صناعة الطغاة، ستالين الدموي

في كثير من مجتمعاتنا العربية كان للقيم والمبادئ الأخلاقية وزن ثقيل في التعامل فيما بينهم البين أما في حاضرنا فلم يعد لهذه القيم والمبادئ أي وزن في ميزان الحياة .

فإذا كانت القيم والمبادئ والأخلاق قد انعدمت وضاعت بين الناس في الحياة الاجتماعية ، فماذا عسى أن نصفها في الحياة السياسية !

التي من أهم الصفات التي يتمتع بها زعماء الطغيان والسياسيين ومن سار على ركبهم . الكذب والدجل والخداع والنفاق وسوء الأخلاق . والفساد المستشري , في ما يحز في النفس ويدمي القلب كمدا وحزنا إننا امة لا نتعلم من التجارب المريرة التي مرة بنا، ولا نستنبط الدروس والعبر من كوارث ومصائب الماضي الأليم الذي هد كيان الأمة ..

لا تكاد تنتهي واحده من تلك الكوارث أو المصائب إلا وتطل علينا الأخرى بتبعاتها وهي اشد ضراوة من سابقتها ولا يغيب طاغية وتعتقد الأمة أنها سوف تتنفس الصعداء بعد رحيل هذا الدكتاتور العتل الأثيم . إلا ويخلفه طاغية اشر منه ، وفي المقابل نجد الطغاة استفادوا من تجارب الطغاة الذي سبقوهم، لهذا نجد بعض الطغاة جاثمين على شعوبهم أكثر من ثلاثين عام ، وفوق هذا وذاك يخلفون لنا أصنام جديدة ( طغاة على الجاهز ) بعد رحيلهم . الزعماء لما وجدوا الشعب خاضع لهم تجرؤا بتوريث أبنائهم .

ومن هنا تشتد الهزيمة في كيان الأمة ويعظم الخطب. حين تهزم الأمة من داخلها وحين تهتز الأمة في ثقتها وفي مقدراتها وفي رجالها. ليس هناك من شك ان لأكثرية من الحكام العرب كانوا وبالاً على أوطانهم وكابوساً على شعوبهم، أذاقوا شعوبهم الويلات والنكبات تلو النكبات فقر وشقاء ومرض وجوع وبؤس وظلم وفساد .

نتيجة زعامات هزلية غير مؤهلة لقيادة الأمة، ابتليت بها البلاد والعباد، ولعل من سوء حظ هذه الأمة ان تحدث لها كل هذه الإعاقات والتَجمَد. في الوقت الذي نرى فيه كثير من الأمم في تسابق منقطع النظير نحوا التطور والنمو والازدهار والرقي في كل المجالات و نواحي الحياة في هذا العصر.

عصر السرعة والانجازات والتقدم العلمي والتقني . المواطن العربي يتمنى الهجرة الى بلاد الغرب .

.

الأمة العربية تمتلك التكامل والتكافل الذي يؤهلها لأن تكون دولة عظماء بكل ما تعنيه هذه الكلمة, دولة عملاقة حضارية صناعية زراعية تصدر لا تستورد ، تصنَع لا يُصنع لها دولة ذات اكتفاء ذاتي في كل متطلباتها واحتياجاتها, فلديها ا لإمكانيات والعلماء والخبراء والمال والأرض والماء والزرع والرجال .

.

نعم بإمكان الأمة أن تكون صاحبة اليد العليا الذي تمد بالعطاء ولا تستمد للاستعطاء وتنتظر المعونات بفرض الشروط والتكبيل بالقيود والتبعية .

ولكن هذا مجرد أحلام يحلم بها كل عربي وكيف تتحقق الأحلام في ظل حكام يلهثون وراء مصالحهم ويستميتون من اجل بقائهم . بعض الطغاة يتعمدون ان تعيش شعوبهم تحت وطأة المشقة ومكابدة الفقر والجوع حتى ينشغلوا في البحث عن طلب لقمة العيش ومتطلبات الحياة ولا يجدون متسعا من الوقت في التفكير بالسياسة أو الثقافة أو أي شيءٌ آخر .

.

في هذا الجزء من صناعة الطغاة ، سنطرح سيرة طاغية يعشق سفك الدماء ويستمتع بتنوع اساليب القتل . ولا ينجو منه حتى من تمكن من الفرار خارج روسيا , بل يخشاه زملاءه في الحزب .

انه ستالين الرهيب المرعب .

.
ستالين الدموي
جوزيف ستالين طاغية العصر و كل العصور. من أشهر السفاحين الذين عرفهم التاريخ البشري، ورمز من رموز الطغيان . والقدوة السيئة لطغاة العصر. سار على منهجه كثير من طغاة العالم .

,

تعرض ستالين للاعتقال في سجن سيبيريا الرهيب عام 1913م حتى قيام الثورة البلشفية عام 1917 م لهذا لم يكن مشاركا في إعداد الثورة الروسية ، هو ثاني رئيس للاتحاد السوفيتي بعد لينين ،البعض يعتبره المؤسس للاتحاد السوفيتي نتيجة ما قام به من تطبيقات للفكر الماركسي والقيام بنقل الاتحاد السوفييتي من مجتمع فلاحي بدائي إلى مجتمع صناعي كبير .

.

ولد ستالين عام 1879م سُمي ستالين أي الرجل الفولاذي، لقوة شخصيته وصلابة مواقفه وشراسة طبعة وسوء أخلاقة وانتزاع الرحمة من قلبه نهائياً فقد قتل الملايين من شعبه بدون تأنيب ضمير أو شفقه أو ندم .

التحق ستالين بالتنظيمات الماركسية السرية في مطلع شبابه وارتقى في المراتب القيادية حتى وصل إلى الأمين العام للحزب الشيوعي عام 1922م ، وعندما تولى السلطة بعد رحيل لينين عام 1924 م استطاع أن يفرض نفسه على الجميع حتى أصبح هو الكل في الكل وهو الذي يُسيَر الحزب كيفما يشاء وقام بالتصفية الجسدية للقيادات التاريخية , والكوادر الحزبية العليا .

حتى انه في نهاية حكمه لم يبقى من القيادات التاريخية إلا أثنين هو نفسه بجلالة قدره ووزير خارجيته مولوتوف . الذي لم يسلم من جبروته وطغيانه . فر هاربا خارج البلاد , وكثير من القيادات المدنية والعسكريين تركوا البلاد .

.

ستالين أرسل عملائه يغتالون خصومه في شتى بقاع الأرض ومن هؤلاء الذين طالتهم سطوته الزعيم الروسي تر وتسكي ، الكثير لا يعرف من هو تر وتسكي أو لا يسمع عنه ، هو ليون تروتسكي من كبار الثوار الذي فجروا ثورة اكتوبر في روسيا عام 1917 م ومن زعماء الحزب البلشفي وصديق لينين ورفيق درب ستالين وصاحب النظرية التروتسكية التي تدعو إلى الثورة العالمية ومن المؤسسين الأساسيين للجيش الأحمر . وعضو المكتب السياسي أعلى سلطة في البلاد .

.

ليون تروتسكي ذو ثقافة عالية ومنظَر ماركسي وله عدة ( مؤلفات ) بعد موت لينين كان يطمع أن يكون هو خليفته من بعده وهو المؤهل الأول لذلك ولكن ستالين استطاع أن يُخادع القيادات في اللجنة المركزية ويضمهم إلى جانبه و تمكن من زرع الفتنة بين أنصار تروتسكي ثم قام بتقليص أظافره بإبعاد أعوانه من مهام وظائفهم ، وإعفاءه من مهام أعماله بذرائع كاذبة وتم تهجيره إلى تركيا عام 1929 م . بوصول ستالين إلى سدة الحكم المطلقة فرض هيمنته الكاملة على الشعب وكافة المؤسسات الحكومية العسكرية والمدنية عام 1930م .

انتهج ستالين سياسة الرعب والقمع والخوف والترهيب . وبالفعل من خلال هذه الممارسات ثبت حكمه وسطوته بسفك دماء ملايين من شعبه .

.

فأول ما بدء به إعدام رفاقه في اللجنة المركزية الذين دعموه وثبتوه في قمة السلطة ثم تلاهم بجميع أنصار تروتسكي في الداخل , ومتابعتهم في الخارج واغتيالهم . وقد تعرض تروتسكي لعدة محاولات فاشلة لاغتياله .

وفي عام 1940م قام احد عناصر عملاء المخابرات الروسية ( رامون مركادر ) باغتيال تروتسكي في المكسيك افرغ عليه وابلاً من الرصاص على رأسه مات على أثرها .

.

استطاع ستالين أن يحكم روسيا واحد وثلاثين عام وان يجعل منها دولة عظماء ان لم تكن الأولى فهي بكل جدارة الثانية في العالم ففي عهده صنعت القنبلة الذرية وتطوير كافة أنواع الأسلحة وزيادة الطاقة الحربية وقدرات روسيا الدفاعية فضلاً عما تمتلكه من قدرات هجومية. استطاع ان يجعل من الاتحاد السوفيتي ندا لأمريكا بكل جدارة واستحقاق .

.لكن كل هذه الانجازات على حساب التضييق والتنكيد وضنك المعيشة للشعب الروسي . فلا مجال من قريب ولا من بعيد للمقارنة المعيشية بين المواطن الروسي وبين أي مواطن آخر في الدول الأوربية، فأكثر موارد البلاد تذهب في تصنيع السلاح لمنافسة

أمريكا وفي تصدير الثورات ونشر الشيوعية في معظم أنحاء العالم حتى أصبح المواطن الروسي كالآلة التي وظيفتها العمل فقط .أو كالقطيع ( عمل وأكل وشرب ونوم )

والمواطن الروسي بعيد كل البعد عن الحياة الراقية والرفاهية وامتلاك السيارات الفارهة وامتلاك العقارات .

.

وانتهج ستالين النظرية الميكافيلية الغاية تبرر الوسيلة . لهذا سمح لنفسه بإعدام عشرات الملايين من البشر ، من التجار وملاك الأراضي والفلاحين والعمال والقيادات السياسة والقيادات العسكرية البارزة التي لها ادوار بطولية في الحرب العالمية الثانية ، ومن لهم بصمات في إنجاح ثورة اكتوبر الروسية .

حقيقةً انه طاغية متعطش للدماء وغريب الأطوار فقد جعل من سيبيريا اكبر معتقل في العالم . كما ان الإيديولوجية الماركسية ترفض الأديان السماوية ، وكما عبر عن ذلك احد الملحدين العرب الماركسيين بأن الأديان أفيون الشعوب ، قام ستالين بمحاربة الأديان السماوية وهدم دور العبادة وإعدام رجال الدين من المسلمين والمسيحيين واليهود .

.
من الأسباب التي ساعدت هذا الطاغية ان يظل جاثم على كرسي الحكم واحد وثلاثين عام

زرع الخوف والرعب بين صفوف الشعب بأساليب يعجز عنها شياطين الجن .

قتل وقمع و اختطاف تعذيب رهيب والاختفاء المخيف المرعب .

هذا الخوف والرعب لم يطال الشعب فقط ، انما طال كل القيادات الحزبية و العسكرية والسياسة .

المواطن السوفيتي لا يستطيع ان يبوح لنفسه ما يجوش في داخله من الخوف ومن اجهزت التنصت المنتشرة كل مكان وفي اماكن لا تخطر على بال .

اكثر دوله عربية سارت على خط ستالين هي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فقد اعلنوها بفخر واعتزاز انهم يسيرون على نهج الاشتراكية العلمية . وثبتوها بالنجمة الحمراء فوق العلم ( الشعار الشيوعي للاتحاد السوفيتي ) ونشيدهم الوطني الأممي المفروض على الطلاب في طابور الصباح وتفتتح قنوات الإذاعة والتلفاز وعند ختم الإرسال .

.

ستالين صاحب المقولة الشهيرة ( ان موت فرد واحد لهي مأساة كبيرة ..

وموت مليون فرد إنما هو مجرد إحصائية عددية ..

المعنى الحقيقي لهذه العبارة ، موت عنصر من الحزب مأساة كبيرة وجريمة عظيمة . أما إعدام عشرات الآلاف أو ملايين من الشعب، مجرد إحصائية عدديه !

.

اسباب استمراه وبقاءه في السلطة ( خطط اجرامية لا انسانية )

ستالين يرى ان الموت حل لبقائه في السلطة وحل للمشاكل والمخاوف التي تشكل خطر عليه .

لهذا أعطى الصلاحيات الكاملة لجميع فروع الحزب في كل المناطق الكبيرة الصغيرة في تنفيذ حكم الإعدام السريع بدون تهمه ولا محاكمة لزرع الرعب والخوف للشعب .

المواطن الروسي يخاف من نفسه على نفسه من ان يهذي بكلام وهو نائم .

.

هنا اذكر قصة مشهورة في قطر عربي زوجة العامة سجلت على زوجها قيادي كبير في بيته تسجيل ينتقد الزعيم ووصل التسجيل الى ا لزعيم فأعدمه .

في ظل هذا النظام انتزعت الرحمة والترابط والتالف والمشاعر الأسرية والإنسانية .

ستالين كان حذر ولا يثق بأحد . الطعام لا يأكله الا بعد ان يتو ذوقه احد قبله .

مات ستالين الذي لم يكن يعتقد انه سوف يموت عام 1953 م . وعمره 74 سنة .

ضحايا ستالين

ليس هناك توثيق دقيق في عدد ضحاياه . لأسباب كثيرة الخوف وسيطرة المخابرات على كل شارده ووارده في البلاد . والاعدامات للأبرياء فما بالك عن المشتبه بهم .

الأديب الروسي المنشق والحائز على جائزة نوبل الكسندر سولزنيتين قدر العدد بـأكثر من 60 مليون نسمه عدد ضحايا لينين و ستالين .

المؤرخة الانجليزية كاثرين مارديل قدرت عدد ضحايا ستالين بـ ( 50 مليون نسمه )

المؤرخ البريطاني المعروف نورمان ديفيدز يقدر عدد ضحايا ستالين ( 57 ) مليون نسمه

قتل جماعي لـ مئات الآلاف , حفرت لهم خنادق ليرموهم بالشيولات فيها , في كل انحاء روسيا .

وكثير من الموثقين كتبوا عن عدد ضحايا السفاح ستالين وكلهم

في اطار هذا الاختلافات قدر انه عدد ضحايا ستالين ما بين ( 25 مليون الى 30 مليون)

.

عدد الضحايا لا يتجاوز عددهم تسعه ملايين فقط .

أياً كان العدد فستالين ضرب رقما قياسيا في ازهاق الأرواح البشرية .

أما الرفاق الشيوعيين المدافعين عن ستالين فقد أصدروا وثيقة تبين الافتراءات المعادية لشيوعية والثورات التحررية العالمية . ان عدد الضحايا لا يتجاوز عددهم تسعه ملايين نسمة فقط .

أياً كان العدد فستالين ضرب رقما قياسيا في ازهاق الأرواح البشرية .

.

خلاصة هذه السيرة، عندما نستعرضها ونلخصها في مقالات نحتاج الى عدد من المقالات.

كثير من طغاة العالم ساروا على منهجه و سيرته الاجرامية .

وجعلوا من الرفيق ستالين الأب الروحي الذي يستمدون من سيرته ومنهجه .

واستهانوا بأمر الشعوب .

وللأسف الشديد انه لا يزال بعض العناكب البشرية تؤمن في دواخلها بتلك الأفكار الخبيثة والمبادئ الشيطانية , ومنهم من لقي مصيره ومنهم من ينتظر .      

~~

من اقوال ستالين

الأفكار أقوى من المدافع

نحن لا نسمح لأعدائنا امتلاك مسدسات ولا بنادق

فلماذا نترك لديهم الأفكار

لا اثق بأحد حتى نفسي

وسوم: العدد 986