وسألني من المسؤول الأول عما نحن فيه ؟؟

أجبتُ بسذاجتي القديمة: أنا .. نعم أنا .. أنا..

وبكل بساطة وتواضع أعتقد أنني أنا…

وأظل أضرب رأسي بالجدار ..وأقول: أنا !!

والمهم

أنا .. نحن.. أنتم .. ولكن ليسوا هم…!! ما كانوا هم ولن يكونوا أبدا، وحين يعود كل طير إلى وكره، لن يكون هناك غيري وغيرنا أو غيركم.. وعن نفسي أقر، وإقرار الفتى أو الشيخ له لازم فأقول: أنا .. نعم أنا…

 أنا ومن شاء منكم انضم إليّ فنقول نحن، نحن من فرّط وضيّع وتراخى وأسرف وغفل وتواكل واغترّ وأخلد وحلم وتمنى وانتظر وداهن وراهن ومارى وكولس وباع واشترى و… و… و…

أنا أو نحن فلا فرق، وأما بشار الأسد، فإن الفحيح من وكر الأفعى لا يستغرب!!

وأما هم فلا أحد يعلق جوع أولاده على تفربط جيرانه!!

أنا … أنا… أنا…

وأجمل كلمات القرآن عن أبوينا، قوله تعالى عن حكايتهما مع الشيطان (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) وأفكر فيها في التدلية وفي المدلّى.. وفي الغرور ويحضرني يوم عايشت وأنا طفل صغير ، ندلى الدلو في البئر، وأتساءل: كيف دلاهما؟؟ إلى أين دلاهما؟؟ أي تدلية هذه؟؟ وما معنى التدلية بالغرور!! فدلاهما بغرور!! وكيف يصبح الغرور حبلا يتدلى عليه أو به رجل وأمرأة معا ؟؟ وإلى أي قرار سحيق كانت التدلية، من يفاع الجنة إلى غور سحيق..!!

هل كان غرورهما أن يعتقدا أنهما يستحقان..وأنهما مؤهلان، وأنهما قادران!!! وان أعجب أبونا أنه قد عُلّم الأسماء؟

نعم أنا المسؤول…

 عن كل ما حصل وما يحصل لنا جميعا وليس لي فقط..!!

وصدقت قوما قالوا: نحن لها، ومشيت في ركابهم، ودعوت بدعائهم…

وبعد كل هذا أنتظر أن يبقى فينا على الأقل قدر من المروءة، والمروءة أعم من الرجولة وأسبق، ولأنها تشمل الامرأ والامرأة، يعني الرجل والمرأة، أن يبقى فينا قدر من المروءة ليقول كل واحد فينا : أنا الذي فعلت…أنا الذي تسببت، أنا الذي أذكيت هذه النار بعود ..!!

أنا وليس التركي ولا السعودي ولا الروسي ولا الأمريكي ولا الإيراني

أنا .. أنا واسمعوها يا أهل الملا ..أنا ..

ومع أنني لم أكن في أمر هذه الثورة شريكا في قرار، ولم احتكم فيها يوما لا على درهم ولا على دينار، ولم أسيطر لا على فصيل ولا على فسيل؛ولم أقدم ولم أؤخر، ولم يحتك كتفي بكتف معالي وزير، ولا جلست يوما إلى سعادة سفير ..ولكنني أقرّ وأعترف أنني أنا … وعندي من المروءة ومن الرجولة ما تسعفني أن أقول: أنا .. أنا المسؤول..

وأعلم أن هذه الكارثة لا بد لها من حامل.. أو من متحمل

أقول أنا .. وأتذكر جمال عبد الناصر في السابعة والستين يقول: انتظرناهم من الغرب فجاؤونا من الشرق!!

وأتذكر عقائديو البعث يومها يقولون: انتصرنا وما انكسرنا، صحيح ضاعت الجولان ولكن بقينا على الكراسي!!

وأقول: أنا..

وأضع رأسي على الوسادة كلم جنني الليل وأتذكر الذين واللواتي يبيتون في الفلا، فأقول: يا رب أنا….

وأرفع اللقمة إلى فمي بعد طول صدوف… فأتذكر الجائعين هناك وهنالك فأقول يا رب أنا..

ويقترب مني حفيدي باكيا من أجل دميته، فأمسح على رأسه فأتذكر رؤوسا شعّثها اليتم.. وأقول: يا رب أنا ..

كم أتعبني الفقهاء الذين أحبهم "الذين أحبهم وليس الذين أستثنيهم" كم أتعبني الفقهاء الذين أحبهم يوم كتبوا في متونهم "من تطبب وهو لا يحسن الطب فهو ضامن" وفي لحظة مرت كما يمر الذباب أمام وجه المرء، فيقول له بيده كذا..وجدت نفسي ذاك المتطبب أو ذاك الضامن..فصحت مقرا معترفا: أنا .. أنا ..

أبسط ما نسينا عملية التعقيم في غرفة العمليات حتى لا تكون "مزرعة" للجراثيم، في عملية للقلب المفتوح !!

أنا .. أنا المسؤول

والذين ينكرون مسؤوليتهم عما نحن فيه أمرهم موكول فيهم إلى ربهم

(قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1002