الدروس البدرية للثورة السورية

وقفات مع سورة الأنفال

د.أحمد سعيد حوى

دورة أمية الخامسة بتاريخ 29/9/2013م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين

إخواننا جرت العادة وتعلمنا من شيوخنا أن نفزع إلى كتاب الله تعالى في الظروف الصعبة وتعلمنا أن نفزع إلى سورة الأنفال وبراءة لظروف الجهاد والقتال لما اشتملت عليه هذه السورة من دروس كثيرة وكبيرة تتعلق بهذا الموضوع .

اخترنا أن تكون وقفتنا مع سورة الأنفال لنقف مع بعض هذه الدروس , ووجدنا أن كثيراً من هذه الدروس تمس الواقع الذي نعيش فيه في الساحة السورية , حتى وجدنا بعض الآيات وكأنها تتنزل لهذا الواقع الذي نعيش فيه , وهذا من عظمة هذا القرآن الذي يُصلح  ويرشد هذه الأمة ويحييها , فنحتاج أن نبقى على صلة معه باستمرار وأن نعيش في ظلاله وأفيائه , وأن نستمد الدروس والعبر والتثبيت ,  فقد طالت المعركة وربما تسلل  اليأس والقنوط إلى بعض القلوب , وكلنا بحاجة إلى هذا التثبيت , وخير التثبيت ما كان بكتاب الله تعالى , , كيف لا وقد قال الله تعالى لحبيبه ونبيه محمد (ص) : ( ولو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا ) النبي (ص) يحتاج إلى هذا التثبيت فكيف لا نحتاج إليه نحن .

جاء في بيان الحكمة في تنجيم القرآن قول الله تعالى : ( كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ) دعونا نعيش مع هذه الآيات في ظلال سورة الأنفال وكأنها تسجل الدروس لواقعنا , أيها الأخوة هذه الآيات التي تنزلت على رسول الله (ص) وعلى أصحابه (ر) لتسجل تلك الدروس أو تلك المراحل من مراحل السيرة النبوية , هي لم تأت فقط لتلك المرحلة من الزمان وإنما جاءت لتسجل دروساً خالدة لهذه الأمة إلى يوم الدين , وقد جاءت الأيام التي احتجنا فيها بالفعل إلى هذه الدروس, يا أخوة الدروس كثيرة لكن أنا أريد أن أقف مع أهم الدروس التي نحتاج إليها الآن .

نجد في مطلع السورة أن الله تعالى قال : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله ) إلى آخر الآيات , لماذا بدأت السورة بالحديث عن الأنفال , لماذا قالت فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم , ما الذي حصل بين أصحاب رسول الله (ص) حتى احتاجوا إلى مثل هذا الخطاب ؟! إذاً هناك مشكلة هناك تنازع بين أصحاب رسول الله (ص), فالذي حصل تنازع على الغنائم والأسرى وموضوع المفاداة بالأسرى, إذاً كان هناك تعلق أو كان هناك طمع, نعم هم أصحاب رسول الله (ص) ولكنهم بشر وربما نظروا إلى الأمور بمنظار الجاهلية أي بمنظار اعتادوا عليه من قبل وهو أن الحروب إنما تكون للغنيمة وهذه المطامع ونحو ذلك, فأراد الله تعالى أن يخلص قلوبهم من التعلق بهذه المطامع وبهذه المغانم أراد الله تعالى في هذا اللقاء مع معسكر الكفر أن يكون جهادهم خالصاً لله تعالى , والدرس الذي نحتاجه يا إخوة أن كثيراً من الاشكالات والمنازعات الواقعة الآن بين الثوار والمجاهدين مردها إلى أمر الغنائم , وللعلم فإننا نتبنى قول من قال من أهل العلم الثقات في أيامنا هذه أن ما يغنمه المجاهدون الآن هو ليس غنيمة على الحقيقة , فهذه أموال الأمة التي اغتصبت وكل قتال داخلي في بلاد المسلمين لا تكون فيه غنائم , فهي ليست غنيمة على الحقيقة بل هي أموال الأمة وهي بمثابة الملك العام أو بمثابة الأمانة , وليس لهؤلاء المجاهدين أن يأخذوا منها إلا بقدر الحاجة .

يقول الله تعالى : ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون . وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) أريد أن أقف هنا أيها الأخوة , فأصحاب النبي (ص) خرجوا من المدينة لطلب القافلة ولم يخرجوا للقتال , الذي حصل أن أبا سفيان – طبعاً كان هو قائد القافلة ولم يكن قد أسلم بعد – استطاع أن ينجو بالقافلة وكان قد أرسل إلى قريش يستنفرها لحماية تجارتها وقافلتها , وبالفعل استطاع أبو سفيان أن ينجو بالقافلة , وجاء جيش قريش إلى بدر ووصل جيش المسلمين إلى بدر بأمر قدره الله تعالى , وهذا الموقف يسجله الله تعالى لنا حيث يقول : ( وتودون أن غير ذات الشوكة ) وطبعاً ليس بالضرورة الجميع ولكن بعض أصحاب رسول الله (ص) كان هذا حالهم لا يريدون قتالاً ولكن الله تعالى يريد أن يكون القتال والحكمة في ذلك واضحة قال : ( وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق و يبطل الباطل ولو كره المجرمون) أي يريد الله تعالى أن يكون قتالٌ ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون , يريد الله تعالى أن يقطع دابر الكافرين بقتال وشوكة .

الدرس الذي نريد أن نستفيد يا أخوة – وكلنا نعلم أن هذا الشعب يوم أن ثار على هذا النظام المجرم الظالم , ثار ثورة سلمية في أول الأمر وظن الناس أن هذه الثورة السلمية يمكن أن تحقق نتيجة مع هؤلاء المجرمين الظلمة ولكن يأبى الله إلا ان يقمع هؤلاء وأن يقطع دابرهم بقتال وشوكة , فكان القتال وكانت الشوكة ، ولا زالت هذه الثورة تنال من أكابر مجرميهم كل يوم (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون و ترجون من الله ما لا يرجون), إذاً هو أمر دبره الله تعالى وهيأ له أسباباً , وهذا الذي كان , فالآيات تنزلت على أصحاب رسول الله (ص) تعدهم بالنصر ومع ذلك كان مثل هذا التردد , لكن حكمة الله تعالى وإرادته غالبة , فكان القتال وسمى الله تعالى ذلك اليوم يوم الفرقان ليقتل فيه سبعون من سادات المشركين , كان يوماً عظيماً من أيام الله تعالى , ونسأل الله تعالى أن يعجل لهذه الأمة بالفرج والنصر , وأن يعجل لهذا الشعب بنصر على هؤلاء الظالمين المجرمين .

تعالوا إلى نص آخر حيث تقول السورة - والخطاب هنا موجه للكفار-  : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) لمن هذا الخطاب وماذا أراد , ماذا قال , ما علاقتنا بهذا يا إخوة ؟! 

الذي حصل أن كفار مكة كانوا كعادتهم إذا خرجوا لقتال يذهبون إلى الكعبة يدعون الله تعالى أن ينصرهم , وبالفعل خرجوا - قبل أن يخرجوا إلى بدر - إلى الكعبة وكان من دعائهم ( اللهم انصر أهدى الحزبين وأحب الجندين وأعز الفريقين ) من هم أعز الفريقين عند الله تعالى ؟ فقال الله لهم إن تستفتحوا – أي تطلبون الفتح – فقد جاءكم الفتح بما دعوتم له , فأهدى الفريقين وأحب الجندين وأعز الحزبين عند الله تعالى هم محمد (ص) وجنده , والله يا إخوة إننا لنستبشر الآن وقد ادعى عدونا أنه هو حزب الله , حاشى لله أن يكونوا هؤلاء القتلة الذين يسفكون الدماء ويغتصبون الأعراض وينتهكون الحرمات هم حزب الله , فحزب الله هم من يحملون شريعة الله ويتقون الله فيما حرم الله , نعم يا إخوة نقول لهم : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) .

هذه الدروس يا إخوة وهذه الآيات و كأنها تتنزل لواقعنا , ومعركتنا بالمناسبة ليست فقط على أرض سورية بل هي في سوريا وفي مصر وفي كل أرض اسلامية تسعى شعوبها للتخلص من المؤامرة والظلم والانعتاق من هذا الطاغوت , يقول الله تعالى : ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ) فهذه إشارات ووعود من الله تعالى لا نشك فيها وستتحقق كما وعد الله تعالى , فهناك مليارات تصب على هذه الأنظمة المجرمة لتقمع هذه الشعوب التي خرجت تريد الحرية , خرجت تريد أن تحكم بشرع الله تعالى , حالنا كحال أولئك النفر الصالح (ر) من أصحاب رسول الله (ص) نقاتل و نقتل لديننا ( أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ) فهذا حالنا , إذاً فالذين كفروا سينفقون هذه الأموال  لكن لن يحققوا الغرض الذي أرادوه وسيردون خائبين خاسرين إن شاء الله تعالى .

 في ثنايا السورة يا أخوة دروس تؤكد أن الله تعالى قدر اللقاء وقدر المعركة ودبر لها , قال ( إذ انتم في العدوة الدنيا وهم في العدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) يصور الله تعالى كيف كانت المعركة وكيف سيق كل فريق إلى أرض المعركة , أصحاب رسول الله (ص) خرجوا يريدون القافلة , كفار مكة خرجوا يريدون حماية القافلة , لكن القافلة نجت , جيش المسلمين وجد نفسه وجهاً إلى وجه أمام جيش الكافرين , ويكون اللقاء , فلماذا , الله تعالى يقول مخبراً عن ذلك : ( ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا ) أمرٌ قدره الله تعالى إذاً لا بد أن يكون, أنا أقول أيها الأخوة في واقع ثورتنا هذه كم جبُنت وتخاذلت وتقاعست هذه الشعوب عن الوقوف في وجه هؤلاء الظلمة حتى قدر الله تعالى أن تقوم هذه الثورة , وابتدأت بأسباب لا تتوقع , بأهون الأسباب ولكن الله تعالى أرادها .

أنظروا أيها الأخوة إلى الدرس التالي في السورة ذاتها , وأنا اسميه هنا درس الإغراء , فالله تعالى يغري الطرفين ببعضهما  يقول تعالى : ( إذ يريكهم الله في منامك قليلا  ) الخطاب للرسول (ص) أنه رأى جيش الكفار قليلاً رآهم في المنام , ومتوقع أن يحدث الرسول (ص) أصحابه (ر) بذلك من باب التثبيت والتأييد لهم , (إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور ) , تأتي الآية التالية ( وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم )  أنا اخواني قد أفهم الشق الأول ( إذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ) أن تروا جيش الكافرين قليلاً , لكن أن أستغرب في الشق الثاني ( ويقللكم في أعينهم) قد يتبادر إلى الذهن أن الله تعالى إذا أراد تأييد المؤمنين وإرهاب الكافرين أن يكثر جيش المسلمين في أعين الكافرين لكن الآية تقول ( ويقللكم في أعينهم ) معنى ذلك يا إخوة أن الله تعالى أراد فعلاً أن يغري الطرفين ببعضهما ولو كان الاغراء من طرف واحد لربما فر الطرف الثاني ولم يقاتل , الله تعالى يريد أن يكون قتال , وأقول في واقع ثورتنا الله تعالى أغرى هذا النظام المجرم بهذا الشعب البريء الأعزل وأغرى هذا الشعب المغلوب على أمره بهذا النظام , ربما بعد أن رأى الشعب السوري أمامه تجارب ( تونس – مصر – ليبيا وهكذا ) فتحرك هذا الشعب , لماذا , الله تعالى يقدر ويدبر ويريد أن يكون هذا اللقاء , يريد الله تعالى أن تكون هذه الشوكة ليقطع دابر الكافرين ليحطم رؤوس الإجرام في هذا البلد إن شاء الله تعالى .

ومن الدروس في هذه السورة توجيهان ربانيان لا نستغني عنهما في المعركة وهما يلخصان المطلوب في كل معركة : أحد هذين التوجيهين نهي والآخر طلب :

الله تعالى يقول ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ويقول : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) إذاً لا تنازعوا فتفشلوا , سبب أساسي في الفشل والضعف أو الانهزام أو تأخر النصر هوالتنازع , وهذا نتحمل مسؤوليته ويتحمل مسؤوليته كل من كان سببا في التنازع والتفرق سواء كان من القواد في الميدان أو كان من الداعمين الذين يتسببون في تفريق كلمة هؤلاء المجاهدين والثوار في الميدان .

(وأعدوا لهم ما استطعتم ...) , ما هو الاعداد ؟ الاعداد في أول أمره إعداد مادي بدني وهو أيضا اعداد إيماني اخلاقي تربوي ...... كل هذا مطلوب , ومن الاعداد أيضاً أن تكون هناك خطة واضحة متعددة المراحل ومتكاملة , لا أن يكون العمل عشوائياً أو فوضوياً ها هنا أو هناك , ومن الاعداد المطلوب أن يكون التنسيق بين جميع المقاتلين والثوار على هذه الأرض حتى يتكلل سعيهم بالنجاح والنصر إن شاء الله تعالى.

 في أواخر السورة تقريباً يأتي قول الله تعالى : ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفاً من اللذين كفروا بأنهم قومٌ لا يفقهون ) ثم تأتي الآية بعدها تقول : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ) فالعلماء فهموا من هذه الآيات أن هناك رخصة , للمجاهد أن يفر أمام ثلاثة أو أربعة أو خمسة لكن ليس له أن يفر أمام اثنين , ومع تقديرنا لهذا الفهم في زمانه, أقول ليست العبرة بالعدد كأفراد لاختلاف الوسائل والامكانات في هذه الأيام , لكن يمكن أن نقول ليس له أن يفر أمام قوة في مجملها تساوي ضعفي قوة الجيش المسلم , ومع ذلك أنا أفهم من الآيات , أن الآية الأولى ربما تشير إلى أحوال على المسلم أن يثبت فيها أمام أضعاف القوة التي استطاع المسلم أن يؤمنها , بمعنى يا إخوة أن بعض المعارك قد تفرض علينا ولا خيار لنا فيها إلا أن نثبت وكأن الله تعالى يريد أن يقول لنا بالإمكان أن يثبت فعلاً واحدٌ أمام عشرة , وقد ثبت يا أخوة أن الصحابة (ر) صمدوا الواحد منهم أمام سبعين , وأنا أتكلم هنا عن غزوة مؤتة حيث كان عدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف صمدوا على الأقل إلى أن تمكنوا من الانسحاب أو محاولة استدراج جيش الروم , صمدوا فكان الصمود صمود ثلاثة آلاف أمام مئتي ألف من الروم وحلفائهم وقدر الله تعالى لهؤلاء القلة أن يحققوا الغرض الذي لأجله بعثهم النبي (ص) إلى مؤتة , إذاً يا أخوة قد تفرض علينا معركة لا خيار لنا فيها , وأنا أقول هذه المعركة من هذا النوع , لا خيار لنا أن ننسحب أو أن نتراجع أو أن نفتش عن الرخص , وإن كان هناك ما يسمى الرخصة الجزئية في معركةٍ جزئية عبرت عنها الآيات في سورة الأنفال ذاتها , (إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً لفئة ), لكن في الجملة يا إخوة هذه المعركة للأمة كلها والشعب السوري طليعة للأمة في هذه المعركة , لا خيار للشعب السوري في هذه المعركة إلا أن يمضي إلى نهايتها .