شيء عن الوضع العربي والدول الإقليمية..

عقاب يحيى

يعاد الحديث كثيرا هذه الأيام عن الصفقة الإيرانية ـ الأمريكية ـ الأوربية، وتنهال تحليلات متقاطعة تركز حول دور إقليمي كبير لإيران، وربما تقاسم النفوذ بينها وبين إسرائيل، مضافاً إليهما تركيا.. بينما يجري تهميش مقصود للدول العربية، وفي مقدمها الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، حلفاء الولايات المتحدة ، والغرب، على مرّ العقود ...

التركيز على أضلاع المثلث : تركيا ـ إيران ـ إسرائيل ليس حالة جديدة، وكأننا نعود بالضبط إلى مرحلة الخمسينات.. مع فوارق كمية ونوعية تخصّ الوضع العربي، وتلك القوى..

ـ فعلى امتداد فكر"سايكس ـ بيكو" التقسيمي.وفرض الكيان الصهيوني حقيقة مدججة بالسلاح، وبالتحالفات العضوية مع الغرب، ومقاومة نزوع العرب للتحرر والحرية والوحدة.. أنيطت أدوار استراتيجية بتلك الدول ككماشة تخنق الوضع العربي، وتستنزفه، وتقاوم مشاريع التوحيد، والتقدّم، والبناء الاقتصادي الحقيقي، والاستقلال المدعّم بقاعدة مادية صلبة.. وتمثلت التدخلات بأشكال كثيرة من التفويت والخلخلة، والحروب المباشرة، والتهديد.. وغيرها..

ـ وحين بدأ الاستعمار القديم بالانهيار، والتآكلـ بعد الحرب العالمية الثانية، واشتعال معظم المُستعمرات بحروب التحرير والاستقلال ـ تقدّمت الولايات المتحدة ـ الفتية ـ والعملاقة اقتصادياً، والتي لم تنهكها الحرب كثيرا، والتي كانت المستفيد الأكبر منها ـ لوراثة العالم القديم بالأسلوب الأمريكي، وببصمة صهيونية تخصّ الوطن العربي.. وكانت الأحلافـ كحلف بغداد الشهير، والنقطة الرابعة، وسلسلة الانقلابات العسكرية، خاصة في سورية،بعض محاولات لترتيب الأوضاع وفق المشروع الأمريكي..

ـ لكن، ومرحلة الخمسينات وهي تحمل مشروعاً للنهوض، والوحدة، وهي تحمل زخماً شعبياَ وتحررياً متعاظماً، تشكل الثورة الجوائرية فيه، وحركات التحرر في مناطق عديدة، راياته.. والقيادة الناصرية، والبعث قبل الحكم.. كانت الأمة العربية بموقع القادر على فعل شيء يتصدى لتلك المشاريع، ويجهض عديدها، ويتقّد خطوات مهمة على طريق تحقيق المشروع الخاص بالعرب، والتي كانت الوحدة السورية ـ المصرية تتويجاً له، مفتوح الأفق على شموليته، وكذا مقاومة الأحلاف، والمشاريع الاستعماريية، وولادة حركة عدم الانحياز.. وغير ذلك من حراك مهم.. مثلّ العدوان الثلاثي فيه على مصر 1956 ذروة منعطفه ..

                                                   ****

لكن بتضافر العاملين : الذاتي والخارجي.. سقط المشروع التحرري العربي على يد حملته، ومدعي العمل به، وجرى تقويضه بطريقة فظيعة.. وكانت حرب الخامس من حزيران وهزيمتها المدوّية النقطة القاصلة، بينما مثلت وفاة عبد الناصر المفاجئة، واستيلاء الطاغية الأسد على الحكم في سورية"انقلاب التفحيح "/تشرين الثاني 1970/  التدشين الرسمي لمرحلة الفوات، والنطوص ، وما يعرف بالردّة.. وبرز الدور الخليجي عموماً، والسعودي خصوصاً ..محاولة لبناء بديل لم تكن لديه مقوماته، ولا أدواته، ولا استراتيجيته.. اعتماداً على قوة النفوذ المالي، وتأثير البترودولار، وليس غيره.. بكل دلالات تأثيره السلبي، ورشوة الحكام ـ خونة الشعارات والمبادئ ـ وغياب أي مشروع عربي موحد ..

ـ الأمر الطبيعي.. ان تصول وتجول الدول صاحبة المشاريع الخاصة، وأن تسعى لملء الفراغ، وأن توسع نفوذها، وتأثيرها طالما أن النظام العربي أجوفاً، ومفككاً، وذيليا، ومهمشاً، وخارج تاريخ التطور والتحديث، يرفل باستبداد مكين تتشابه فيه نظمه الملطية ـ الإماراتية بالجمهورية، والجملكية البدعة ـ المسخرة .

ـ فتركيا، وبعد توقف مسلسل الانقلابات العسكرية، ووصول حزب العدالة والتنمية، بقيادة أردوغان.. تحمل مشروعاً طموحاً، نجحت في تجسيد أهم مرتكزاته لتشهد تركيا نقلة نوعية في عموم المجالات، خاصة على صعيد التنمية، والاقتصاد..

ولأن أوربة ما زالت ممانعة لدخولها الاتحاد الأوربي باشتراطات لا تتوقف، فالطبيعي أن تتجه تركيا ـ المسلمة ـ نحو العرب، وأن تبني علاقات جديدة ببعد استراتيجي يمنح تركيا دوراً متعاظماً في عموم المجالات، وبما يتجاوز الاقتصادي، والتبادلي إلى السياسي ..

ـ وإيران التي ورثتها الخمينية نجحت في الحفاظ على المشروع الإيراني الخاص بنكهة قومية ـ مذهبية استغلت الغياب العربي، وهزال وضعضعة النظام العربي في تعاطيه مع القضية الفلسطينية.. الذي ترك الفلسطينيين وحيدين.. فركبت إيران على فلسطين، تحمل شعارات تحريرها، وكان منتجها حزب الله رأس حربتها.. بينما كان التغلغل في المجتمعات العربية للتشييع وكسب الأنصار يجري بقوة، وبوسائل مختلفة..

ـ وإسرائيل العدو التاريخي. إسرائيل ومن خلفها صهيونية عاتية قوية النفوذ في مختلف دوائر القرار والإعلام والاقتصاد العالمي.. الطبيعي أن يكون لديها مشروعها الاستراتيجي، وأن يكون العرب بيت قصيده..

ـ ورغم وجود بعض الاختلافات في المضمون والوسائل لدى هذه الأطراف الثلاثة.. فإن توجه مشاريعها نحو المنطقة العربية يحكمها بنوع من علاقات التعاون والتنافس..بما في ذلك التناغم مع الشمروع الأمريكي، ولمَ لا توازع الحصص.. ومناطق النفوذ.. بينما يصعب على دول الخليج، والسعودية بالتحديد ،عبر الأوضاع المقلقة لمصر، وغير المتموضعة، وما يجري بسورية، ونأي الجزائر "بالنفس" عن الشأن العربي، مقاومة هذه المشاريع منفردة، أو مجابهتها بمشروع عربي بديل يلقى قبول الناس.. ويعود ذلك لأسباب بنيوية، ولطبيعة الحكم في السعودية.. وعجزه أن يكون نموذجاً ملهماً، ومؤثراً..

ـ ولئن عقدت الآمال على ثورات الربيع العربي.. فإن انهماكها بأوضاعها الداخلية ، وبموج مواجهة التركة الثقيلة جداً، وطبيعة المرحلة الانتقالية التي قد تستغرق زمنا طويلاً، والأوضاع المصرية بعد التدخل العسكري.. والدمار في سورية... كل هذه العوامل تجعلها خارج قوس التأثير ولزمن قد يطول، وبما يضع على السعودية أعباء ثقيلة، إضافية، تثقل حركتها، وتضعها في الموقع العاجز عن تشكيل البديل، أو التصدي لما يتموضع في مطقتنا ..