مهمة قيادات المعارضة ليس التعليق على الأخبار.. بل صناعتها !!

نشأنا في أوائل الستينات، ومضرب المثل عندنا في الكلام اللغو الذي لا زبد ولا إتاء له هو "التعليق على الأخبار" فكلما اردنا ان نستخف بقول او بحديث أو بحوار، نقول هذا "مثل التعليق على الأخبار" وعندما يقول المذيع التعليق على الأخبار، فإن هذا يعني إيذانا بإطفاء الراديو، أو تحويل الابرة ولو على أغنية مثل: على دلعونة.. على دلعونة، الهوا الشمالي غير اللونا..

وللأمانة والصدق، معلق عربي واحد كان يستقطب الجماهير من المحيط إلى الخليج، هو معلق صوت العرب أحمد سعيد، الذي انطفأ بعد حرب السابعة والستين كجمرة متقدة، لم يخرج في اعتذار، ولا في بيان ولا توضيح، وإنما لاذ بالصمت.. ولا أقسى من ذبيح يلوذ بصمته

سمعت ممن نقل عنه أنه يقول: إنه لم يكذب على الناس، ولم يقل غير الحق الذي يعتقد، وأنه كان مخدوعا مغشوشا وأنه يشعر أكثر مما يشعرون بالانكسار، ولعل تلك ازمة يشترك فيها الكثير من الصادقين في مسيرات الحياة..

لا يستطيع احدهم ان ينشد:

قد صح مني العزم والدهر أبى..

فيلقى العبء على كاهل الدهر، وهو يعلم أن الذين أبوا هم هذا العلق الذي تعلق بالجسد الحي حتى أقعده!!

كانت إذاعة دمشق تقدم تعليقين على الانباء الأول بعد تشرة الظهيرة على الثانية والربع، والآخر على نشرة المساء التاسعة والربع، وأحيانا يتم إعادة التعليق. كان في إذاعة حلب، معلق إخباري ظريف، اسمه "توفيق حسن" ينتمي إلى عصر الردح العربي، ولا أدري ما فعلت به الأيام..

أكتب كل ذلك لأقول للسادة المبجلين في قيادات المعارضة في أطرها المختلفة؛ تجمعات وهيئات ومجالس وأحزاب وجماعات: إن ممارسة العمل السياسي، وقيادة المشهد السياسي، يعني شيئا أكثر من التعليق على الأخبار..

وكلما ارتكب العدو جريمة، أو أصدر قرارا، أو انعطف ببلدنا الى منزلق…

نحمًي قليلا، ثم نصوغ بيانا، نحسن فيه سبك الكلمات، ونعيد الدوزان على مرابط الأوتار للتحكم بحدة او شدة النغمات، ثم نتصدر أمام العدسات، لنقرأ البيان، ونوكل بذلك أندانا صوتا، وكأن البيان دعوة إلى صلاة، ثم نرضى عن أنفسنا وعليها، ونظن أننا قد وفينا وقمنا بكل الذي علينا.

العمل السياسي، بل قيادته وريادته والسير بالركب على منهج يعني بكلمتين مختصرتين "أن تصنع الحدث" وليس ان تعلق عليه، وإن كان لابد فالتعليق على الحدث بحدث مثله، أن نمتلك على الأقل "عقل الطابة" كلما ضُربت بالجدار ارتدت على صاحبها، عقل آلي ميكانيكي غير واع، يزعم نيوتن، ان قوة ارتداد الطابة مساو لقوة اصطدامها بالجدار بالمقدار معاكس له بالاتجاه. الأفعال يا سادتي لا يرد عليها بالأقوال..

وقيادات التصريحات والتلميحات والتعريضات قد زادت مشهدنا رهقا..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1005