وأن أبغي أو يُبغى عليّ، احذرْ.. وأنا كذلك أحذرُ

وقيل لسيدنا علي رضي الله عنه..

وأصبحتُ اتجنبُ ما استطعتُ أن أقول: "الإمامُ علي" وأنا أشهد أنه لإمام، وابو بكر قبله إمام، وعمر إمام، وعثمان إمام. رضي الله عنهم جميعا لئلا يوافق قولي قول أعدائه من مدعي "الوهيته ونبوته وأنه تاه الأمين وكذا إمامته" وإن كانت إمامته في الدين والدنيا وإمامة من قبله من الراشدين عين اليقين.

قيل لسيدنا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فما تقول في هؤلاء الخارجين عليك؟ قال: "إخواننا بغوا علينا"

وقبل هذا وفوق هذا ومقدم على هذا، قول مولانا في كتابه العزيز (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ) وإذا أعجبك الاستثناء، يجب أن يلفتك قوله، وقليلٌ ماهم. قالوا ومعناها: وقليل من المؤمنين العاملين للصالحات، لا يبغون!! فتأمل ما أقوم وأعدل وأجمل!!

الناس متى اختلطوا، أو اشتركوا، بغى بعضهم على بعض، ولو على قصعة فول، يكبر أحدهم لقمته، أو يعجل بها عن صحبه.

حتى قال عفيفهم:

وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

وما ذاك إلا بســــــطة عـــــن تفضـــــل... عليهـــــم، وكان الأفضـــــلَ المتفضلُ

المهم. البغي أو التباغي من قواعد الاجتماع غير الحميدة، بل هي من آفاته على طريقة الإمام الغزالي في التعبير.

وقديما كان في الناس الحسد ..

كما قال عمر بن أبي ربيعة.

والبغي يكون، بين الفرد والفرد، وبين الفرد والفئة، وبين الفئة والفئة، وبين الفئة والمجتمع..

والحكاية في هذا تطول، وهو من سياقات التدافع البشري، أو التناقض الهيغلي.

والاجتماع على أي أمر مع ما فيه من مثل هذا الدخن، وما فيه من كلفة ومشقة، ضروري، بل فرض وواجب في كثير من الأحيان في أمور الدين والدنيا، وأبسط صوره الاجتماع للجمعة والجماعة. وتبكر للجمعة ليكون لك من التبكير أجر الصف الأول، فيأتيك في اللحظة الأخيرة من يزاحمك حتى يحرجك فيخرجك من مكانك، يظن أن السبق في المكان لا في الزمان..

وإنما أطيل لأقنع..

وما نعيشه من بغي، من بعض الإخوة، على وصف سيدنا علي، ومن بعض الفئات، ومن بعض التجمعات، ومن بعض البعض؛ كل هذا لا يجوز ان يلفتنا عن هدفنا الأول..

هو الخلاص من هذا المستبد الذي هتك أعراضنا، وقتّل رجالنا ونساءنا وأطفالنا، ورهن أوطاننا لأعدائنا، ودمرها على رؤوسنا..

وأرى بعض الأحباب قد اتخذوا لأنفسهم من أنفسهم عدوا، يناضلونه صبحَ ومساءَ، حتى تقول إن سهامهم تجاهه أكثر، وولعهم في مقاومته أكبر، نسوا عدوا أخرجهم من ديارهم، واشتغلوا بخصم أراد أن يُعرب فأعجم.

لا يا إخوتي..

أنا إذا نفضتُ يدي، من جهة إعلانا وبيانا، أعرضتُ عنها وعنهم، وحاولت قدر استطاعتي أن أسد كما قال المقنع الكندي ما أخلوا وضيعوا

أسدّ به ما قد أخلوا وضيعوا ... ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا..

ونصيحة الشاعر المنبجي الجميل عمر، وأجمل ما فيه اسم عمر:

ودع القادة في أهوائها ... تتفاني في خسيس المغنم

وأقول لكل السوريين:

فقلت ارموا وأرمي فإنه ... أولى بنصرأن يرمي راميان

مع الاعتذار لصاحب البيت الأول.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1016