إن يثقفوكم...

من فقه الدعوة

محمد فاروق البطل

[إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ] {الممتحنة:2} .

القرآن الكريم عظيم، وعظيم جداً ، وأظهر ما تبدو عظمته حين يُسقط على الواقع، يوجه الأحداث، كل الأحداث، حلوها ومرها ، صالحها وفاسدها ، خيرها وشرها في عصر التزيل، وما بعد عصر التنزيل، وعبر كل العصور والدهور، وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها... يُحِسُّ قارئ القرآن، والمتدبر لآياته، أنه قد نزل الساعة يعالج الحدث ، يصفه ، يقوِّمه، يستخلص نتائجه ، يحدد الموقف الحكيم منه ، كل ذلك ببلاغة أخاذة، وتصوير معجز ، وتعبير مبدع، وعلم محيط، ولعل شاعر الإسلام العظيم محمد إقبال عنى هذا حين وجَّه ولده ناصحاً ومعلماً قائلاً: يا ولدي اقرأ القرآن وكأنك أنت المخاطب به وكأنك المكلف بتطبيقه...

وإني لأذكر نموذجاً لما أقول، وتوصيفاً دقيقاً لما يحدث اليوم على الساحة السورية والساحة المصرية، وكل ساحات الحكم الاستبدادي والقمعي ضد كل مَن يقول ربي الله: أذكر قول الحق  سبحانه : [إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ] {الممتحنة:2} . هل يستطيع أحد أن يزيد كلمة ، أو ينقص كلمة أخرى من هذا التقرير الرباني المعجز، والصادر عن إله عليم بنفسية الطغاة، خبير بأساليبهم التي لا تعرف للإنسان حرمة، ولا كرامة ، ولا حقاً، ولا عدلاً، ولا رحمة، ولا إنسانية؟؟.

كل همهم أن يعبِّدوا الناس لطاعتهم ، ويخضعوا البشر لسلطانهم ، ويستذلوا الناس لأمرهم ، لا يريدون شريكاً في حكمهم، يتمثَّلون قول فرعون كما حكى الله سبحانه عنه حين قال لقومه :[ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي] {القصص:38} .[ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى]{غافر:29} . [قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ] {الشعراء:29} . [أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى] {النَّازعات:24}.

هذا منطق الطغاة المستبدين في كل زمان وفي كل مكان، يدفعهم إلى ذلك غرورهم، وعبادتهم للسلطة، ورغبتهم في التأله والاستبداد، كما يحملهم على ذلك حقدهم على الإسلام ودعاته :[وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ]{البروج:8} . وإنهم ليركبون كل مركب في سبيل تحقيق أهدافهم الدنيئة لا يردعهم عن ذلك خوف من الله ولا رادع من ضمير، ولا وازع من خلق بل إنهم يستبيحون كل الحرمات والمحرمات تحقيقاً لرغبات أسيادهم وتمكيناً لطغيانهم وتحقيقاً لولائهم وتنفيذاً لرغبات أعداء شعوبهم التوسعية والاستعمارية.

لقد تضمنت الآية الكريمة البليغة على قِصرها، مفردات المحنة والابتلاء على أيدي البغاة عبيد السلطة والانقلابات الذين استولوا على الحكم في مصر وسوريا، وبسطوا سيطرتهم على البلد بقوة الحديد والنار ، وهو معنى قوله تعالى :[إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ] {الممتحنة:2} .وفي تفسير جامع يقول الأخ العالم العامل المفسر الشيخ مجد مكي في تفسيره القيم (المعين) يقول : (إن يظفر بكم هؤلاء الذين تُسرون إليهم بالمودة ويتمكنوا منكم ، يظهروا لكم ما في قلوبهم من العداوة والغيظ والحنق عليكم ، ويمدوا إليكم أيديهم بالضرب والحرب ، والقتل والأسر ، ويمدوا ألسنتهم إليكم بالشتم والسب ، والطعن والتجريح ، والهزء والسخرية ، وتمنَّوا لو تكونوا مثلهم كافرين ، فلا يرضون عنكم حتى تشاركوهم في الكفر بالله ، وتتركوا إيمانكم وإسلامكم).

تأمل معي أخي القارئ الكريم : أليس هذا الذي يحدث اليوم في مصر وفي سوريا هو نفسه كما عبرت عنه الآية الكريمة؟! لقد وثق الرئيس الدكتور محمد مرسي ـ غفر الله له وفرج عنه ـ بأشخاص علمانيين خبثاء ماكرين، أظهروا له المودة والتأييد، فنصَّبهم واستوزرهم، وسلَّمهم مقاليد الأمن والجيش والداخلية، فمكروا به ، وكادوا له ، وتآمروا عليه ، وأودعوه السجن ، وغيَّبوه عن أهله وأولاده والعالم كله، منذ فترة قريبة، ليمثل أمام المحكمة الظالمة الهزلية ، ثم سفكوا دماء أنصاره ، وأودعوهم السجون والمعتقلات، ساموهم سوء العذاب بمختلف أشكاله وألوانه ، وسلطوا عليهم ألسنة السفهاء ، وشردوهم في الآفاق ، ولاحقوهم في كل مكان ، وقد بلغت بهم الجريمة أن قتلوا النساء والأطفال، بل قتلوا السجَّد الركَّع ، الصائمين المتهجدين في الأسحار ، المعتصمين المسالمين الأخيار، ولم يكن لهم من مطلب إلا الحرية والعدالة، وإلا عودة الشرعية متمثلة بالرئيس الذي اختاروه ، وبالدستور الذي ارتضَوْه ، وبالبرلمان الذي انتخبوه ، اللهم أنزل عذابك بالظالمين ، فإنهم لا يعجزونك ، اللهم زلزل الأرض من تحتهم ، اللهم رُدَّ السهام إلى نحورهم يا رب العالمين.

وأستأذن الشيخ مجد مكي أن أضيف إلى ما أورده في تفسيره أشياء تفصيلية من الواقع المعاصر، ومما عرفتُه وخبرتُه وسمعتُه من الثقات:

1 ـ يكونوا لكم أعداء : بحس المبتَلى والممتَحن، ومَن يصطفيه الله للامتحان، ويقع في قبضة الظالمين ، ومن اللحظة الأولى، يحس بالعداوة والحقد والتجبُّر ، يجد نفسه أمام مَن لا خلاق لهم ولا دين، ولا قيم، ولا رحمة، ولا إنسانية، وكأنه لم يجتمع معهم في وطن واحد ، ولا من شعب واحد، ولا من أمة واحدة ، بل كأنه لم تجمعهم ذكريات مودة، ولا تاريخ عمل مشترك، وخاصة حين يختار الطغاة جلادين جهلة أميين ، همهم انتزاع الاعترافات، وتثبيت التهم ، وسلب الكرامة ، وامتهان الآدمية ، وإذلال الإنسان ، لا يستيقظ في الجلاد ضمير ، ولا تتحرك عنده عاطفة ، نُزِعت منه الرحمن ، وهو يرى الدماء تتفجر ، والأضلاع تتكسر ، وأصوات الاستغاثة تشق عنان السماء ، وآهات الآلام تتفطَّر لها القلوب لو كان للجلادين قلوب، لكنهم كما وصفهم الله سبحانه : [ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ] {البقرة:74} . لقد حاولتُ مراراً أن أليِّن قلوب الجلادين الذين مررت بهم في كثير من السجون، فقال لي الجلاد (شيخو) الذي لا يفارقه السكر، قال لي : أستاذ هذا ربي! يشير إلى آمر السجن، الضابط الطاغية، ما يقوله لي أفعله ولا أبالي ، أكسر اليد والقدم ، أفجر منه الدم ، تصيبه العاهة والجنون والصرع ، لا يهم ...المهم عندي أن يرضى المعلم أي ضابط السجن، خاصة وأنه سيدفع لي مكافأة كلما انتزعت اعترافاً منه ولو بالكذب، ولديَّ قصص كثيرة مع الجلادين، منها المضحك ومنها المبكي ، وصدق الله القائل :[لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ] {التوبة:10} . وللإنسان المحايد المراقب أن يتساءل : كيف تنقلب صداقة هؤلاء المزعومة إلى عداوة متوحشة سوداء؟ كيف انقلب أعوان الدكتور مرسي وقد كانوا في الذروة من المسؤولية، وفي الذروة من ثقة الرئيس إلى أعداء متوحشين شرسين قَتَلة؟! لم يرقبوا في رئيسهم الذي ولاَّهم واستوزرهم ومنحهم ثقته إلَّاً ولا ذمة ، وسبحان ربنا القائل في محكم التنزيل :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ] {آل عمران:119} .

2 ـ بسط اليد بالسوء والإيذاء: لقد تطورت آلات التعذيب باليد عما كانت عليه في الماضي، فما عادت تلك اليد التي تصفع، أو تضرب، أو تؤذي، أو تجلد ، بل لقد أبدعت الحضارة الغربية، وسائل جديدة في التعذيب: منها العصا الكهربائية ، الصعق الكهربائي. الكرسي الكهربائي ،السجادة الكهربائية، صعق المناطق الحساسة في الجسم ، إدخال الزجاجة الجارحة في مؤخرة الإنسان... إطفاء السجاير في جسم الموقوف ـ الشبْح على الجدار ، التعليق بالمروحة الكهربائية... هذه كلها مورست مع الموقوفين منذ الستينات ، ولا أدري ماذا استورد الطغاة المجرمون من وسائل التعذيب الجديدة من روسيا وألمانيا الشرقية ودول الشيوعية المارقة ودول الغرب الماكرة المنافقة؟؟.

ولا ننسى هنا وسيلة الاعتداء الجنسي تهديداً أو فعلاً، ومن ذلك استقدام زوجة الموقوف أو أمه أو ابنته أو أخته ، وتعريتها أمامه ، والمباشرة بالاعتداء عليها حتى يضطر الموقوف للاعتراف ولو كذباً إنقاذاً لأهله وعرضه وشرفه.

3 ـ بسط اللسان بالسوء والإيذاء : وقد قال الحق سبحانه : [لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] {آل عمران:186} .

ولما كان هؤلاء الطغاة الآثمون وأعوانهم ليس لهم دين ، وليس عندهم ضمير ولا خلق ولا قيم ، بل عندهم مبدأ : اكذب... اكذب.. تُصَّدق ، ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة ، وبهذين المبدأين اللذين لا صلة بدين ولا بخلق ، ولا أمانة، فإنهم يستبيحون كل حرام وكل كذب ، وكل وسيلة قذرة للقدح والذم والتشوية ، وقلب الحقائق ، وأحدث شاهد على ذلك أجهزة الإعلام في مصر ذات المائة قناة تقريباً، مع كذب مسؤولين والقادة الانقلابيين، ومن قبل هؤلاء الإعلام السوري الكاذب، بوزيره وقنواته الفضائية، وصحفه ، ومجلاته وكم ينطبق على هؤلاء وأولئك الأثر الذي يقول : (لا تقوم الساعة حتى يُصدَّق الكذوب ، ويُكذب الصدوق ، و يؤتَمن الخائن ، ويُخون الأمين ، ويرتفع التحوت (أشرار الناس) وينخفض الوعول (كرام الناس) ويتحدث في الناس الرويبضة، قالوا يا رسول الله من الرويبضة؟ قال أراذل الناس ).

مهما امتلك الأديب من ناصية البيان، وفصاحة الكلمة وقوة التصوير، لا يستطيع أن يصور هؤلاء الإعلاميين بأدق مما جاء في هذا الأثر ، نعم... هذا هو الواقع المشاهد، الإعلاميون الكذبة بكثرة كذبهم وتكراره عبر القنوات الفضائية، يُصدقهم البسطاء ، والعكس تماماً، فالدعاة الأحرار الصادقون تُكمَّم أفواههم ، ويُحجَب عنهم الإعلام، وتُغلق في وجوههم  القنوات الفضائية ، بل كان أول قرار للانقلابيين هو: إغلاق القنوات الفضائية الإسلامية التي تنطق بالحق والصدق ، وتصدع بكلمة الله، وتدافع عن أعراض الإسلاميين.

في حياتي كلها، والتي قاربت الثمانين بحمد الله لم أسمع بمثل هذا الفجور، ولا بمثل هذا الكذب، ولا مثل هذا التشويه للحقائق ، وصلى الله على سيدنا محمد الذي قال : (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) سلطة غاشمة تشجعهم ، وأموال باهظة تجري بين أيديهم ، وحقد أسود يعشعش داخلهم ، وكره للإسلام ودعاته يحركهم ، وشياطين الإنس والجن تدغدغ أحلامهم وتزيِّن لهم : [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ] {البقرة:11}  [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ] {البقرة:14} . صدقت يا رب ما أحكم آياتك!! يا رب  وما أصدق ما تدل عليه!! وما أعجب شمولها على مر الأيام والأزمان مهما تباعدت وتغيرت!!. سبحانك ربي ومن أصدق من الله قيلاً:[لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ] {فصِّلت:42}.

وآخر ما تفتقت عنه شياطين الإنس أنهم استعانوا بالمخرجين والممثلين لينتجوا فيلماً كاذباً، يشمل لقطة لأنصار الطاغية الأثيم السيسي يهتفون بحياته وبانقلابه ، ثم لقطة أخرى تظهر أهل اللحى وقد انقلبوا عليهم بالعصي والهراوات والأسلحة البيضاء ، تماماً كما فعلو هم حين سلطوا البلطجية وبحماية وزارة الداخلية على المتظاهرين السلميين الإسلاميين الأحرار ، قلبوا الأمور بكذبهم رأساً على عقب.

4 ـ وأما رابعة المحن فهي الأمر المستحيل : [وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ] {الممتحنة:2} .

قد يتمكن الطغاة الأشرار من إلحاق الأذى في أجسام الدعاة وإيذائهم وإحداث العاهات في أبدانهم وقد يتمكنون من سبِّهم وشتمهم ،  وإلحاق شتى الأوصاف بهم ، وتوجيه الأكاذيب والافتراءات للنيل من سمعتهم، وذلك بتسليط الأشرار والسفهاء وأراذل القوم، ليقدحوا ويذموا في الدعاة كرام الناس الذين أثنى الله عليهم وعلى أمثالهم فقال سبحانه:[وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] {فصِّلت:33} .

نعم... قد يستطيع الطغاة بعدائهم للإسلام وكرههم للأحرار الأعزاء الذين يقولون بملء أفواههم لخلفاء فرعون :[ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّنْيَا] {طه:72} . أو كما قال سيدنا إبراهيم الخليل للطاغية المتجبر نمرود [إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ(80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(81) ]. {الأنعام}..

تتوالى المحن والابتلاءات على الدعاة والأخيار، فيزدادون قوة في إيمانهم ، وصلابة في عقيدتهم ، وثباتاً على مبادئهم ، بل يزداد تلاميذهم وأنصارهم ، وتتسع ساحات الدعوة أمامهم ، وأكثر من ذلك فإن الإسلام ينتشر على أيديهم، في كل مكان حلّوا فيه ، ولقد أضحت الحركة الإسلامية العالمية بسبب ذلك ملء سمع الدنيا  وبصرها ، وكان الشقي اللامبارك يحذر الدول التي هاجروا إليها ويدعو إلى طردهم وتشريدهم ثانية ، لكن الله سبحانه كان يحفظهم ويرعاهم، ثم جاءت الانتخابات الحرة النزيهة في مصر ، فأعطاهم الشعب ثقته وصوته في انتخابات الرئاسة، ثم انتخابات البرلمان، ثم انتخابات الشورى، ثم الاستفتاء على الدستور....

ولله در الشهيد العزيز سيد قطب رحمه الله تعالى وهو يقول في تفسيره القيم الظلال بياناً للمحاولات الفاشلة واليائسة التي يبذلها أعداء الله في محاولة تغيير عقائد الدعاة وصرفهم عن عقيدة التوحيد والإيمان بالله العزيز الجبار مالك القلوب ومثبت المؤمنين [يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ] {إبراهيم:27} .يقول : ص3541: (وهذه عند المؤمن أشد من كل أذى ومن كل سوء يصيبه باليد أو اللسان. فالذي يود له أن يخسر هذا الكنز العزيز. كنز الإيمان. ويرتد إلى الكفر، هو أعدى من كل عدو يؤذيه باليد وباللسان! والذي يذوق حلاوة الإيمان بعد الكفر، ويهتدي بنوره بعد الضلال، ويعيش عيشة المؤمن بتصوراته ومداركه ومشاعره واستقامة طريقه وطمأنينة قلبه يكره العودة إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار. أو أشد. فعدو الله هو الذي يود أن يرجعه إلى جحيم الكفر وقد خرج منه إلى جنة الإيمان، وإلى فراغ الكفر الخاوي بعد عالم الإيمان المعمور).