أهداف زيارة بايدن إسرائيلية وسعودية وأميركية بحتة

تنتظر أطراف شرق أوسطية وعالمية ما ستتمخض عنه زيارة بايدن للمنطقة ، اليوم الأربعاء، التي ستدوم ثلاثة أيام . وإسرائيل والرياض هما الأكثر حماسا للزيارة وتفاؤلا بما سيعود عليهما منها . إسرائيل تتطلع إلى تقارب علني مع الرياض تتمناه تطبيعا رسميا ، وإذا صحب بايدن في رحلته من إسرائيل إلى جده مسئولٌ إسرائيلي للمشاركة في الاجتماع الذي سيعقده فيها بايدن مع زعماء تسع دول عربية ؛ فسيكون هذا إنجازا إسرائيليا كبيرا ، وربما فاتحة التطبيع المأمول . ويقول لابيد رئيس الوزراء الإسرائيلي الانتقالي :" نسعي لتغيير التاريخ ، ونمد يدنا لجميع دول المنطقة ... " ، وبديهيٌ أن التغيير التاريخي الذي يريده هو لخير إسرائيل كليا ، ومد يده لجميع دول المنطقة هدفه أن تعود هذه اليد بعد مدها محملة بما تريده إسرائيل التي لن تقدم أي شيء للشعب الفلسطيني ثمنا للتقارب العربي معها بعد أن رفضت المبادرة العربية التي صاغتها الرياض قبل عشرين عاما داعية فيها إسرائيل للانسحاب من الأرض العربية المحتلة بجائزة الاعتراف العربي الشامل بها الذي سيتلوه حتما الاعتراف الإسلامي . إسرائيل  اليوم تقترب من الاعتراف العربي والإسلامي الذي وإن لم يكن شاملا فهو كافٍ لها ، والبقية تأتي مع الوقت  ، ودون أن تنفذ شرط المبادرة العربية الخاص بالانسحاب . كانت تعرف ما في المبادرة من نفاق وعدم جدية ، وقرأتُ مرة خبرا خلاصته أن المبادرة من تصميم إسرائيل  ، وأن الرياض عرضتها على قمة بيروت العربية في 2002 بالاتفاق معها  لتكون حبل تجاذب يلين  الأطراف العربية للاعتراف المجاني بها ، وهو ما تقترب  الآن من القبض عليه  . السياسة الإسرائيلية  مثل السياسة الغربية  تتحرك في خطوط لولبية لا استقامة فيها تيسر فهمها لحظة سماعها  . وإسرائيل تسمي اعتراف الرياض بها والتطبيع معها علنيا الجائزة الكبرى . والجوائز كبيرة او صغيرة أو ما بين الكبر والصغر تمنح لمن أحسن عملا ما ، وكل أفعال إسرائيل ضد الشعب  العربي قبائح وقتل وتخريب وإفساد ونوايا شيطانية شريرة مخفية تطل بأنيابها بين وقت وآخر ، ولا تخشى أحيانا من الجهر بها ، والمؤكد أن استحقاقها الجائزة سببه مساهمتها الكبيرة في حماية الطغاة العرب بالتعاون الوثيق مع أميركا ، والمتوقع أن تكون هي الرابح الأول من زيارة بايدن . أما الرياض فكل هدفها أن تفتح الزيارة الباب الفتحة النهائية لقفزة ولي العهد محمد بن سلمان إلى العرش بعد أن تزيل  آخر غشاوات النفاق الأميركي عن الاستياء من اغتيال خاشقجي . أميركا استغلت القتل في إضعاف ابن سلمان وإضعاف بلاده إزاءها ، وملابسات كثيرة أفصحت دائما عن علمها ، أميركا ، بنية الاغتيال ، ولم تفعل ما يوقفها . وهي أصلا التي مكنت ابن سلمان من خطف ولاية العهد من محمد بن نايف  ، ومكنته من الوقوف في وجه كبار الأمراء الذين ما كان لينتصر عليهم لولاها ، وهي الآن مع إسرائيل تريد منه أن يرد الجميل بالجميل أو بما هو أجمل منه علنا . وسبق أن باح باستعداده لهذا الرد حين قال إن إسرائيل حليف محتمل  لا عدو . ومن هذا الرد المسبق قوله في اجتماع مع كبار يهود أميركا في مارس 2018 إنه لو كان لبلاده مائة قضية لكانت فلسطين هي رقم مائة بينها . أي لا قيمة لها عنده وعند بلاده .  والأهداف الأميركية أولها تعميق دمج إسرائيل في المنطقة ، وتوكيد أن دول الخليج وأولها الرياض في القبضة لأميركية ، وأن روسيا والصين لن تنتزعاها من هذه القبضة القوية . وأما زيادة إنتاج النفط والغاز لخفض سعريهما فهذه كذبة متفق عليها بين أميركا والدول الخليجية المنتجة لهاتين السلعتين للتوهيم  بأن هذه الدول قادرة على مخالفة الإرادة الأميركية مخالفة تستوجب زيارة بايدن لاستجداء زيادة إنتاجهما لتصدق شعوب تلك الدول أن قادتها يتحدون أميركا ن وأنهم ليسوا أتباعا خاضعين لها ، ويعزف الآن إعلام الرياض هذه النغمة .وهناك حديث عن صفقة أسلحة مع الرياض .  وهدف الحث على رعاية حقوق الإنسان الذي تحدث عنه بايدن كذبة أميركية صدئة مهترئة ،  و false flag  بلغة الإعلام الأميركي  ، أميركا ألد وأخبث عدو لهذه الحقوق خارج حدودها ، وتفضل عليها  صداقة الطغاة القساة الذين يسحقون أبسط هذه الحقوق   . ولن تفيد السلطة الفلسطينية أي فائدة سياسية من زيارة بايدن لها في رام الله . هذه الفائدة تتحكم فيها إسرائيل التي لا تسمح بها . ربما تقدم أميركا أثناء الزيارة معونة مالية تنفق على الأجهزة الأمنية الفلسطينية ، وهذا لخدمة أمن إسرائيل . واللافت أن السلطة الفلسطينية لم تُدعَ للمشاركة في اجتماع جدة العشري مع كونها محسوبة على ما يسمى محور الاعتدال العربي الذي تنتمي فعليا إليه . حين قدم هنري كيسنجر وزير خارجية أميركا  لفض الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية شرقي وغربي القناة بعد حرب أكتوبر 1974 قال : " جئت لأصطاد السمكة الكبيرة . " ، يعني مصر ، وتم اصطيادها بعد قولته على مراحل ، وكان ذلك إنجازا عظيما جنته إسرائيل ، ويجيء الآن بايدن لاصطياد سمكة كبيرة ثانية هي بلاد الحرمين ، وسيكون اصطيادها إنجازا إسرائيليا يعادل الإنجاز السابق ، وربما يتفوق عليه لاختلاف الأحوال بين زمن الإنجازين . ودائما العرب هم الأدنى كسبا في علاقاتهم بالآخرين أو الأخسرون تماما . 

                              *** 

*" ... وبعدها جاءت الحرب على الإرهاب التي أطلقت شرارتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي من الجائز بقوة أنها ما كانت إلا هجمات لفقها جهاز الأمن الوطني في الولايات المتحدة لاختلاق مسوغ للسيطرة على الشرق الأوسط سيطرة كلية ... " من مقال للكاتب الأميركي ريتشارد كوك في موقع صحيفة " في . تي " الأميركية . 

وسوم: العدد 988