الاستوزار بين معيار الأهلية والكفاءة وبين محاباة الأحزاب الفائزة في الاقتراع مناضليها بالمناصب الوزارية

من المفارقات أن النعمة والنقمة تجتمعان في المناصب خصوصا العليا منها ، وعلى رأسها المناصب الوزارية ، وتحديدا تلك التي لا تكون سيادية بل يكون الوصول إليها عبارة عن محاباة الأحزاب الفائزة في الاقتراع مناضليها أو كوادرها فتخصهم بها مقابل  ما يقدمونه لها من خدمة سواء كان ذلك منهم عن حسن نية وطوية أم كان الدافع إليه محض وصولية وانتهازية ، وهذا أمر يشهد عليه سلوك انتقال البعض من حزب إلى طمعا في المناصب والواقع يشهد على ذلك حيث ينتقل الواحد منهم من حزب في أقصى اليسار إلى آخر في أقصى اليمين تماما كما يفعل  المقامر المراهن في سباق الخيول على المجلّي منها.

وأما نعم المناصب الوزارية، فلا تعد ولا تحصى ، وقد تعود بالنفع على كل من له صلة بمن يظفر بها  ، وأما نقمها فعبارة عن نكوب ، ولنا في التاريخ شواهد على ذلك نذكر منها نكبة الوزراء من آل برمك الذين قربهم الخليفة العباسي هارون الرشيد منه ، فأطلقوا أيديهم  بالعسف والظلم في رعيته ، وراكموا الثروات الفاحشة ثم نكبوا بعد ذلك شر نكبة حتى صارت نكبتهم عبرة لكل طامع في المناصب العليا .

 وبقدر ما تكون فرحة الطامع في المنصب عظيمة، تكون نكبته حين يفقده أعظم .ولا يستثنى من ذلك وزير وزارة سيادية أو وزير وزارة غير سيادية، لأن مرارة  النكبة واحدة.وقلما يخطر ببال الحالمين  بالمناصب الوزارية التفكير في النكبة مع أنه لا يعوزهم الاعتبار بمن نكبوا قبلهم . ومن صور التعبير عن نكبة أصحاب المناصب العليا تشبيه كراسيها عند البعض  بكراسي  ربان الطائرات حين تنفجر في الفضاء، وما أبلغه من تشبيه 

وإذا كان أول الغيث قطرات، فإن بوادر نكبة أصحاب المناصب قول الناس لهم : " ارحلوا " وهي عبارة شؤم عندهم يشمئزون من سماعها وإن تظاهروا بعدم مبالاتهم بها، والحقيقة أنها تنغص عليهم حياتهم .

ومن الغريب أن تكون أسباب نكبات أصحاب المناصب مما يستهينون به كزلات  اللسان أو توافه الأفعال ، ألم ينكب وزير عندنا بسبب مغازلة وزيرة ، ونكبت هي الأخرى بسبب ذلك ؟ كما نكب غيرهما بسبب إعطائه أمر بكنس ملعب كرة قدم بمكانس وقد غمرته مياه المطر فاضحة سوء تدبيره ، والأمثلة على نكبات أصحاب المناصب عندنا كثيرة فهل من متعظ ؟

وإذا كانت طبيعة الإنسان طغيانه إذا استغنى كما جاء فق قول الله تعالى : (( إن الإنسان لطغى أن رآه استغنى )) ، فإن أصحاب المناصب أشد طغيانا من غيرهم ومعلوم أن الذي يطغيهم هو ما تخوله لهم مناصبهم من سلطة فيتجاوزون خطوطها الحمراء، فينقل حينئذ السحر على الساحر كما يقال

ولقد ثبت أن أغلب من يتم استوزارهم  دون استحقاق عن طريق محاباة أحزابهم الفائزة بالاقتراع لهم يكون فشلهم في أداء مهامهم هو السمة الغالبة عليهم ، ويزيدهم تعنتهم في التمسك بمناصبهم فشلا على فشل ، وقليل منهم من يعرف قدره ، فيجلس دونه ، ويبادر بالاعتراف بعدم أهليته وكفاءته عن طريق استقالة تحفظ له ماء وجهه  قبل أن ينكب بإقالة مخزية .

وأخيرا نقول لكل ذي وزارة أو منصب نالهما محاباة لا كفاءة، وأهلية، وخبرة ،واختصاصا  إذا ما ضجت الحناجر بطلب رحيله أن يأخذ عبارة " ارحل " على محمل الجد لأنها علامة ومؤشرعلى قرب نكبته.

وسوم: العدد 1003