بن غفير .. بداية تنذر بفشل أمني وسياسي كبير

قبل توليه وزارة الدفاع ، هدد أفيجدور ليبرمان المستوطن المولدوفي  ، ورئيس حزب " إسرائيل بيتنا " باغتيال اسماعيل هنية فور توليه تلك الوزارة . وحين تولاها في مايو 2016 ولم ينفذ تهديده سألوه عن السبب ، فأجابهم بما مؤداه أن الكلام بعد تولي المسئولية يختلف عما قبلها . فبدا عقلانيا بما يلائم علمانيته . بن غفير المستوطن الكردي ، زعيم حزب " العظمة اليهودية "  اختلف كليا عن ليبرمان ، واعتزم أن ينفذ كل تهديداته ضد الفلسطينيين ، ووجد في توليه جهاز الأمن القومي وسيلته المثلى في تنفيذ تلك التهديدات ، فنشر في القدس ثلاث سرايا إضافية من حرس الحدود ، وأعلن نيته تنفيذ  عملية سور واقٍ ثانية فيها تقليدا لشارون الذي نفذ العملية الأولى في الضفة في  29 مارس 2002 ، ووافقت الكنيست استجابة لاقتراحه على سحب جنسية المقاوم الفلسطيني وأسرته في القدس وفي الداخل الفلسطيني المحتل وطردهم إلى الضفة ، ومنع رفع  العلم الفلسطيني ،  وأدخل تغييرات متشددة " قراقوشية "   على حياة الأسرى الفلسطينيين في السجون ، فألغي طهي خبزهم فيها ، واختزل وصول الماء الساخن لحماماتهم  في ساعة واحدة في صقيع الشتاء  ، وقصر استحمام كل سجين بأربع دقائق  لا تكفي لخلع الملابس وارتدائها ، ويجتهد لاستصدار قانون يشرع إعدام أي أسير فلسطيني على الكرسي الكهربي بالطريقة الأميركية . واستخف به الإسرائيليون ساسة وعسكريين وأمنيين وإعلاميين ، وسبقوا الفلسطينيين في كيل المذام والسخريات منه ، فمن وصفه بالفاشل ‘ إلى وصفه بالغرير عديم الخبرة في قضايا الأمن ، إلى الباحث عن عناوين إعلامية ‘ إلى مهدد حقيقي لوجود إسرائيل . وليس سهلا أن يستنكر قراراته وتصرفاته يوآف جالانت رئيس هيئة الأركان ، ورونين بار رئيس الشاباك ، ويعقوب شيتاي  رئيس الشرطة . واستاء ضباط كبار في سلطة السجون من تغييراته فيها ومن تصرفاته في أنحاء البلاد كلها ، وقالوا في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" :" الوزير بن غفير يتصرف بشكل عديم المسئولية ، وسيقود إلى فوضى في إسرائيل وفي السجون قاطبة . " ، وقال أحدهم متشائما : " أخشى على حياة سجانينا ، ويصيبني هلع شديد على مصير الدولة من وتيرة إدارة الأمور . وفي النهاية ، هؤلاء هم  الجهات المسئولة عن أمن المواطن ، وعندما ترى كيف تتخذ قرارات الوزير لصنع عناوين في وسائل الإعلام تتأكد من أنه عديم المسئولية . " ، ونبه ضابط آخر إلى وجود معلومات استخبارية تدل على عزم أسرى فلسطينيين تنفيذ عمليات انتقام ضد سجانين قد تتمثل في طعن سجان ، أو خطف آخر والتحصن في زنزانة . وخوف هؤلاء الضباط على حياة السجانين من ردات فعل الأسرى الغاضبين من تنفيذات بن غفير ضدهم ؛  تفسره قصص انتقام أولئك الأسرى ممن أوغل في الإساءة إليهم من السجانين . في 2019 وجهت لائحة اتهام للأسير في سجن النقب الصحراوي ، إسلام وشاحي ،بمحاولة قتل سجانين اثنين ، وفي ديسمبر 2021 طعن أسير في سجن نفحة سجانا في وجهه بآلة حادة . والغاضبون مخيفون . وبن غفير لا يفكر في شيء من هذا  ، ولا تقلقه تحذيرات أمنيين وعسكريين وسياسيين إسرائيليين مما قد تدفع إليه قراراته وتصرفاته من انتفاضة فلسطينية ثالثة ، الله وحده يعلم زمن ديمومتها وعنفها ومؤدياتها ، ويرد عليهم بأن كل وسائلهم في مقاومة ما يسميه الإرهاب الفلسطيني لم تأتِ بالأمن للإسرائيليين ، وأنه هو الساحر الذي يعلم الوسائل التي ستأتي به . يطرح نفسه " غوار طوشة " بالتعبير الشامي . ووسائله هي العنف والقسوة والتوحش ، والعقوبات التي لا تضبطها أي   

قوانين متبعة في الحرب بين الأعداء . يريد وسائله ضربات ماحقة للفلسطينيين ، ورادعة لهم عن القيام بأي فعل ضار بإسرائيل وهي تقتلهم وتعتقلهم وتهدم بيوتهم ومدارسهم ،وتهجرهم من مواطن سكنهم مثلما تفعل في الخان الأحمر ومسافر يطا ، وتسلبهم أرضهم ، وتخطط لإبعادهم منها نهائيا . في كلمة واحدة : يريد استسلامهم الذي سيليه حتما إبعادهم من وطنهم . وهذه أضغاث أحلام لجاهل معتوه . فعلت إسرائيل قبله كل ما قدرت عليه من الجرائم ضد الفلسطينيين ، وها هم في وطنهم أغلبية ، وها هم مستوطنوها أقلية ، وما عجز عنه أسلافه من المجرمين لن يقدر هو عليه ، ولن يميزه عن أكثريتهم سوى تهوره ، وصرخاته المتشنجة ، وقراراته المرتجلة غير محسوبة العواقب . وسيفشل مثلما فشلوا ، وفشله سيكون فشلا لإسرائيل .هي التي أنتجته . فرع خبيث بئيس من شجرة خبيثة غرست جذورها في أرض مُستَرقة . ونهايته قد تكون بالانفصال عن الائتلاف الحكومي الحالي ، ولن نتفاجأ إذا اغتالته الدولة العميقة مثلما اغتالت رئيس الوزراء رابين بيد المستوطن اليمني إيجال عمير في 4 نوفمبر 1995  ، واغتالت مائير كاهانا في نيويورك في 5 نوفمبر 1990 في عملية نفذها سيد نصير الأميركي المصري الأصل ، وطافت شبهة قوية حول دور الموساد في اغتياله لما خلقه لإسرائيل من مشكلات دفعتها في النهاية لحظر نشاط حركته " كاخ " . الدولة العميقة الموجودة في دول كثيرة لا ترحم أحدا يعترض مخططاتها ومصالحها سواء أكانت جزئية تتصل بمصالح طبقة ما ، أو كلية تتصل بمصالح البلاد مثلما هي حالة المتطرف المتنطع بن غفير. 

وسوم: العدد 1020