الأُمَّـةُ المرحومة بين الزلازل ... والعـــزاء الرباني

لأمتنا المحمَّدية خصائصُ جليلةٌ لم تكن لأي أمة من الأمم ، فدينُهـا الإسلامي العظيم هو دين الله تبارك وتعالى: ( إنَّ الدِّين عند الله الإسلام ) ، وقد جمع الله به الشرائع السماوية كلها ، تلك التي نزلت على الأنبياء والمرسلين . وأن هذه الأمة هي أكثر أهـل الجنة ، وأن الله سبحانه حفظ قرآنها العظيم من التحريف والضياع : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )، وليس لنا الآن أن نعدد الخصائص الكثيرة لهذه الأمة ، فهي مبثوثة في كتاب الله تبارك وتعالى ، وفي سُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم . ولكننا وفي غمرات ما أحدثه هذا الزلزال في بلدين إسلاميين ـــ سوريا الحبيبـة وتركيا الصديقة الودودة ـــ نقف عند عزاء الله سبحانه وتعالى لأبناء الأمة جمعاء ، فالأمة مقصرة في أداء حقوق بارئها ، وحالهـا لايخفى على أحد ، فالذنوب الفادحة ، ومظاهر الفساد التي هوت بشباب الأمة إلى مستنقعات الفسوق ، إضافة للحكم بما لـم ينزل الله ، ونكرر مؤكدين أن حالهــا لابخفى على أحد . وهذا الفصام عن دين الله يستحق العقوبة من الله ، وهنا بين القصيد ، فالدنيا برمتها فانية ، وبكل مافيها ، وكل مايملك الناس من أهل الكفر ، أو من أهل الإيمان . وستزول العقوبات الدنيوية عاجلا أو آجلا ، ولكن يبقى حساب الناس يوم القيامة ، فمن رجحت حسناته فاز ، ومن رجحت سيئاته خاب وخسر ، وليس لكل فريق إلا مكان واحد في خلود أبدي ، إما إلى الجنة وإما إلى النار . وند الحساب وفي ساحات المحشر يأتي عــزاءُ الله تبارك وتعالى لهذه الأمة المرحومة ، وقد غفر لهـا ذنوبها وتقصيرها ـ ومنحها عفوه ورحمته ، وأدخلها جنَّات الخلود . فعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام .

وتتجلى رحمة الله بعباده المؤمنين في خضم أهوال الزلزال فمشاهد الناس تتفطر لهـا القلوب ، وتدمع لهـا العيون ، وأصوات الناجين من الرجال والنساء والأطفال تُنبئُ عن إيمان بالله ، وتعلق مكين برحمته وفضله وعفوه ، فإن امرأة خرجت من تحت الأنقاض وهي تطلب من منقذيها حجابا تستتر ، وفعلا أُعطيت الحجاب ، وغطت رأسها و وجهها به ، وخرجت وهي تشير للمنقذين بأنها بخير ، لكيلا يمسها أحد . وهذه قصة من عشرات القصص التي شاهدنا من خلال قنوات التواصل الاجتماعي ، إنه مظهر من مظاهر تعلق هذه الأمة بربها ، وبهدْي نبيِّهـا صلى الله عليه وسلم . ولهذا تنجو الأمة من أهــوال يوم القيامة ، لأنها ذاقت أهوال الحياة الدنيا من زلازل ومن قتل ومن سجن ومن أنواع التعذيب التي لاتخطر على بال . وتبقى الأمة تعيش في ظلال الإيمان بالله وفي رحاب محبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالكبائر والفواحش والبغي بغير الحق وغير ذلك من قبائح ترك دين الله ليست من صفات عامة أبناء الأمة ـــ ولله الحمد والمنة ـــ ومن هنا سيكون للصابرين على نوائب الدهر تلك الرحمة الربانية لسواد هذه الأمة يوم لاينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم .

إضــاءة :

﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ 36/ 43 /الشورى .

وسوم: العدد 1019