هادي عمرو ليس إلا ملهاة للفلسطينيين

رغم طول الانتظار أثبتت خلاله القيادة الفلسطينية طول النفس إذ لا يزال لديها آمال، ربما قد لا تكون كبيرة، في أن تجد ما ينصفها لدى إدارة جون بايدن رغم تجاوزها النصف الأول من عمرها، والدليل على ذلك القبول المتوقع أو غير المعلن بهادي عمرو كممثل مؤقت للإدارة الأمريكية لدى السلطة، الى حين ميسرة… وحتى إعادة فتح السفارة في القدس الشرقية التي أغلقتها إدارة دونالد ترامب بعد نقل السفارة من تل ابيب الى القدس عقب اعترافه بها كعاصمة لإسرائيل. وعيش يا قديش، كما يقول المثل.

والإحساس أو الانطباع لدي هو أن تعيين هادي عمرو ذي الأصول اللبنانية ليس إلا ملهاة أو كالمصاصة التي تعطى للأطفال لإلهائهم عن جوعهم، وأن القنصلية لن تعود الى سابق عهدها لان القضية ليست فتح مكتب والسلام إذ إنها تنطوي على اعتراف ضمني بل فعلي بالقدس الشرقية عاصمة سياسية ومحتلة. وهذا ما تسعى اليه السلطة وأبو مازن على وجه الخصوص ولن تقبل به الحكومة الإسرائيلية كما تؤكد الإدارة الأمريكية بالقول إن قرار إعادة فتح القنصلية ليس بيدها وحدها وإنه لا بد من موافقة إسرائيل عليه وهو قرار لا يمكن أن تقبل به إسرائيل لأن في ذلك، كما أسلفنا، اعترافا بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة. ومع أن الكثير من الأوراق بيد الولايات المتحدة للضغط على حكومة الاحتلال لكنها لا ترغب بذلك كما يبدو.

وللتذكير فقط قطعت هذه الإدارة، خلال الحملات الانتخابية، الكثير من الوعود على نفسها للقيادة الفلسطينية التي كانت تقاطع إدارة دونالد ترامب بسبب تجاهلها للقضايا الفلسطينية الوطنية والنظر اليها من الزاوية الاقتصادية البحتة ظنا منه وأعضاء إدارته الصهاينة من جارد كوشنر زوج ابنته ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط، وجيسون غرينبلات، وحتى السفير الصهيوني المستوطن ديفيد فريدمان، ومايكل كوهين وغيرهم أن بتحسين الأوضاع الاقتصادية سينسى الفلسطينيون قضاياهم وأحلامهم الوطنية والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

وربما ساعدت السلطة، وعبر تشجيع الفلسطينيين على منحه أصواتهم، في فوز بايدن في انتخابات الرئاسة التي كانت الفوارق في الأصوات بينه وبين ترامب قليلة في بعض الولايات. ولكن هذه الإدارة لم تنفذ أيا من هذه الوعود حتى اللحظة سوى جزء من الوعود المتعلقة بالشأن الاقتصادي الذي كان أساس صفقة القرن التي رفضتها السلطة الفلسطينية جملة وتفصيلا.

فما هي وعود بادين التي أعادت السلطة للتعامل مع الإدارة الأمريكية بعد انقطاع العلاقة مع إدارة ترامب ثلاث سنوات؟ إنها التراجع عن هذه القرارات والسياسات المجحفة بحق الفلسطينيين: التراجع عن دمج القنصلية الأمريكية العامة في القدس الشرقية بالسفارة. وقطع المساعدات الأمريكية عن السلطة. وقطع المساهمة الأمريكية في ميزانية وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وقدرها 360 مليون دولار مما وضع الوكالة في أزمة مالية تعاني منها وذلك في محاولة لإسقاط حقوق اللاجئين إنسانيا وسياسيا. وعدم الاعتراف بذرية من هُجروا عام 1948 كلاجئين، والاعتراف فقط بحوالي 40 ألفا وهم الباقون على قيد الحياة ممن رحلوا خلال النكبة، من أصل 5.5 مليون من ذريتهم موزعين على خمسة مراكز أساسية في الأردن ولبنان وسوريا والضفة وغزة. وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وشرعنة الاستيطان وذلك بإلغاء سياسة أمريكية قائمة منذ عشرات السنوات. والأخطر في ذلك أن هذه السياسة الغرض منها قتل فرصة ما يسمى حل الدولتين عبر صفقة القرن الترامبوية التصفوية بالقضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وحدود وأجواء معترف بها. ومنح الاحتلال السيادة الأمنية الكاملة على فلسطين التاريخية من النهر الى البحر وغيرها.

فماذا أنجزت إدارة بايدن من هذه الوعود في النصف الأول من ولايتها، أي بعد مرور عامين من الأعوام الأربعة. بنظرة سريعة نجد أن كل ما قدمته هذه الإدارة، لا يتجاوز القضايا الاقتصادية والمالية أي أنها لم تخرج عن أطر ما يسمى صفقة القرن. إذ لم تتخذ أيا من الوعود السياسية بعين الاعتبار ولم تعمل على تنفيذها على الأرض وفي مقدمة المطالب الفلسطينية الحالية المطلب الأساسي وهو إعادة فتح السفارة في القدس الشرقية لما تعنيه من اعتراف بالولاية السياسية الفلسطينية على القدس الشرقية كمدينة محتلة، وهو ما ترفضه إسرائيل.

وللتغطية على فشلها ومن أجل تعزيز العلاقات المتأرجحة مع السلطة وللحفاظ على العلاقات معها لضبط الوضع الأمني المتأزم والملتهب في الصفة الغربية خدمة لإسرائيل وللحفاظ على الهدوء في المنطقة، لم تجد الإدارة بديلا سوى تعيين هادي عمرو ممثلا لها لدى السلطة مؤقتا. وجاءت هذه الخطوة لإرضاء بل إلهاء الجانب الفلسطيني بعد فشل وعد فتح القنصلية في القدس الشرقية. وأيضا جاءت هذه الخطوة تعبيرا عن القلق الكبير في واشنطن من تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة التي تشهد نهضة في المقاومة.

المبعوث، هادي عمرو، لا يزال مصرا على القول إن الولايات المتحدة، بعد أكثر من عامين على انتخابها ملتزمة بإعادة فتح قنصليتها في القدس المحتلة لمواصلة الاتصالات مع فلسطين ولا أعرف الى متى ستظل ملتزمة في انتظار الموافقة الإسرائيلية التي لن تأتي مع التشكيل الحكومي الجديد الذي يضم كل أركان الفاشية والإرهاب والعنصرية في إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو.

والحديث عن إعادة فتح القنصلية سيظل والالتزام به موجودا. ويكذب عمرو حين يقول «سنواصل مناقشة الجدول الزمني لإعادة فتح قنصليتنا العامة مع شركائنا الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو يعرف في قرارة نفسه أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ومن قبلها حكومة لبيد لن تقبل بذلك ما دامات الإدارة لا تستعمل الأوراق الضاغطة لديها وستظل القيادة الفلسطينية تواصل المطالبة الى حين انتهاء عمر إدارة بايدن ولن تحصل على مطالبها ومنها أيضا إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن وهو قرار يفترض أن يكون بيد الإدارة لأنه مقام على أراضيها، وكذلك شطب اسم منظمة التحرير من قائمة الإرهاب وهذا أيضا قرار سيادي للإدارة. ما يؤكد غياب القرار، كما تقول السلطة، أن الذرائع التي ساقتها أمريكا لتبرير عدم قدرتها في هذا الوقت على فتح القنصلية، لا ينطبق على قرار إعادة فتح مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن، كونه لا يحتاج إلى هذا الأمر، ويكمن فتحه بقرار رئاسي أمريكي.

وسيعمل عمرو تحت سلطة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وفي هذا الإطار سيقوم برحلات منتظمة إلى المنطقة وسيعمل عن كثب مع وحدة الشؤون الفلسطينية في وزارة الخارجية، التي سترفع تقاريرها مباشرة إلى عمرو في واشنطن، بدلا من السفير الأمريكي في إسرائيل، في خطوة تهدف مرة أخرى إلى فصل الدبلوماسيين الذين يخدمون الفلسطينيين عن أولئك الذين يخدمون الإسرائيليين.

وأخيرا فإن أقل ما يمكن أن تفعله إدارة بايدن إعادة فتح القنصلية الأمريكية وفتح مكتب المنظمة في واشنطن ورفع اسم المنظمة عن قائمة الإرهاب… ولم تفعل بسبب غياب النية والتأثير الصهيوني.

واختم بالمثل القائل إذا لم تستح فافعل ماشئت… وهذا ينطبق على العمل المشين الذي فعلته السفارة الإماراتية في تل ابيب بدعوة النائب الفاشي العنصري الإرهابي المستوطن ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي الذي يسعى لطرد الفلسطينيين أو قتلهم، لحضور حفل الذكرى51 لتأسيس الإمارات. وقال السفير الإماراتي محمد آل خاجة الذي تظهر الصور الحفاوة والحرارة التي استقبل فيها، بن غفير لدى وصوله للحفل، إن «إسرائيل والإمارات بدأتا شيئاً تاريخياً. هذا ليس حلماً ولا مظهرا، إنه شيء حقيقي. اتفاقيات أبراهام تجلب المزيد من الأمن والسلام والعلوم والتكنولوجيا».

وكان رد بن غفير إنه «بدون تنازلات وبدون استسلام، يمكن تحقيق السلام مع العرب».

وسوم: العدد 1009