العلاقة بين العرب والغرب جدلية السيد والعبد

د. محمد أحمد الزعبي

العلاقة بين العرب والغرب

جدلية السيد والعبد

د. محمد أحمد الزعبي

1. لقد استعرنا المقولة من الفيلسوف الألماني فريدريك هيغل( F. Hegel  ) لنشير به إلى العلاقة الجدلية بين النظام الرأسمالي العالمي والبلدان النامية  ومنها وطننا العربي (انظر المخطط الأول)     

، من حيث أن تطورهم السريع وسبقهم لنا ، إنما يعود في جزء أساسي منه ، إلى المرحلة التي كانت فيها

معظم أقطار الوطن العربي تحت قبضة الاحتلال الامبريالي الأوروبي ، وبالتالي إلى وضعهم الاقتصاد الوطني والقومي العربي في خدمة اقتصادهم ، وتطوير بلادهم ، وعندما أصبحوا هم المتقدمون ونحن المتخلفون، أصبحنا نحن بحاجة إليهم بقدر (وربما أكثر) من حاجتهم إلينا ، وهذا ماعبرعنه المرحوم محمد عابد الجابري في تصويره أن الغرب  المتطور أصبح بالنسبة لشعوبنا بمثابة العدو والنموذج في آن واحد ،وأصبح توسيع الدول المهيمنة، لهامش التنمية الاقتصادية والاجتماعية  للدول النامية ضرورة اقتصادية وسياسية للطرفين ، وذلك كي لاينقلب السحرعلى الساحر ، كما حصل ويحصل اليوم في دول الربيع العربي، أولأنهم بحاجة إلى أنصاف متعلمين من أصحاب الأجور الرخيصة ، يستغنون بهم عن متعلمي بلادهم ذوي الأجور المرتفعة ، وهو ما عبرعنه جان بول سارترفي أن حاجة المستعمر إلى خدمات المستعمر الرخيصة الثمن ، جعلته يحاول أن يجعل من مواطني مستعمراته حالة تقع بين الإنسان والبهيمة . أي عملياً عبداً غير واع لعبوديته ،  تماماً كما هي حال " عبد هيجل " ولكن مع الفارق الجدلي والهيجلي بين الحالتين ، من حيث أن عبد هيجل بعد أن تعود سيده على خدماته ، وأصبح لايستطيع الاستغناء عنها ولا عنه ، شعر الطرفان  بتكافؤ حاجة كل منهما للآخر، فسقطت عن السيد سيادته ، وعن العبد عبوديته ، وبالتالي ،  لم يعد العبد عبداً ولا السيد سيداً .

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل يمكن أن تتكافأ عناصرنا مع عناصرهم في المستقبل القريب ؟ونصل معهم إلى مرحلة الإلتقاء في منتصف الطريق ؟ ، بالرغم من مقولة الشاعر الإنجليزي روديارد كبلنغ الشهيرة (الشرق شرق  والغرب غرب ولن يلتقيا )، وينتهي بذلك انقسام العالم الواحد إلى ثلاثة عوالم متصارعة . إن موقف الدول الرأسمالية المتطورة  ( بطبعتها القديمة والجديدة ) من ثورات الربيع العربي ، وبالذات من ثورتي مصر ( 25 يناير 2011 )  وسورية  ( 18 آذار 2011 ) ، لايوحي ــ مع الأسف الشديد ــ بقرب حصول مثل هذا اللقاء !! ، بل إن سقوط الاتحاد السوفيتي في نهاية القرن المنصرم  ، وظهور مايسمى بالنظام العالمي الجديد ، سمح لمنظريهم ( فرانسيس فوكوياما / نهاية التريخ والإنسان الأخير، وصامويل هنتنجتون / صراع الحضارات ) ، بأن يجأروا بالانتصار النهائي لسيد هيغل على عبده ، ضاربين بعرض الحائط بجوهرالعلاقة الجدلية التي أكدها كل من هيجل وماركس ( كل على طريقته ) بين السيد والعبد ، أي( وهذا بالنسبة لماركس )  بين المستغل (بكسر الغين) والمستغل (بفتح الغين) ، والتي إذا لم تحمل الطرفين على الالتقاء في منتصف الطريق ،اليوم ، فإنها سوف تدفع بالعبد إلى أن يصيح في وجه سيده غداً أن " كفى " .

أوليست ثورات الأجيال الجديدة من الشباب ( الربيع العربي ) ضد حكامهم الذين يمثلون الجسر الذي عبر ويعبرعليه الإمبرياليون إلى بلادنا ، هي قطرات " أول الغيث " .

2. رأينا أن تكون طريقتنا في عرض وجهة نظرنا ، مختلفة هذه المرة عن الطرق الكلاسيكية المعروفة ، وهي منهجية ورثناها عن أستاذنا الكبير المرحوم الدكتور شاكر مصطفى . خلاصة هذه المنهجية هو أننا سوف نقوم هنا فقط  بتفسير وتوضيح ماورد في المخططين اللاحقين ، اللذين يمثلان رؤيتنا الخاصة للعلاقة الجدلية ، بين ثورات الربيع العربي الراهنة ، والدول العظمى المتطورة المعروفة ، والتي تحتكر ماأطلقنا عليه في مقالات سابقة " المصنع والمدفع " ،وبالتلي القوتين الاقتصادية والعسكرية ، الأمر الذي وضعها عملياً في موضع " السيد" ، ووضع بقية خلق الله من السود والبيض وما بينهما ، في موضع  " العبد " !! .

هذا وتتعلق الأفكار التي يتضمنها المخططان الموجودان أدناه ، بصورة أساسية  بما يلي :

ــ البنية الاجتماعية لمجتمعات الوطن العربي  ( الإنقسامان العمودي والأفقي ) ،

ــ دور هذه البنية في تخلفنا وتقدمهم ( وهو مايمثل بصورة غير مباشرة جوابنا على سؤال عصر النهضة المعروف   (  لماذا تقدموا وتخلفنا ؟ ) ،

ــ كيف يمكن كسر شرنقة  " السيد ــ العبد "  ، والخروج منها إلى عالم التحرر والمساواة والعدالة   ؟ ،

والذي جسدته مبادئ الدين الإسلامي بـ : الحرية ( متى استعبدتم الناس وقد ولتهم أمهتهم أحراراً/ عمر)

والمساواة ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناك شعوب وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم / الحجرات 13) والعدل (ولايجرمنكم شنآن قوم على ألاَّ تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى/المائدة 8 )

   وجسدته لاحقاً الثورة الفرنسية بمبادئ : الحرية والإخاء والمساواة ،وجسدته حديثاً ثورات الربيع 

   العربي الراهنة  بشعارات : الحرية والكرامة والديموقراطية وحقوق الإنسان .

3. يشير المخطط الأول ( ص 4) بصورة أساسية إلى مايلي :

ــ العلاقة الجدلية ( تبادل الأخذ والعطاء أفقياً وعمودياً ) بين الدول المتطورة ( الرأسمالية خاصة ) والبلدان

   النامية ( ومنها الوطن العربي) ، وبتعبير هيغلي، بين دول " السيد " ودول " العبد" ،

ــ وإذا ماستعرنا من علم الفيزياء ، قانون حركة الرياح على سطح الأرض ، والمعني هنا تحرك الهواء من

   مناطق الضغط العالي ( الباردة ) إلى مناطق الضغط الواطئ (الحارة ) ، فإن حركة التطور والتقدم في

  العصر الحديث  ( الحداثة ) إنما تسير بدورها من المناطق عالية التطور ( البلدان الرأسمالية ) إلى

  المناطق منخفضة التطور ( البلدان النامية) ، وهي عملية قانونية إجتماعية طبيعية ، بغض النظر عن أن

   مثل هذا التشابيه يمكن أن يخدم أصحاب نظريات المماهاة أوالمشابهة بين الظواهرالاجتماعية و الظواهر

   الطبيعية ، والتي أزاحها علم الاجتماع المعاصر إلى الخلف ، 

ــ لأسباب تاريخية وجغرافية متداخلة ومتعددة (وربما كان من بينهاعامل الصدفة) امتلكت الدول الغربية

   الرأسمالية ، قبل غيرها ، ناصية العلم والتكنولوجيا ، ومن خلالهما ناصية المصنع والمدفع ، وسيطرت

   من خلال هذين الأخيرين على معظم دول العالم ، ولا سيما في القرنين التاسع عشر والعشرين ،

   وتحولت انجلترا إلى " بريطانيا العظمى "  أو الإمراطورية التي لاتغيب عنها الشمس ، ويثبت الجدول

   الذي ورد في كتيب لـ " هارولد نويبرت " أبعاد هذه العملية الإستعمارية ، التي كان وطننا العربي

   أحد ضحاياها البارزين ،( أنظر: هـ . نويبرت ، النظام العالمي الجديد ، بيروت 1996 ، ترجمة محمد  

  الزعبي وممتاز كريدي ، ص 79 ) :

بعض الدول الأوروبية ومستعمراتها عام 1947 

الدولة المستعمرة

مساحة الدولة المستعمرة ( كم2 )

عدد سكان الدولة المستعمرة ( مليون )

مساحة  المستعمرات

( مليون كم 2 )

سكان المستعمرات

( مليون نسمة )

بريطانيا العظمى

244.000

49.5

10.2

106.9

فرنسا

551.200

40.3

11.7

54.4

البرتغال

92.200

8.2

2.1

12.5

بلجيكا

30.500

8.5

2.4

14.5

ــ  إن ماورد في الجدول أعلاه إنما يمثل  ـ برأينا ـ إجابة جامعة ، ولكنها بالتأكيد ليست كافية لتقديم الجواب

   الجامع المانع  على  تساؤل آبائنا في مابات معروفاً  بعصر النهضة العربية (أواخر القرن 19 وأوائل

  القرن 20 ) ذلك أن عملية النهب والاستغلال اقتضت من القوي أن يحافظ على قوته ، وبالتالي أن يمنع

  الضعيف من امتلاك اسباب القوة فكانت بالنسبة لوطننا العربي : سايكس ــ بيكو ، وكان وعد بلفور، وكان

  تغييب الحرية والديموقراطية ، وكان احتلال العراق ، وكانت محاولات احتواء وإفشال  ثورات الربيع

  العربي التي تجري حالياً ، ولا سيما في مصر وسورية ، وكانت لعبة العصا والجزرة ، وكانت لعبة

  لسم في الدسم ، وكانت لعبة تكلم يساراً وسر يميناً ، وكانت لعبة اللعب بموضوع الأقلية والأكثرية...الخ ،

  من بين تلك الأساليب غيرالإنسانية وغيرالأخلاقية ، التي يتبعها القوي، للسيطرة على الضعيف ، ومنعه

  من النهوض مادياً ومعنوياً .

4  . أما المخطط الثاني (نفس الصفحة )، فيشيرإلى أن البنية الاجتماعية  في الوطن العربي ، إنما تعكس وجود انقسامين رئيسيين ،أحدهما " عمودي " ينسحب على كل من يقع تحته من المكونات الاجتماعية

   الخمسة التالية : القبيلة ، الدين ، الطائفة ، العرق ، المنطقة الجغرافية ، وثانيهما  " أفقي " ينسحب

 على كل من يقع تحته من الفئات الاجتماعيةــ الاقتصادية الثلاث  التالية :  العليا التي غالباً مايشكل الأثرياء ( مالكو وسائل الإنتاج ) عمودها الفقري ،والفئات المتوسطة ً (اجتماعياً واقتصادياً ) والفئات الفقيرة التي تعيش من بيع قوة عملها للفئتين الأخريين ، ، والتي عادة ماتمثل ( إحصائياً ) ، غالبية الأمة أو الشعب.

إن استخدامنا لمصطلحي "عمودي و أفقي" في حالة المجتمع العربي ، ( انظرالمخطط  الثاني ص 4 ) إنما يشير تطبيقياً إلى التشابك والتداخل ، وبالتالي إلى العلاقة الجدلية ( تبادل التأثير والتأثُّر)  بين هذين الانقسامين ، والتي عادة ماتختلف مفاعيلها ونتائجها بين قطر عربي و آخر ، وأيضاً بين المدينة والريف والصحراء في نفس القطر ، وذلك استناداً إلى البعد والعمق الحداثي والحضاري لهذا القطرالمعني أو ذاك . إن التحول من الاقتصاد الزراعي القروي الفلاحي ، إلى الاقتصاد الصناعي والخدمي المديني العمالي ، إنما يمثل ــ بنظرنا ــ حجر الزاوية في التحول من الانقسام العمودي إلى الانقسام الأفقي ، ومن حروب داحس والغبراء القبلية والطائفية ، إلى صراع  المستضعفين والمستغلين ( بفتح الغين ) من كافة فئات الشعب  ، مع مضطهديهم ومستغليهم  من أي فئة اجتماعية كانوا، وهو ماتجلى بأوضح صوره في ثورات الربيع العربي ، التي يعمل تحالف المستغلين ( بكسر الغين ) الداخليين والخارجيين اليوم على احتوائها ، وإيقاف تواصلها وتقدمها ، وبالتالي إفشالها ، وإعادة الوطن العربي إلى خندق التبعية و الاستبداد والفساد .

إن حرب داحس والغبراء ، حرب القرن الواحد والعشرين الطائفية ، التي تدور في سورية منذ حادثة تلاميذ درعا الصغار في آذار 2011 ، لايمكن النظر إليها بعيداً عن الصورة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تقدمها لنا المخططات السوسيولوجية الثلاثة  ( أنظر الصفحة  4 )  ، حيث تمثل إحدى الأقليات ــ حسب رؤيتنا ــ  العمود الفقري للنظام ، بينما يتكون مايكسو هذا العمود الفقري من بقية الملل والنحل (بالإذن من الشهرستاني ) ، أما المعارضة ، فتتكون بدورها من عمود فقري هم العرب السنة ( الأكثرية ) ، بينما يتكون مايكسو هذا العمود الفقري بدوره من بقية الملل والنحل .

إن دعم الغرب  لهذا النظام أو ذاك ، في الوطن العربي أو في سواه ، لايمكن أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى ، ولابد أن نتوقف ــ كمعنيين ــ ليس فقط  عند ظاهر أقوالهم وأفعالهم ، وإنما أيضاً عند خلفيات وعند المرامي الحقيقية والبعيدة وربما المسكوت عنها  لهذه الأقوال والأفعال .

إن وضع سلاح بشار الأسد الكيماوي ، وبضع جمل معسولة يطلقها هذا الحاكم الغربي أو ذاك ، في كفة ،  مقابل وضع تدمير سوريا بشراً وحجراً وشجراً و ثروة طبيعية وحيوانية ، والقضاء شبه التام على مستقبل أجيالها الفكري والثقافي ، بل وقتل أكثر من عشرة آلاف طفل ، ذبحاً بسكاكين المطابخ ،او تعذيباً حتى الموت ، أو بغاز السارين ، أوبتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم ، أو...، في الكفة الأخرى ،  إنما هو نوع من  الكوميديا السوداء ، المضحكة المبكية ، التي لابد لإخوتنا الديموقراطيين(!) في الغرب ، أن يعذرونا على رفضها ، وعلى قرارنا المستقل ، بأن علينا أن نقتلع الشوك من أجسمنا بأيدينا نحن ، وليس بأيديهم هم .

6. يمثل المخطط الثالث (ص 4) تحليلاً سوسيولوجيا لمقولة " لاتوجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة

وإنما مصالح دائمة " . ويبين تحليلنا للعلاقة السباعية  ( المخطط الثالث ) بين أطراف هذه المقولة ، والتي تنطبق عملياً على كافة العلاقات السياسية والاجتماعية داخل  وبين  كافة الشعوب والأمم ، إلى مسألتين أساسيتين ، الأولى ، أنه لايوجد أسياد دائمين دائمين  ولا عبيد دائمين ، وإنما أبواب مفتوحة ، وحراك     إ جتماعي متواصل ، يمكن أن يصبح معه عدو اليوم صديق الغد ، وصديق اليوم عدو الغد ، وهو مايصب بصورة مباشرة ( غير مباشرة ) في طاحونة جدلية السيد والعبد الهيجلية . ( أنظر المخطط الثالث ص4 ) .

التركيب الاجتماعي والعلاقة الجدلية بين البلدان المتطورة والوطن العربي

                    المخطط الأول                                المخطط الثاني

      

           المخطط الثالث