نجوى كرم ورائحة النصر السوري… العدالة الوقحة للنظام… وأقوال مفكر ميت

«كي لا نكذب على أنفسنا: هنالك سوريتان، سوريا إدلب وأخواتها، من أقصى الجنوب إلى جرابلس، وسوريا المدنية الحضارية.

أتساءل باستمرار: كيف يمكن أن يتعايش أبناء وادي النصارى مع أبناء أريحا؟

كيف يمكن أن يتعايش أبناء مصياف أو السلمية مع أبناء موحسن؟

كيف يمكن أن يتعايش أبناء صافيتا مع أبناء الباب؟

أسئلة بلا أجوبة».

تُنسب هذه الكلمات إلى «مفكر» سوري مزعوم، رحل منذ أيام. وكانت أول وأكثر ما استُعيد إثر إعلان وفاته. هذه الكلمات (اللهم عافِنا) أثارت سخطاً عندما تفوّه بها صاحبها منذ سنوات، ومجدداً تثير السخط واللعنات.

لا جدال في أن سوريا اليوم، ومنذ سنين، «سوريات» متعددة، لا أحد يغامر في وصفها ككتلة واحدة مصمتة على غرار ما أراد «البعث» تصويرها. إنما أراد الرجل الميت للتوّ حشر كل تلك «السوريات» في اثنتين، ولا يخفى على أبسط العارفين وأكثرهم سذاجة أنه يقصد سوريا المتأسلمة (سوريا السنة تحديداً)، المتخلفة، تلك الممتدة من جنوب البلاد، إلى إدلب والباب وجرابلس شمالاً، إنه يفصل تحديداً بين سوريتين؛ تلك الخاصة بالأكثرية السنية، وسوريا الأقلوية.

هي قسمة طائفية مئة في المئة، فـ «المفكر» لم يقبل حتى موحسن (في محافظة دير الزور شمال شرقي)، تلك المدينة التي كانت تسمى موسكو الصغرى، من فرط احمرارها، أبى الرجل إلا أن ينسبها إلى جبهة إدلب. ثم اصطفى لسوريا الأقلوية وصف «سوريا المدنية الحضارية». والآخرون؟!

لست في حاجة لتقصي نسبة الكلام للمفكر الميت، فنظرة إلى ما كتبه في العشرية الفائتة تشي بأن دأبه تصوير كل آخر مختلف عنه وعن نظامه بأنه «إدلب وأخواتها».

كل ذلك فيما هو يختم بالقول إنها «أسئلة بلا أجوبة»، وهي في الواقع ليست سوى أحكام مطلقة بالإعدام، وبالبراميل، وبالقصف الروسي، وسواها.

ما يعني المرء في هذا الاستذكار لهذه الكلمات، ليس التشفي، فلم يحدث سوى الموت العادي، وهو كأس على كل الناس، ولا حسم جدل ما حول الرجل (انظر، حتى أننا لم نأت على ذكر اسمه)، فليس أوضح من مكانته وصفاته، ما يعنينا هو أن الكلمات لسان حال عدد كبير من موالي النظام السوري ومؤيديه، لسنا بحاجة للتذكير بمرادفات من قبيل «نحلم بدمشق من دون ريف»، و»سنجعلها حقل بطاطا»، و»اقصفوهم بالبراميل» و»هاي مشان الحرية».. وسواها مما لا ينسى.

لم يفعل الميت الراحل للتو سوى أن لخصّ الحال ونطق باسمهم، باسم كل هؤلاء.

أعراض عدالة مؤقتة

السوريون، خصوصاً في مناطق سيطرة النظام مشغولون هذه الأيام بجريمة فظيعة ارتكبت في مدينة حمص؛ خطف طفلة، ثم العثور على جثتها في حاوية للنفايات، وإلقاء القبض على المجرم، ليعرض على الشاشة الرسمية ويعترف بالخطف والاغتصاب والقتل. المجرم روى بتفصيل وبدم بارد كلّ ما اقترف، من دون أن تخفي الشاشة الرسمية أي كلمة أو اعتراف، ومن الطبيعي أن يأتي الأمر جارحاً جدا للناس، ولذوي الطفلة خصوصاً. إلى حدّ أن تلفزيون النظام اضطر، في اليوم التالي لبث الاعترافات، للاعتذار، وهي سابقة قلّما يسجّلها النظام خلال خمسين عاماً من حكم عائلة الأسد.

قلّما كشف النظام عن جريمة، من بين العدد الهائل من الجرائم التي ترتكب في طول البلاد وعرضها، وحين يكشف، ستجده يمطّ رواية الجريمة وتفاصيلها على شاشاته من دون خجل.

قبل وصول شريط البث إلى مبنى التلفزيون لم يلاحظ إعلامي ما، حقوقي، شرطي عاقل من «بتوع المسلسلات» شاعر موظف في التلفزيون، ممثل في برنامج «حكم العدالة»، عامل نبيه، أن الكلام جارح ولا يجوز أن يبث على ملايين البشر.

نظام قبيح ولئيم ومتوحش، حتى حين تنتابه بعض أعراض العدالة.

«شمس الغنية اللبنانية»

في عقل كل مغن لبناني ذاهب إلى دمشق أسطورة فيروز والرحابنة، أن دمشق، ومعرض دمشق الدولي بالذات، هي من صنع فيروز. المغنية نجوى كرم، وهي من هي، المصنوعة أساساً كـ «شمس الغنّية اللبنانية»، هي اليوم أقرب إلى الأفول، لذلك ربما محاولات الشحن والتجديد جارية، وكل ذلك مفهوم الآن في لحظات الغروب المتعبة. إنما أن تقول نجوى إنها شمت هناك رائحة النصر، فعلى الأرجح جعلت موالي النظام، قبل معارضيه، يضحكون في عبّهم. هذه العبارة وحدها استحقت أن تكون «ترند» الأيام الأخيرة.

«ماذا تنفع الأعلام »

احتضنت ساحة الأمويين في وسط دمشق وقفة جماهيرية «عفوية» احتفالاً و «مشاركة للشعب الروسي بيوم تأسيس العلم الوطني لبلادهم». في فيديوهات ومقابلات نقلها إعلام النظام من الساحة (كانت حلم الثوار ذات يوم) يتغنى موالوه بالعلم، ويشرحون ألوانه، ويتحدثون عن بطولات الجيش الروسي، وعن عفوية الاحتشاد والاحتفال. لقد أسهبوا حتى ظننا أن العلم الروسي هو العلم الرسمي لسوريا لا لروسيا، ونراهن إن كانت سوريا ذاتها قد شهدت في تاريخها احتفالاً بعلمها كما بهذا العلم.

سوريا الأسد التي استغنت عن علم الاستقلال الذي حاربت به البلادُ ذات يوم الفرنسيين، لأنه بات علم الثورة السورية، كان سهلاً عليها أن تتغنى وتمجّد علم بوتين، وترسمه على جدران الأوبرا السورية في ليلة سابقة. اليوم علم روسيا، غداً علم إيران، والصين، ثم أعلام الميليشيات العراقية والإيرانية واللبنانية والأفغانية!

لكن ماذا تنفع الأعلام نظاماً ساقطاً، هل بلغك مرة أن علماً أنجدَ تشاوشيسكو أو زين العابدين بن علي أو القذافي؟!

وسوم: العدد 994