يأمر الضحية بالاستلقاء بتأن على ظهره وهو مغمض العينين ويداه لا تزال معقودة تحته، ثم يقفز قفزة واحدة بثقله الهائل فوق البطن. الكثير مات هذه السنة بهذه الطريقة نتيجة تمزّق الأحشاء، ويقدر عددهم على يد أبو الشياب وحده 50 إلى 100 سجين! الذي لم يمت يؤخذ إلى المستشفى العسكري بتدمر لليلة واحدة فقط برحلة ملؤها العذاب في سيارة النقل وفي المستشفى. كان اليوم هو اللقاء الوحيد لي مع أبي الشياب، حيث أمرني على غير عادته أن أستلقي على بطني، وقام بقفزته المعتادة لأصيح بصوت مكتوم. لا أظن جسمي الهزيل كان سيحتمل قفزة البطن.

وسوم: العدد 981