هناك تغيير في مسار السياسة الخارجية التركية!

عمر كوش

يبدو أن الساسة الأتراك بدأوا مساراً جديداً في سياسة بلادهم الخارجية، حيث برز في أدبياتهم مصطلح "تصحيح المسار"، بعد المتغيرات والتطورات العديدة، التي حدثت في المنطقة، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي بين مجموعة دول 5+1 وإيران، وازدياد وتيرة التحركات الدولية حول عقد مؤتمر جنيف-2، على خلفية محاولات البحث الدولي لإيجاد حلٍ سياسي للأزمة السورية، فضلاً عن تأزم العلاقات ما بين الحكومة التركية وقادة مصر الجُدد.

وأسفر الحراك السياسي التركي الجديد عن سلسلة من اللقاءات والزيارات للعديد من عواصم دول المنطقة والعالم، قام بها كل من رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية، أحمد داوود أوغلو، في محاولة لتوطيد العلاقات مع العراق، سواء مع حكومة المالكي، أم مع حكومة إقليم شمال العراق، إلى جانب محاولات إعادة الثقة للعلاقات مع إيران، وذلك بعد أن خلطت الأزمة السورية الأوراق والاصطفافات في المنطقة، وأثَّرت على العلاقات المتبادلة بين الدول.

ويسود اعتقاد، لدى صُناع القرار في أنقرة، أنَّ الأزمة في سوريا باتت حرباً بالوكالة، إقليمية ودولية، تجد متحققها في الأدوار، التي تلعبها القوى الإقليمية على الساحة السورية، من خلال دعم وتأييد أطراف معينة في ساحات القتال، وميادين السياسة، على حساب الأطراف الأخرى، في نسخة مكررة من السيناريوين، اللبناني والعراقي، لذلك باتوا يتساءلون عن الكلفة، التي ستدفعها المنطقة من جراء هذه السياسة، وإلى متى ستستمر؟ وإلى أين ستودي بالشرق الأوسط؟

ولعل تغيراً ما، بدأ يرسم ملامح السياسة التركية حيال الأزمة في سوريا، في ضوء تغير التحالفات، وخاصة بعد التقارب الأمريكي الأوروبي مع إيران، وبما يتطلب ضمان الدور التركي المحوري في الملف السوري، لكن ليس إلى درجة حدوث تطور كبير في موقف تركيا حيال الثورة السورية في المدى القريب، وفي ضوء ذلك يدعم الساسة الأتراك المعارضة السورية للذهاب إلى جنيف -2، ويؤكدون دعمهم للحل السياسي في مختلف المناسبات والأمكنة.

بالمقابل، يمكن القول إن إيران بعد الاتفاق النووي غير إيران ما قبل الاتفاق! ربما نشهد تحولاً في الخطاب والتوجهات، في ما يخص ملفات المنطقة الساخنة والعلاقات الثنائية، وبخاصة مع تركيا، بل هناك تقارير تركية، وغير تركية، تتحدث عن اتصالات سرية بين الولايات المتحدة و"حزب الله" اللبناني، جرت في أعقاب الاتفاق مع إيران، قد يخرج عنها ما يقشع الغمامة السوداء، التي تُخيم على المنطقة، وخلفها يكمن احتمال أن تكون هذه الاتصالات في إطار التفاوض مع الحزب لانسحابه من سوريا، كجزء من التحضيرات لمؤتمر "جنيف -2"، لكن الأمر مستبعد في اعتقادي، بالنظر إلى طبيعة التحالفات بين النظام السوري وإيران وهذا الحزب الميليشياوي.

وقد ظهر مؤشر خلال زيارة وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو الأخيرة إلى طهران، تمثل في الدعوة المشتركة مع وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، إلى وقف إطلاق النار في سوريا، قبل الذهاب إلى "جنيف-2"، حيث يمكن اعتباره من أوضح المؤشرات على التحول، الذي بدأ يُلمس في مواقف الأطراف، لكنه قد يُفهم أيضاً ـــــ على أنها تراجع في مواقف كل من تركيا وإيران، وانعكاس ملموس للتقارب الإيراني الغربي حيال سوريا. يُضاف إلى ذلك، المساعي الأمريكية الروسية، المتجهة نحو إقناع إيران والسعودية، باعتبارهما جبهتين متقابلتين في سوريا، للجلوس إلى مائدة الحوار، بغية الوصول إلى توافق لحل الأزمة السورية، من دون بشار الأسد، ودفع الأطراف إلى مرحلة إنتقالية مناسبة.

ولا شك في أن التقارب االتركي الإيراني، سيدفع الأطراف، الإقليمية والدولية، الفاعلة في الملف السوري، لممارسة مزيدٍ من الضغط على المعارضة السورية، ممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، لإقناعها بالذهاب إلى "جنيف-2" مع الأخذ بالاعتبار أن الفشل في التوصل إلى حلٍ في الأزمة السورية، سيُعيق أي مشروع إقليمي يتعلق بالقضايا العالقة في المنطقة، الأمر الذي تعتبره أنقرة من صميم اهتمامات تغيير مسار السياسة الخارجية التركية.

ويضع الاتفاق النووي الإيراني دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، بالمعنى الاستراتيجي السياسي، أمام مسؤولياتها تجاه منطقة الشرق الوسط، من جهة الحفاظ على أمنه واستقراره، بوصفه الخاصرة الكبرى للقارة العجوزة. ولا شك في أن ذلك يؤثر على استقرار وأمن تركيا، وعلى إيران أيضاً، فضلاً عن الدول العربية، والخليجية تحديداً، ولعل نجاح الاتفاق يتوقف على ساسة إيران، ومدى استفادتهم من درس العقوبات، التي أثقلت كاهل الشعب الإيراني، وقادت إيران إلى حافة الدولة الفاشلة، لذلك يتوجب عليهم إحداث تحول حقيقي في التوجهات والأولويات، وبما ينعكس إيجاباً على علاقات إيران بجوارها العربي، وبالعمل على حلحلة الأزمة السورية، بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري ومطالبه بالخلاص من نير الاستبداد وبناء دولة مدنية ديموقراطية تعددية.

وربما يُدرك ساسة إيران جيداً أن التمسك بنظام بشار الأسد المتهالك والفاشل، لم يعد مجدياً، وما عليهم سوى الضغط على النظام باتجاه الرضوخ لمطالب غالبية شعبه، وتوجيه الأوامر إلى "حزب الله" الإيراني وسائر الميلشيات الشيعية الطائفية بالانسحاب من الأراضي السورية. وسيجدون في تركيا سنداً يُعيلهم على ذلك، على المستوى السياسي، وعلى المستوى الاقتصادي بوجه خاص.