المؤامرة ضد الشعب السوري

مع اندلاع الثورة السورية السلمية في آذار/مارس 2011 قام النظام السوري المتمرس على خلط الأوراق، والتلاعب، وممارسة الكذب السياسي، والتي هي قواعد أساسية يسير عليها النظام “الطائفي ـ البعثي” منذ انقلابه المشؤوم أيضا في آذار/مارس 1963. أي قبل ستين عاما بالتمام والكمال، بمواجهة الثورة السلمية بالرصاص الحي. أي المواجهة المسلحة، وارتكاب المجازر، ثم اتهام الشعب الثائر بالإرهاب، وعلى المستوى الخارجي بالمؤامرة الكونية.

هذه الثلاثية: “المواجهة المسلحة، الإرهاب، المؤامرة الكونية” هي المعزوفة للأسطوانة المشروخة الأسدية المتكررة على الأسماع منذ 12 سنة لتشويه الثورة والانتصار عليها. لكن في الواقع المؤامرة الكونية كانت ضد الشعب السوري بدءا من وحشية جرائم النظام، وانتهاء بالقمة العربية الثانية والثلاثين في جدة المطبعة مع النظام الأسدي.

تهديد المفتي

لخلط الأوراق كان لا بد من خلق طرف يؤكد نظرية الإرهاب في الثلاثية الأسدية، وإيهام الغرب أنه مهدد، وبث الذعر عن طريق القيام بعمليات إرهابية في بعض العواصم الأوروبية (باريس، لندن، بروكسل، مدريد..) وقد هدد مفتي النظام السوري أوروبا منذ بدايات الثورة (تشرين الأول/أكتوبر 2011) بإيعاز من رؤوس أمنية كبيرة كون لا أحد يتجرأ على إصدار أي تصريح دون موافقتهم: “مع انطلاق أول قذيفة صوب سوريا ولبنان سينطلق كل أبنائهما وبناتهما ليكونوا استشهاديين على أرض أوروبا وفلسطين، أقولها لكل أوروبا وأقولها لأمريكا: سنعد استشهاديين هم الآن عندكم إن قصفتم سوريا أو قصفتم لبنان، فبعد اليوم العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم وأنتم من ظلمتمونا، سنقول لكل عربي ولكل إنساني: لا تعتقدوا أن من سيقوم بالاستشهاد في أراضي فرنسا وبريطانيا وأمريكا سيكونون عربا ومسلمين، بل سيكونون محمد درة جديد وسيكونون كل الصادقين الجدد” لم يتأخر تهديد المفتي، إذ وقعت عدة أعمال إرهابية في عدة عواصم أوروبية.

وأفرج النظام عن كل السجناء المنتمين إلى تيارات إسلامية والبعض يتهمه بتسليمهم الأسلحة للقيام بعمليات إرهابية كي يتخذها النظام كذريعة لإلصاق تهمة الإرهاب بالثورة السورية، ودخل “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق” إلى سوريا مع بدايات الثورة دون رقيب أو حسيب واحتل مساحة كبيرة من الأراضي السورية وحول الرقة إلى عاصمة له دون رادع يذكر وحول اسمه إلى “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” بمختصر “داعش” وارتكب الفظائع من أعمال وحشية وبربرية أرعبت العالم.

الميليشيات الطائفية

وظهرت جبهة النصرة التي اعتبرت نفسها جزءا من تنظيم القاعدة الإرهابي قبل أن تعلن انسحابها وتبديل الاسم إلى هيئة تحرير الشام، ثم أصدر النظام نظرية المؤامرة الكونية ضد سوريا كون أن بعض الدول الغربية والعربية دعمت ثورة الشعب السوري كي يبرر أيضا طلبه من إيران بإرسال ميليشياته الطائفية وعلى رأسها حزب الله اللبناني، ثم روسيا بإرسال قوات برية وجوية لقمع الاحتجاجات وضرب قوات الجيش السوري الحر، وكل الفصائل المسلحة التي تشكلت وتعددت أسماؤها، وكل مناطق المدنيين المؤيدين للثورة، وهكذا نجح النظام في تحويل الثورة إلى صراع مسلح فسح المجال للقوى الإقليمية والدولية التدخل في الشأن السوري.

بدأت المؤامرة ضد الشعب السوري من قبل النظام نفسه ثم بعض الأنظمة العربية التي تبنت عملية الثورة المضادة، فبعض الدول العربية التي كانت تدعم المجلس الوطني السوري، ثم الائتلاف الوطني السوري كممثل للشعب السوري اتخذت انعطافات حادة في سياساتها تجاه المعارضة وبدأت تتوجه نحو التخلي عنها والانفتاح على النظام الذي كانت تصفه بالأمس بالدموي وتدعو إلى إسقاطه، هذا على الرغم من تضرر هذه الدول من النظام نفسه الذي أغرقها بالمخدرات بعد أن حول سوريا إلى أكبر مصنع لحبوب الكبتاغون المخدر، وتحالفه مع جمهورية ولي الفقيه إيران التي تنظر إليها هذه الدول كقوة إقليمية تهددها.

أضرار الزلزال

وجاء الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال غرب سوريا ليعطي لهذه الدول الذريعة للانفتاح الصريح على النظام بحجة المساعدة والدعم جراء الدمار والضحايا الذي لحق ببعض المناطق (مع أن جرائم الأسد الرهيبة بحق الشعب السوري ودمار سوريا لا يمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال بأضرار الزلزال) فتوالت الزيارات لمسؤولي أكثر من دولة عربية، ثم اجتماعات متلاحقة في الأردن والسعودية لصياغة اتفاق على عجل على مستوى الجامعة العربية قبل انعقاد قمتها في جدة كي يجد الأسد مكانه في أحضانها. واعتبر النظام أن الجامعة العربية عادت إليه وهذا انتصار له على شعبه.

من جانب آخر تخلى المجتمع الدولي عن معاقبة النظام على ارتكابه جرائم حرب وضد الإنسانية بالشعب السوري، وتوقف عن دعم المعارضة. مع أن واشنطن في عهد الرئيس باراك أوباما اعتبرت أن استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية والتي أكدتها أكثر من بعثة ومنظمة دولية أنه خط أحمر ولا يمكن التسامح به، وكذلك الأمر في عهد دونالد ترامب الذي وصف بشار الأسد بـ “الحيوان” بعد استخدامه غاز السارين في خان شيخون وخان العسل، لكن العقاب اقتصر على قصف رمزي لمطار الشعيرات لم يكن له أي تأثير يذكر.

واقتصرت العقوبات على الجانب الاقتصادي، (الذي يعمل النظام على تعويضها بصناعة وتصدير الكبتاغون) والتي بسبب الزلزال أيضا تم تجميدها لغاية شهر آب/ أغسطس المقبل. وغطت الطرف عن كل الدول التي تنتهك قانون العقوبات، وحتى الأمم المتحدة التي أظهرت تقارير أنها تعاملت مع مؤسسات تابعة للنظام السوري بمبالغ كبيرة.

موقف المعارضة

تتمثل المعارضة السورية بعدة هيئات أساسية: الائتلاف الوطني السوري، هيئة التنسيق، المجلس العسكري. المجلس الإسلامي السوري، جميع هذه الهيئات رفضت عمليات التطبيع مع نظام الأسد، فالائتلاف الوطني السوري رفض هذه المصالحة إذ اعتبر أن: “استقبال مجرم الحرب بشار الأسد لحضور القمة العربية مكافأة له على ما اقترفه من جرائم بحق الشعب السوري، وتجاوز لتضحيات السوريين لأكثر من 12 عاماً، وتناس للضحايا الذين ينتظرون تحقيق العدالة، وتخل عن الشعب السوري الثائر المطالب بالحرية.

سوريا العظيمة لا يمثلها الأسد المجرم، وإن وجود النظام المجرم في مقعد سوريا في الجامعة العربية يعني أن إيران تحضر القمة عبر مندوبها وحامل أجندتها وأحد أدواتها في تنفيذ مشروعها التوسعي الحاقد في الدول العربية” وأكد رئيس لجنة التفاوض بدر جاموس:” أن الجامعة والدول العربية لم تستشر المعارضة السورية بشأن القرار، ووصفه أنه “تجاهل واضح لإرادة السوريين”. وأضاف: “نعتقد أن ما حدث هو قتل للعملية السياسية، ودفع للشعب السوري لمواصلة ثورته المحقة حتى تحقيق حقوقه المشروعة، وتجاهل كامل لصوت الشعب السوري لحساب المصالح بين الدول” وأصدرت هيئة التنسيق من جانبها بيانا قالت فيه: “هذا التغيير والتعديل في اتجاهات سياسة المملكة والتقارب مع الصين وروسيا وتفاهمها مع إيران يمثل انزياحا واضحا في الكثير من مرتكزات سياساتها السابقة… كل ما يجري يجعل القوى الوطنية السورية تتوقف وتتساءل عن مدى استفادة الشعب السوري من هذه التحركات في ظل وطن مسلوب السيادة والقرار” فيما دعا المجلس العسكري السوري: “جميع القوى الوطنية السورية إلى الخروج من أنفاق المسارات الراهنة، ومغادرة الأطر التي باتت رهينة الإرادات الخارجية، والعمل على إيجاد استراتيجيات نضالية جديدة أكثر فاعلية في مواجهة نظام الطغيان من جهة، وأكثر قدرة على التمسك بالمصلحة الوطنية السورية وتحاشي الوصاية والارتهان للخارج من جهة أخرى”.

وأكد بيان المجلس الإسلامي السوري أن: “مصالحة تلك العصابة تعني أن يموت شعبنا ذلا وقهرا، وتعني بيع دماء الشهداء الذين مضوا وهم ينشدون كرامة سوريا وعزة أهلها”. وقد عمت المظاهرات الشعبية في المناطق المحررة للتنديد بالتطبيع مع نظام الأسد وعودته إلى الجامعة العربية.

هذه البيانات والمواقف المختلفة لهيئات المعارضة السياسية والشعبية تؤكد أن الشعب السوري هو المستهدف أولا وأخيرا، وأن هذا الشعب مستمر في ثورته حتى إسقاط هذا النظام.

وسوم: العدد 1034