إسرائيل .. أين المفر ؟! ساعة الحقيقة تقترب

لم تعصف بإسرائيل في أعوامها الخمسة والسبعين محنة مثل محنتها الحالية . كل المحن والأزمات الماضية كانت خارجية سهل عليها نسبيا مواجهتها وتجاوز خطرها ، والخروج من بعضها ظافرة مزهوة ، واندفعت بعدها نحو مزيد من القوة والثقة بالنفس . المحنة الحالية مغايرة لكل ما سبقها لانبثاقها في ما بين النهر والبحر آخذة بعدا إسرائيليا ذاتيا ، وبعدا فلسطينيا يلاصق البعد الإسرائيلي الذاتي مكونا معه كماشة تطبق على رقبتها وتنذر بخنقها وكتم نفسها ، وهو ما يجسد احتمالية موتها خطوة وراء خطوة ، ربما في بطء ، ولكن في ثبات متجه للأمام حتى تطهير المنطقة جغرافيا وسياسيا ومستقبلا من وجودها الذي نكبنا بكل صنوف الشرور والمآسي والغرائب المنكرة . في البعد الإسرائيلي الذاتي : انقسام بين االمتدينين والليبراليين ، وكل طرف منهما يرى نفسه نقيضا للآخر ، وأنهما خطان متوازيان يستحيل أن يلتقيا . وبين الخطين رئيس وزراء في شيخوخته السياسية ، هواه مع المتدينين إلا أنه يخشى الليبراليين وما وراءهم من قوى يهودية ليبرالية في أميركا وأوروبا ، ويخشى أميركا الليبرالية التي تبدي قلقها من التغييرات التي ينوي ائتلافه إحداثها في النظام القضائي الإسرائيلي بما يمكن السلطة التنفيذية والتشريعية من السيطرة عليه ، ومن الإسراع في الاستيطان في القدس والضفة ، وانتقد بلينكن إضفاء الشرعية على تسع مستوطنات ، وحذر من تأجيجها التوترات مع الفلسطينيين فوق ما هي عليه . والليبراليون عرفوا كيف يخلقون لنتنياهو وائتلافه المتدين وجعا أسبوعيا ، كل سبت ، والوجع مهيأ للاشتداد والتعجيل بإسقاط حكومته ، ورمي إسرائيل في دوامة مجهولة الأبعاد والأخطار . وأطل علينا وعلى العالم وجه من متديني إسرائيل ، وأسمع الجميع بعض ما لدى هؤلاء المتدينين من غرائب القناعات وخرافاتها ؛ ذلك هو الحاخام شلومو إلياهو ، عضو مجلس الحاخامية الكبرى في إسرائيل . عزا شلومو زلزالي تركيا وسوريا إلى ما أسماه غضب الرب على البلدين لإساءتهما ل "الشعب " الإسرائيلي ! ووصف الزلزالين بدموع له على من مازال مشردا من اليهود ! تعالى الله علوا كبيرا عن وصفه .ونسبة الصفات البشرية ، ومنها الضعف ، إلى الله _ عز وجل _ من صميم العقيدة اليهودية . وعندما أقحطت جزيرة العرب زمن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ سارع من في المدينة المنورة من اليهود إلى القول إن يد الله مغلولة ! وفي سورة المائدة ، الآية الرابعة والستون ذكر لقولهم الزائغ ، ورد رباني عليه : " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ... " . ويمتلىء الإعلام الإسرائيلي بالدعوات لاختفاء نتنياهو من الحياة السياسية عازية له المحنة الحالية ، وفي " هآرتس " وجه له روغل ألفر ما يشبه الإنذار من سلطة عليا إلى موظف سيء من موظفيها ، قال : " بنيامين نتنياهو ! صرت محاصرا . انتهى الأمر . كان فرارك مدهشا إلا أن لعبتك بلغت نهايتها . السد الذي تحصنت وراءه ظهرت فيه ثقوب ، والحقيقة تتفاعل في الداخل ، وسيغرقك الفيضان في ختام المطاف . ليس لك ملاذ . وصلت نهاية الطريق . اخرج رافعا يديك ! " .

وفي البعد الفلسطيني : شعب من ثمانية ملايين في أرضه التاريخية يصطدم بأقلية من ستة ملايين قدمت إلى هذه الأرض غازية مدعية أنها المالكة لها ، وأن الملايين الثمانية وبقية شعبهم الذي شردته الأقلية لا صلة لهم بهذه الأرض ، وتعمل على تشريد الملايين الثمانية مثلما شردت إخوانهم من قبل . وتتوهم أنهم سينصاعون لما تريده . وترى أي مقاومة منهم لجنون أوهامها إرهابا ، وتتوقع منهم الاقتناع والخضوع لرأيها ، وتقدر أن مقاومتهم عابرة ، وأنها قادرة على كسرها بالقوة العسكرية ، وبتوسيع دائرة تطبيعها مع الدول العربية ، وبالاتكال على الحماية الأميركية الشاملة المطلقة . وكل آرائها وتقديراتها ذهبت هباء إلا أنها لا تتعلم من ذهابها ما يرشدها إلى أي صواب في التعامل مع الشعب الفلسطيني ، وتحسب قتله وهدم بيوته سيرجح كفتها في الصراع معه . وحقنت نفسها في ائتلافها الحكومي الحالي بعصابة من المجانين والحمقى ليديروا لها صراعها مع الفلسطينيين ، فساخت رجلاها في ناره أبعد مما سبق . وكل يوم تسوخ أبعد ، ويتفاجأ جيشها وأمنيوها واستخباريوها بعناد وصلابة الشعب الفلسطيني في التجذر بأرضه وحماية بقائه فيها ، وفي هذا توجه لقلع الجذور السطحية للأقلية الغازية المعتدية تهيئة لإزالتها من أرض ليست لها . وفاجأت الصلابة الفلسطينية حتى أهلها ، وهذا طبيعي في النفس البشرية حين تواجه مواقف صعبة خطرة ، فيتفاجأ الإنسان بقوى كامنة في نفسه لم يكن له علم بها ، ويكثر ظهور هذه القوى حين يدافع الإنسان عن قضية عادلة تخصه مثلما هي حال الشعب الفلسطيني صاحب أعدل قضية في التاريخ . ومن مفاجآت مقاومة كتائب المقاومة في الضفة للإسرائيليين والفلسطينيين إطلاق كتيبة جنين ، الأحد ، مسيرة حلقت فوق قوات وآليات الجيش الإسرائيلي التي اقتحمت المخيم ، والتقطت صورها . ما يحدث في البعد الإسرائيلي والبعد الفلسطيني حاليا يسأل إسرائيل : أين المفر ؟! وينذرها باقتراب ساعة حقيقة باطل مشروعها في الأرض الفلسطينية ، وذهاب الباطل الإسرائيلي حضور للحق الفلسطيني .

وسوم: العدد 1019