من المستحيل أن تغير قرارات الحكام قناعات الشعوب

يخيل لكثير من الحكام أنه بإمكان ما يتخذونه من قرارات ويفرضونها على شعوبهم  أن يغيّر من قناعات هذه الأخيرة ، وهم بذلك واهمون لأن قناعات الشعوب صادرة عن إيمان راسخ لا يتزحزح ، ويحكمها منطق إجماع واع ، بينما قرارات الحكام  قد لا يؤمن بها من تصدرعنهم ، ويحكمها منطق الانفراد باتخاذها كما جاء في الذكر الحكيم على لسان فرعون مخاطبا قومه : (( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )) .

ويحاول الحكام أن يعطوا انطباعا خاطئا مفاده أن قراراتهم هي نفسها  قناعات شعوبهم ، لهذا تعمل وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها  على  تكريس هذا الانطباع ، والحقيقة خلاف ذلك تماما حيث تظل قرارات الحكام في واد وقناعات الشعوب في واد آخر، والدليل على ذلك ما حدث في ثورات الربيع العربي حين خرجت الشعوب معبرة عن قناعاتها بضرورة رحيل حكامها لسوء قراراتهم المتسببة في سوء أحوالها .

وبالرغم من أن تلك الثورات أجهضت كلها بثورات مضادة مختلفة الأساليب الماكرة علنا وسرا من قطر لآخر ، فإن ذلك لا يعني حدوث تغيير في قناعات الشعوب العربية التي لا زالت متشبثة بها وهي راسخة لا تخفى على الحكام الذين يحاولون إعطاء انطباع  آخر خاطىء يوهم بأنها قد تخلت عنها  ، وأنها أسلست لهم القياد ، واستسلمت للأمر الواقع .

و تأكيدا لهذه الحقيقة ،سنقف عند نموذجين لشعبين شقيقين ، النموذج الأول هو الشعب الجزائري الذي كانت ثورة ربيعه  سباقة في الوطن العربي  في التسعينات من القرن الماضي والتي أجهضها حكامها عن طريق استخدام الجيش ، وهو ما خلف آلاف الضحايا من أبناء هذا الشعب فيما صار يسمى العشرية الدموية . وبعد ثورات الربيع العربي عاد الشعب الجزائري من جديد لبعث الحياة  من جديد في ثورة ربيعه، فظل يرابط في الساعات العمومية والشوارع كل جمعة  لأكثر من سنة أو يزيد مطالبا بحياة كريمة وبطرق سلمية لتلافي مصير ثورة ربيعه الأول التي أجهضها الجيش بذريعة أنها صنيعة الإرهاب إلا أن الحكام في الجزائر الذي يستخدمون دائما الجيش لقمع الشعب الجزائري، حاولوا مرة أخرى إجهاض ثورته الثانية  بأسلوب فج عن طريق  انتخابات مطبوخة أسفرت عن وصول حكام فعليين من الجيش هم من يحركون رئيسا صوريا لا يختلف في شيء عمن سبقوه في لعب دور الدمية ، وقد خيل إليهم أنهم بالفعل قد استطاعوا صرف الشعب عن قناعته الراسخة بأنه يريد حياة كريمة ، وهو ما ظل يعبر عنه باعتصاماته خلال أيام الجمع لمدة طويلة.

ولقد اتخذ حكامه العسكر قرارات ضد البلد الجار المغرب تمثلت في قطع العلاقات الدبلوماسية معه ، وإغلاق الحدود معه برا وبحرا وجوا ، وهم  يحاولون  واهمين تصوير تلك القرارات المتهورة  بأنها معبرة عن قناعة وإرادة  الشعب الجزائري الذي يرفضها رفضا قاطعا ، وقد عبر عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي المنبر الوحيد المتاح له، وتوجد فيديوهات متعددة  مصورة وناطقة تصويرا حيا وقد شملت مختلف فئات الشعب وأطيافه الذي يريد حدودا مفتوحة مع شقيقه الشعب المغربي خلافا لقرارات حكامه المستبدين ، والذين لا زالوا يعزفون على وتر أمجاد الثورة الجزائرية ضد المحتل الفرنسي ويرتزقون بها  محاولين استغلالها لصرف أنظار الشعب عن أولويات مطالبه ، وإقناعه  بأن المغرب هو عدو اليوم تماما كما كانت فرنسا عدوة الأمس ،علما بأن حكام فرنسا المتعاقبين على الرئاسة صدر عنهم تجاه الجزائر ما يوجب على حكام الجزائر اتخاذ قرارات ضد فرنسا أكثر من قطع العلاقات وإغلاق الحدود، ولكنهم لذلة متأصلة فيهم خلاف ما يدعون من عزة  لم ولن يجرؤوا  أبدا على ذلك بل استقبلوا مؤخرا الرئيس الفرنسي الشيء الذي أثار حفيظة الشعب الجزائري ، وقد لقي الرئيس الفرنسي من الصورة المعبرة عن  الغضب الشعبي ضد زيارته  ما يكفي للدلالة على أنه زائر غير مرغوب فيه ولا مرحب به ، ويكفي الاستشهاد بما حدث في مدينة وهران ، ومع ذلك حاول حكام الجزائر المنبطحون له جعل قرار انبطاحهم قرارا معبرا عن قناعة شعبهم وإرادته افتراء عليه .

ولقد كانت التجربة الديمقراطية في تونس مصدر قلق الحكام في الجزائر ، ولم يهدأ لهم بال حتى نقلوا إلى تونس عدوى إجهاض ثورة ربيعها من خلال ركوب ظهر الرئيس التونسي الذي وصل إلى سدة الحكم  عن طريق اللعبة الديمقراطية ثم انقلب عليها ، ونصب نفسه ديكتاتورا على شاكلة من كانوا قبله من الرؤساء الهالكين ، وقد باع نفسه لحكام الجزائر بثمن بخس دانانير معدودات  ، ولغيرهم من الحكام الذين يخشون نجاح التجارب الديمقراطية في الوطن العرب المهددة لاستمرار استبدادهم .

وآخر ما لطخ  به الرئيس التونسي سمعته السيئة إذ حكم على نفسه بفقدان الشرعية عندما أجهز على المسار الديمقراطي ، وجمع كل السلط في يده هو خضوعه لإرادة حكام الجزائر الذين أصبحوا يلقنونه دروس الاستبداد الذي تمرسوا به  فأوعزوا إليه استقبال زعيم عصابة إجرامية مركزها في مدينة  تندوف مقابل رشوة ظنها طوق نجاته من أزمة مركبة لا خلاص له منها بعدما عمقها بخيار استبداد بالسلطة على طريقة حكام الجزائر.

والرئيس التونسي على غرار حكام الجزائر يحاول إيهام نفسه بأن قراراته الطائشة سواء المتعلقة بالسياسة الفاشلة داخليا وخارجيا تحظى برضى الشعب التونسي ، وهي معبرة عن قناعته وإرادته ، وهو لا يتردد في الحديث عن هذه الإرادة والادعاء بأنه يصدر في كل قراراته عنها ،علما بأن سواد الشعب التونسي يلفظه ،و يلفظ قراراته الطائشة كما يعبر عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي منبره الوحيد الذي يسفه إعلام الرئيس المأجور .

وليس من قناعات  الشعبين الشقيقين الجزائري والتونسي ما يصدر من  قرارات عمن يحكمانهما ، وليس من شيمهما التنكر لأخوة الشعب المغربي ،ولا التنكر لوحدته الترابية التي يعتبر  تنكر حكامهما لها العائق الأكبر في تحقيق حلم الوحدة المغاربية القوية  والقادرة على فرض إرادتها أولا على محتل الأمس الذي صار يسبح في ماء عكر لتعكير صفو أخوة شعوب هذا الوطن الكبير راكبا ظهر حكام الجزائر وحاكم تونس لتمديد صولانه وجولانه  في المنطقة ، واستغلال مقدراته لتحقيق رفاهية شعبه على حساب الشعوب الشقيقة التي تخلصت من احتلاله لتجد نفسها رهينة استبداد حكام يكرسون وضع فترة الاحتلال بدعم منه صريحا أوضمنيا  .

وفي الأخير ننبه الشعبين الشقيقين الجزائري والتونسي أننا  كمغاربة حين نفضح السياسات الفاشلة  لحكامهما، فإننا نميز بين قرارات هؤلاء الطائشة والعدوانية  وبين قناع وإرادة شعبين شقيقين نكن لهما المحبة الخالصة ، مع كامل الاحترام والتقدير ، ونحن نتوق معهما إلى غد ينتهي فيه عهد الاستبداد ، ويتحقق فيه حلم الوحدة  المغاربية المنشودة ، وما ذلك على الله عز وجل بعزيز .

وسوم: العدد 996