رسائل وصور من القدس … و«الجاليات الفلسطينية» في دمشق … اسألوا عن «التضامن»!

من كان لديه شك باستهداف الإسرائيليين للصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، كما حاول الإعلام الإسرائيلي أن يروّج بأنها قُتلت على يد فلسطينيين من داخل المخيم، فليس عليه إلا أن يعود إلى صور الاعتداء على نعش الشهيدة أثناء التشييع المهيب والمؤثر.

لقد أظهرت الصور، ووثقت، بالتفصيل اعتداء الإسرائيليين على النعش وحامليه، حاولوا نزع الأعلام الفلسطينية، ثم انهالوا بالضرب على المشيعين حتى كاد النعش يسقط. لا نحسب أن ثقافة في العالم تختلف على أن الأسوأ من القتل التنكيل على هذا النحو، وأن من يتجرأ على إهانة النعش ليس منزهاً عن ارتكاب جريمة قتل.

الصور التي ملأت الصحف وفضاء الميديا مذهلة وتاريخية.

وصلتنا عبر التاريخ صور عديدة لجنود ومقاتلين في المعارك يجهدون في رفع العلم، غالباً في لحظة تكون معركة ما قد شارفت على النهاية، أو هي بمثابة توقيع على النصر. كُتب التاريخ تناقلت صوراً، أو لعلها أّلفت واخترعت صوراً، تماثيل، أفلاماً، أعمالاً تركيبية، تمثّل الحالة.

صور النعش، أثناء الاعتداء، جاءت لتختصر نضالاً فلسطينياً رائعاً. كل ما أراده الفلسطينيون هنا هو رفع النعش، منعه من السقوط، والمضي في موكب الدفن بسلام. لكن لا طريق حتى إلى المقبرة. لم يكن لديهم لا بنادق، ولا سكاكين، ولا حجارة، هناك فقط السواعد والأجساد المذعورة من أن يتهاوى النعش، وقد استطاعوا، استطاع من تلقّى أكثر ضربات الشرطة الإسرائيلية أن يرفع النعش.

محرج ومخز للإسرائيليين أن الصور جالت العالم، لقطات مصورة من كل الجهات، لحظة بلحظة، وهي من الروعة بحيث يمكن تسجيلها ضمن ألبوم يسجّل أحداث قرن بالصور. على غرار ألبومات سابقة احتوت على صورة فتاة النابالم، والصيني الواقف أمام الدبابة، ونيل أرمسترونغ على سطح القمر، ومحمد الدرّة يتلقى الرصاص الإسرائيلي مع والده (انظر حصتنا من التاريخ!) والطفل السوري إيلان ميتاً على الشاطئ.

لكن الصور ولادة، ولا شك أنها ستكون ملهِمة لأعمال تشكيلية وسينمائية ووثائقية. الصورة هي نَصْبُنَا غداً، الجرنيكا الخاصة بنا.

هذا العار لن يطويه تحقيق إسرائيلي في اعتداءات الشرطة، لا بدّ أنه سيطوى سريعاً.

هذا الألم والعذاب الفلسطيني مخلّد، فوق التاريخ، فوق الأساطير.

في مرمى النار

نأخذ أحيانا على المراسلين والإعلاميين من قلب الحدث علوّ نبرتهم، نضاليتهم، ذهابهم بعيداً في الانحياز، هذا ما ينطبق خصوصاً على مراسلي «الجزيرة» في فلسطين. اغتيال شيرين أبو عاقلة نبّه إلى أن المراسل في فلسطين، وهو هنا ليس سويسرياً موفداً لتغطية الحدث، فهو غالباً ابن المنطقة، تماماً مثل أبو عاقلة ابنة مدينة القدس، ليس مراسلاً عادياً، ما دامت إسرائيل تضعه هدفاً لها، بدءاً من المضايقة والتعطيل، وصولاً إلى الإلغاء والقتل إن استطاعت إليه سبيلاً. الاحتلال هو من يضع المراسل في موضع المنتمي للضحايا، بل في موضع الضحية، وهنا يقترب المراسل من صورة الصحافي المواطن، لا من حيث الحرفية والمعدات، بل على مستوى المهمة، فحين ينفضّ الجميع يأتي دور المواطن الصحافي ليقول ما يحدث لحارته، قريته، مدينته، ما يحدث له هو بالذات، فكيف نطلب منه صوتاً خفيضاً غير منحاز!

ربما وجب الاعتذار للمراسلين تحت النار، صحيح أن فلسطين ليست استثناء، لكن أولئك الصحافيين في مرمى نار القتلة هم الاستثناء، من المكسيك، إلى روسيا، أوكرانيا، سوريا، فلسطين، وسواها.

الجاليات الفلسطينية في دمشق

بدأت منذ يومين أعمال المؤتمر العام الخامس لاتحاد الجاليات والفعاليات والمؤسسات الفلسطينية في الشتات- أوروبا وذلك في «دار الأسد للثقافة والفنون» في دمشق. هناك ألقيت كلمات للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أبو أحمد فؤاد، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، طلال ناجي، ورئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا عبر الفيديو من فلسطين، ولم تفته الإشارة إلى أن «دمشق والقدس توأمان فمن تآمر على سوريا منذ البداية هم ذاتهم المتآمرون على فلسطين» وسفير دولة فلسطين بدمشق (والمعتقل السابق لدى أجهزة أمنها) سمير الرفاعي.

وتالياً، أمس، التقى رأس النظام بشار الأسد أعضاء الأمانة العامة لاتحاد الجاليات.

لا جدوى للحديث عن أي شيء، فقط كم وددنا أن يأخذهم المؤتمر برحلة، كما كانت تفعل عادة مؤسسات النظام عندما تأخذ الزوار الأجانب لرؤية الدمار في مدينة القنيطرة، إلى حفرة التضامن. هل تساءل المؤتمرون في دمشق أين يقع «التضامن» أين يقع المخيم أساساً؟

الطبعة الأخيرة

على موقع «سانا» وكالة أنباء النظام السوري فيديو بعنوان «الحرس الوطني الروسي يصادر أسلحة أجنبية للنازيين الأوكران».

لا ندري مَن الأصل في هذه الصناعة الإعلامية المكررة، في دمشق وروسيا وسواها، كأنك بالضبط تعود إلى فيديوهات التلفزيون السوري التي تبث فيديوهات مصادرة أسلحة، وأحياناً أعلاماً إسرائيلية، في حماه، وإدلب، وقرى كردية.

لكن اللافت هذه المرة أن الفيديو يتحدث عن مصادرة أسلحة أجنبية في أوكرانيا، وكأن هذه الأخيرة بلدة في ضواحي موسكو، أو ثكنة عسكرية منشقة عن جيشها الأحمر!

وسوم: العدد 981