معركة المية ومية

حركة "أنصار الله" الفلسطينية، بين الحين والآخر، تعمل إلى الضرب بيد من حديد ونار لتثبيت موقعها في مخيم المية ومية حيث لا تقبل بأن تشاركها أيّ قوة بالنفوذ والسيطرة فيه . آخر الضربا ، حين ارتأى مسؤول الجماعة المدعو جمال سليمان الرد بالقذائف على إشكال تعرض له أحد عناصره في المخيم. العنصر تعرّض للضرب على يد عنصر من حركة فتح في المخيم واخذوا منه مسدسه. فعل كهذا لا يمر بهدوء عند سليمان، لا سيما إن تعلق الأمر ب" حركة فتح " ، في ظل تراكم الخلافات بينهما في الأشهر الأخيرة ، فقد قامت قوة من «أنصار الله» بالهجوم على مركز لـ«فتح» في المية ومية بإطلاق الرصاص والسيطرة عليه واستهداف العناصر المتمركزين فيه، ما أدى إلى جرح عدد من الفتحاويين. الهجوم استدعى رداً من فتح وقوات الأمن الوطني الفلسطيني المنتشرة في أرجاء المخيم. سبع  ساعات ونصف من تبادل إطلاق الرصاص والقذائف بشكل عنيف حتى تطاير الرصاص الطائش والقذائف الصاروخية في محيط المية ومية وصولاً إلى أجواء عين الحلوة وسيروب وصيدا والغازية ومغدوشة وبلدة المية ومية وبلدة حارة صيدا وبنتيجة الاشتباكات، سجل وقوع عدد من الجرحى، غالبيتهم من قوات الأمن الوطني، و احتراق عدد من المنازل وتضررها بشكل كبير جدا . كذلك سُجّلت حالة نزوح لعدد من العائلات الى خارج المخيم منهم عائلات لعناصر فتحوية خوفا من هجومات انتقامية لعناصر جمال سليمان عليهم في ظل ضعف قيادة وتجهيزات فتح هناك ومسؤوليها المعنيين مباشرة عن الامن الوطني .

   خلال الاشتباكات نشطت الاتصالات على خط قيادة فتح من جهة وسليمان من جهة أخرى لتثبيت وقف إطلاق النار وسحب المسلحين من الشوارع. وعمل على خط التهدئة كلّ من ضباط الجيش اللبناني والشيخ ماهر حمود وحزب الله وحركة أمل والتنظيم الناصري وتيار المستقبل وعلى رأسه النائب بهية الحريري . وتم عقد لقاء موسع لممثلي الفصائل الفلسطينية كافة و من بينهم فتح وأنصار الله في مكتب حمود في صيدا، إضافة إلى اجتماع آخر استضافته حركة حماس في مقرها في المية ومية، وآخر في عين الحلوة. الاتصالات واللقاءات أثمرت وقفاً أوّلياً لإطلاق النار حوالى الساعة التاسعة ليلاً، رعته حماس ووقعه من فتح مسؤول الكشافة خالد عوض الذي كان اقليم لبنان عينه قائدا للامن الوطني في مخيم اليمة ومية ظنا منهم انه سيعمل على ترتيب وضع المسلحين الفتحويين كأنهم كشافة او متطوعين جدد وهذا ما اضعف من جاهزية حركة فتح في القتال .ولا يتوانى جمال سليمان عن التصويب على فتح كلما حاولت المس بمنطقة نفوذه في المية ومية، رافضاً التدخل فيها، حتى عن طريق نشر القوة الأمنية المشتركة.

   المخيم لا يتجاوز طوله 700 متراً وعرضه 600 مترا، ولطالما تميز بالأمان مع وجود الجيش اللبناني وسيطرته على مدخليه وإبقاء الوضع مضبوطاً. سكانه من العائلات تجمعها أواصر القرابة والنسب ، غالبيتهم مسالمون ومتآلفون يعيشون في بيئة هادئة ولديهم علاقات جيدة مع أهالي بلدة "المية ومية". ولم تشهد بيئة المخيم ما يعكرها حتى اخترقها جمال سليمان وتنظيمه "أنصار الله" مخرباً استقراره وزارعاً الخوف بين سكانه".

   خلال المعركة "قوات "فتح" وصلت إلى المبنى الذي يقيم فيه جمال سليمان . وأصبح ساقطاً عسكرياً ، ما دفع "حزب الله" وحركة "حماس" للتدخل سريعاً حتى يتوقف إطلاق النار". زار وفد من "فتح" رئيس "اتحاد العلماء المسلمين " الشيخ ماهر حمود ، وأطلعه على حقيقة ما يجري وكشف له أن "حماس" و"الجهاد الإسلامي" أعطياه معلومات غير صحيحة عن مجريات الأحداث في المخيم. عندها وعد بإجراء اتصالات على أعلى المستويات مع الحزب.

   وفد "فتح" أعطى أدلة أن سليمان الذي يموله "حزب الله" ويوفر له السلاح والعتاد، يمول بدوره "دواعش" في عين الحلوة ويمدهم بالسلاح والمال والعتاد. وهذا ما جرى مع الوفد حين سأل من التقاهم في الحزب: إذا كنتم تقاتلون الدواعش في سوريا، كيف تدعمون من يمولهم في لبنان؟ مما أُحرج الحزب وتعهد أن ينهي الحالة بإخراج سليمان من "المية ومية" وإنهاء وضع "أنصار الله" ليقتصر وجودهم على مخيم عين الحلوة .

   جمال سليمان حين الهدنة الاولى بقي في المخيم. وعلِمنا أن سلاحاً وصل إليه بعد وقف إطلاق النار، كما أن منازل عناصر ومسؤولين في حركة "حماس" في "المية ومية" أخليت وتمترس فيها مقاتلون من الحركة ، وشاركوا إلى جانب سليمان في المعركة ضد قوات الامن الوطني و «"فتح" بشكل عام ، أربعة منهم حوصروا واعتقلوا وسلموا إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية ، أحدهم مرافق قيادي في حماس".

   اضافة الى ذلك ، منذ البداية، كان هدف الأمين العام للتنظيم جمال سليمان هو السيطرة على المخيم، وفرض نفسه رقماً سياسيا. وهو مدعوم من الفصائل الإسلامية بمواجهة حركة "فتح"، وأصبح أحد المقررين في المخيم. فقد تسبب خلال سنة ونصف باشتباكات وأضرار على فتح". اي أن القصة لم تبدأ مع الأحداث الأخيرة. فقبل شهرين ألقت شعبة المعلومات القبض على نائب سليمان محمود حمد للاشتباه به في محاولة اغتيال مسؤول المخابرات في سفارة فلسطين " إسماعيل شروف " العام 2017. ويبدو انه متورط في ملفات أمنية خطيرة تكاد توازي ما ارتكبه الوزير السابق ميشال سماحة، وهو يعمل بالتنسيق مع علي المملوك الذي يوصف بالعقل المدبر لـ(أنصار الله ) .

   اخيرا حصل اتفاقا فلسطينيا برعاية أمنية لبنانية، من أجل بقاء الوضع السياسي والأمني في مخيم المية ومية على ما هو عليه دون أي تغيير او تعديل ميداني في هذه المرحلة على الاقل، بعدما أسدلت الستارة على نتائج الاشتباكات العسكريّة التي حصلت بين حركة فتح" و"انصار الله"، وأدت الى سقوط أربعة قتلى كلهم من فتح وأكثر من ثلاثين جريحا، والى اخراج أمين عام "انصار الله" جمال سليمان وعائلته ومرافقيه مع الحفاظ على بقاء وجود حركته داخل مربعه الامني عند الطرف الشرقي للمخيم بقيادة نائبه ماهر عويد.( وهو خاله بنفس الوقت ).

   جرت محاولة لتغيير الواقع الميداني في المخيم كإستثمار لنتائج الاشتباكات الأخيرة وقد أدت الى توتر ملحوظ وكادت تقع مشكلة، تمثلت بتموضع حركة "فتح" في مبنى "أحمد الرشيد" المؤلف من عدة طبقات وفيه مقر مستوصف كان يستخدمه "الهلال الاحمر الفلسطيني" المقفل منذ عدة سنوات  ، الا ان حركة "حماس" اعترضت على هذا التموضع لسببين، الأول ان احد كوادرها يقطن في الطابق الاول ما قد يؤدي الى احتكاك دائم، والثاني لانه بات في مربعها الأمني.علما ان احمد الرشيد كان قد قتل في مجزرة ارتكبها اتباع جمال سليمان وادت الى مقتل 8 وجرح اكثر من عشرة من المخيم ،علما ايضا ان احمد رشيد كان "عضو شعبة المية و مية " في "حركة فتح " ولم تحرك فتح اي ساكن بعد مقتله .

   اضيف لكم ، أن اللافت في هذا التموضع انه جاء خلال الاجتماع مع الثنائي الذي عقد بين القيادتين السياسية لحركتي "فتح" برئاسة أمين سرها في لبنان فتحي ابو العرداـت و"حماس" برئاسة المسؤول السياسي في لبنان احمد عبد الهادي "ابو ياسر" في مقر "الاتحادات" الفلسطينية في صيدا ، فطلبت فتح استمهالها بعض الوقت لمراجعة المستوى العسكري لهذه الخطوة، وانفض الاجتماع على وعود دون ان يعاد سحب العناصر التي تموضعت في المبنى.وكانت فتح عينت خالد عوض ، مسؤول الكشافة في حركة فتح في لبنان ، قائدا للامن الوطني وهذا كان خطآ فظيعا ان يتم تعيين مسؤول كشافة بموقع قائد امن وطني وهو لا يفقه من العسكر شيئا الا انه كان يعمل بالتسليح ايام حرب مخيمات بيروت .

   ان التوتر بلغ ذروته ليلا مع اصرار حركة فتح" على التموضع على اعتباره أنه حق لها بعدما استأجرت طابقا في المبنى وعلى اعتبار ان مقر الهلال يتبع لها، فيما اصرت "حماس" على رفض الامر واعتباره محاولة لتغيير الواقع الميداني ما يفتح الباب على توترات متنقلة خلافا للجهود السياسية المبذولة للتهدئة وعودة الحياة الى طبيعتها في المخيم بعد الاشتباكات الاخيرة.

   وقد أجرت قيادة "حماس" سلسلة من الاتصالات على أعلى المستويات، مع القوى والأحزاب اللبنانية السياسية والأمنية، انتهت بعقد اجتماع ثنائي في ثكنة محمد زغيب في صيدا، بين وفد من حركة "فتح" برئاسة ابو العردات، ووفد من حركة "حماس" برئاسة عبد الهادي، خلص بعد وقت طويل وشرح مستفيض الى اتفاق على ان يبقى الوضع على ما هو عليه دون أي تغيير أو تبديل، بحيث تبقى "المربعات الامنية" لكل طرف سياسي كما هي، دون أن يقوم اي طرف بالتموضع في غير مربعه لقطع الطريق على أي توتر أو اشكال في هذه المرحلة ريثما تتضح صورة ما ستؤول اليه الاوضاع مستقبلا وخاصة بعد تشكيل الحكومة اللبنانية، بحيث يتردّد طرحان متلازمان، الأول: رغبة لبنانية ذات مستوى سياسي عالٍ لاستعادة ممتلكات اللبناييين داخل مخيّم المية وميّة، وهي تقريبا ثلث المخيم ، والثاني: البحث في آلية جديّة لتنظيم السلاح الفلسطيني داخل المخيم قد يصل الى حد التوافق على سحبه.حيث انه تم رعاية وقف للنار اول مرة برعاية حماس ووقع طرفا القتال على وثيقة مكتوبة يدويا و وقعها خالد عوض عن " فتح " .

   علما ايضا انه يتحكم بمعادلة المخيم السياسية والأمنية ثلاثة فصائل فلسطينية بشكل رئيسي، هي حركة "فتح" وحركة "حماس" و"انصار الله"، وكانت تتشارك في اتخاذ القرارات عبر قوة امنية مشتركة جرى حلها مؤخرا، وقد جاءت الاشتباكات الاخيرة لتوقيف تقدّم حركة "فتح" الميداني باتّجاه المربع الامني لسليمان، بالمقابل ضعفت حركة "أنصار الله" دون الغائها بالمطلق، فيما حافظت "حماس" على حضورها كما هو. ،وظهرت بمظهر الساعي الى الخير وكأنها قوات " امم متحدة " تفصل بين متنازعين اثنين هما فتح وانصار الله ، رغم ان هناك فرقا كبيرا بين قوى التنظيمين اي ان انصار الله كقوة لم يكونوا اكثر من ثلاثين شخصا كحد اقصى بمن فيهم ابناء جمال سليمان واصهرته و انسبائه وبقية عناصر مدربة تدريبا جيدا ، في حين خالد عوض معه عشرات العسكر المسلحين وغير مدربين ويتفاخر انه تم تدريب بعضا منهم خلال دورات سابقة .

حجم الاضرار في المخيم تبين ان نحو 20 منزلا قد تضرروا بالكامل، و58 منزلا بحاجة الى ترميم شبه كلي أو جزئي، ونحو 55  بحاجة الى صيانة نتيجة اضرار لحقت بالمنازل في النوافذ وخزانات المياة والابواب والزجاج وسواها، واكثر من 30 سيارة ورانج روفر وحافلات اخرى  قد تضررت، اضافة الى نزوح الكثير من العائلات حيث فضل بعضها البقاء خارج المخيم لمدة شهرين او ثلاثة بمن فيهم عناصر من فتح ،وهذا مؤشر خطير لان مسؤولي فتح خارج المخيم وعناصرها تموت او تجرح لوحدها في المخيم . وهذا ايضا اثر في سير المعركة .

   و بعد جولات متلاحقة من المعارك حصل على مدى اسبوع ، تمنّت «حركة فتح» في جلسة سرية من ثلاثة اشخاص على «حزب الله» إيجاد حل جذري لظاهرة جمال سليمان على قاعدة إخراجه من المخيم، لأنّ بقاءه فيه سيبقي الوضع متوتراً، وقابلاً للانفجار في أي لحظة، وكان الامن الوطني قد اختلف فيما بينه فمنهم منوافق على وقف اطلاق النار ومنهم من رفض ، مما دعى حزب الله الى توجيه تهديد مباشر الى فتح كي توقف اطلاق النار و"""الا...!!!"""،مما دعى الى قيادة حركة فتح تتصل بكل مؤثر على المسلحين و قياداتهم الميدانية ان توقف اطلاق النار ، علما ان مسلحي فتح وقيادات ميدانية طلبت من قيادة فتح ان تمهلها من 30 الى 40 دقيقة وتنهي حالة جمال سليمان عن بكرة ابيها ، فاصرت قيادة فتح ان يتم وقف النار ،وكانت تعليمات من فتح اول جولة ان لا يتم اطلاق النار و ان يتم التراجع عن المواقع التي تم تحريرها من جمال سليمان وجماعته ، اما في الجولة الثانية فقد تم اقالة مسؤول فتح في المية و مية عن مهمته كمسؤول امن وطني في المخيم وتعيين ابو محمد العباسي ، مما جعل العسكر يشدون الهمم بالمسؤول الجديد ويطالبون بمحاسبة خالد عوض ، المسؤول السابق ، ومن تسبب بفقدان شهداء وجرحى وتدمير مواقع فتح التي حاول جمال سليمان وجماعته ان يأخذوها في هجوم معاكس استمر لثمانية ساعات متواصلة ، انتهت على خير بسبب شجاعة و جرأة بعض القادة الميدانيين و العسكر المتمرن من الاساس .

   بعد وقف الناروعد حزب الله  بدراسة الأمر، فيما كان الجهد يتركّز في المرحلة الاولى على تحقيق التهدئة، لكنّ الإشتباكات ما لبثت أن تجدّدت بعد ظهر يوم الجمعة في 26 ت1، على رغم لقاء المصالحة قبل الظهر، فعاود «الحزب» اتصالاته مع طرفيها لتطويق الموقف، في وقت كانت «فتح» تصرّ على إخراج سليمان من المخيم، باعتباره مدخلاً اساسياً نحو استعادة الاستقرار المفقود.

أمّا «الحزب»، فقد أدرك انّ استمرار وجود سليمان في «المية ومية» بات يشكل عبئاً عليه وعلى واقع المخيم والجوار، خصوصاً انّ ملفه الأمني أصبح مثقلاً بـ«حمولة زائدة»، إلّا انّه كان يرفض في الوقت ذاته أي محاولة لتصفية الرجل او اقتلاعه بالقوة من مربّعه الأخير. لقد توصّل «الحزب» الى قناعة بأنّ المعادلة الأنسب تكمن في ضمان حماية المخيم وبقاء فصيل «أنصار الله»، في مقابل ترحيل سليمان.وعليه، تلقت «فتح» وعداً من «حزب الله»، يوم السبت في 27 ت1، بالعمل لإخراج سليمان من المية ومية خلال اسبوع، ولكن ليس تحت النار، طالباً تثبيت الهدوء لترتيب مغادرة الرجل بشكل يحفظ الحد الأدنى من ماء وجهه.وفوراً، باشر «الحزب» في تحضير الأرضية المناسبة لترحيل سليمان من المخيم، وتحدّد موعد إخراجه ليل السبت في 3 تشرين الثاني، لكن عند الاستعداد للتنفيذ على الارض، فوجئ «الحزب» بأنّ عدد الذين سيغادرون معه كبير، في حين انّ التدابير اللوجستية المُتخذة لم تكن تتناسب مع متطلبات هذا العدد، فتقرّر إرجاء مهمة الإجلاء الى وقت آخر.

ومع انقضاء الاسبوع الذي حدّده «الحزب» لإخراج سليمان، من دون نتيجة عملية، تسرّب القلق الى صفوف قيادة «فتح»، التي كانت تخشى من عدم التنفيذ، فتجدّد التوتر الميداني على خط التماس، بالتزامن مع شد الخناق على سليمان ومجموعته، في إطار زيادة جرعات الضغط لدفعه الى الرضوخ.

يوم الاثنين 5 تشرين الثاني ، إجتمع القياديان في «حماس» اسامة حمدان وعلي بركة  مع السفير الفلسطيني لدى لبنان أشرف دبور ومسؤول «فتح» في لبنان فتحي ابو العردات، بعدما كان وفد من «حماس» قد التقى سليمان به في مقرّه " المُحاصر" ، مشدداً امامه على ضرورة إنقاذ المخيم وتقديم التنازلات من اجل مصلحته العليا.

   ايضا خلال الاجتماع مع دبور وابو العردات، أكّد وفد «حماس» على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لاسترجاع الحياة الطبيعية في «المية ومية»، لأنّه «لا يجوز ان نخسر المخيم كما خسرنا في السابق نهر البارد». ودعا الى السماح للمهجّرين الفلسطينيين بالعودة الى منازلهم في المنطقة الواقعة تحت سيطرة "فتح".وفيما اعتبرت «حماس» انّه من الضروري بقاء حركة «انصار الله» في المخيم لانّها جزء من مكوناته، على ان يتولى ماهر عويد قيادتها، رحّبت «فتح» بهذا الطرح، مشيرة الى انّ المهم لديها ان يغادر " جمال سليمان. " ولاحقاً، أبلغت «حماس» الى «حزب الله» حصيلة اللقاء مع «فتح»، فأوضح «الحزب» انّه كان بصدد إنجاز عملية ترحيل سليمان السبت 3 تشرين الثاني ، لكنها تأجّلت لأسباب لوجستية فقط ، إضافة الى انّ ماهرعويد (نائب جمال وخاله ) لم يكن جاهزاً بعد لتسلّم مسؤولياته الجديدة.

   التقى ابو العردات وبركة مرّة أخرى في جلسة جانبية، على هامش مشاركتهما في ندوة في مطعم "الساحة" على طريق المطار، مقابل مسجد الرسوال الاعظم حيث جرى تثبيت ما تفاهما عليه قبل يومين من اللقاء ، وقرّرا استئناف التواصل بينهما ليلاً لمتابعة آخر التطورات.في هذا الوقت، تجدّد الاتصال بين «حماس» و»الحزب» الذي اكّد مضيه في تنفيذ قرار ترحيل سليمان، مرجحاً إتمام الامر خلال ساعات، فنقلت «حماس» ما تبلّغته الى «فتح» التي " تمنت "خانعة وبكل أسف على وجوب إنهاء هذه المسألة، فأتاها الرد: نحن واثقون مئة بالمئة في انّ سليمان سيخرج قريباً جداً، وهذا ما جزم به الحزب.

   دخل موكب سيارات الى المربّع الذي يضمّ الأمين العام لـ«أنصار الله»، آتياً من جهة بلدة المية ومية، حيث تمّ نقل سليمان ونحو 20 شخصاً، من بينهم زوجاته الثلاث وأولاده ومرافقيه الى مكان آمن في محيط بيروت كمحطة اولى، على ان يغادر لاحقاً الى سوريا حيث تبيّن انّه يملك منزلاً ومزرعة.وقد تولّى الموكب ذاته إدخال ماهر عويد، وهو ابن شقيقة سليمان، الى المخيم حيث تسلّم رسمياً مقرّ قيادة «أنصار الله»، علماً انّه سبق ساعة الصفر، إجتماع بين موفد من قيادة «حزب الله» ومسؤولين أمنيين لبنانيين في صيدا، إيذاناً ببدء العد العكسي لعملية إخراج سليمان.

المعيب أن الاشتباكات التي بدأت تحصل في السنوات الأخيرة وتتجدد من حين إلى آخر، خصوصاً بين عناصر " الأمن الوطني "التابعة ل"حركة فتح" وبين عناصر "تنظيم أنصار الله" الذي يتزعمه جمال سليمان داخل مخيم المية ومية، لم ينجم عنها سوى القتل والدمار. وظلت موازين القوى بين الطرفين كما كانت عليه سابقاً، ما يبقي الباب مفتوحاً أمام تجدّد هذه الاشتباكات لاحقاً، الأمر الذي دفع بعض القوى والفاعليات السياسية لبحث مسألة وضع الميخم تحت سيطرة الجيش اللبناني بعد تسليم كل السلاح الموجود بكثافة لدى الفصائل والتنظيمات الفلسطينية. وهذا الأمر أصبح مطلباً ملحاً لسكان المخيم وأيضا لأهالي وأبناء بلدة المية ومية وبعض القرى المجاورة.

    و بعد اول جولة من الاشتباكات ووجه راعي أبرشية صيدا للروم الكاثوليك المطران إيلي الحداد نداء عاجلاً إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ناشده فيه اتخاذ التدابير الوقائية الضرورية لحماية المواطنين العزّل واعتبار الخط الأحمر هو المواطن وكرامته فقط. وقال الحداد تعقيباً على ما جرى في مخيم المية ومية "لم يفاجئنا ما يحدث. وليست المرة الأولى التي يتقاتل فيها الأخوة الفلسطينيون. بل نتفاجأ كل مرة من تعرض بيوت قرانا، لاسيما بلدة المية ومية، للخطر الناتج عن تقاتل الأخوة واستهدافها بقذائف متوسطة في الجو والرصاص المباشر، وعدم تدخل الدولة ولا سيما مؤسساتها العسكرية والأمنية لحماية المواطنين. ومن يتحمل المسؤولية إذا ما تعرض أبناؤنا للأذية؟ من غير المسموح أن يتقاتل الأخوة، لكن من غير المسموح أكثر أن تغيب الدولة عن هذا الصراع القاتل للجميع وكأنها شاهد أخرس، ويذكرنا ذلك بحقبة السبعينيات حيث غابت صورة وقوة الدولة، وهذا ما لا نتمناه، ناهيك عن أن أهل المنطقة قد تهجّروا وعانوا الأمرّين من العنف الماضي، فما بال المسوؤلين اليوم لا يستذكرون محاولة تهجيرهم مرة أخرى إن بقضم أراضيهم أو بالعنف المسلح؟.هذا لعلمكم ايضا انه قد اطلقت خلال الجولتين اكثر من 300 قذيفة بين ار بي جي ومدفع هاون واستعملت رشاشات ثقيلة بين بي كي سي وغيرها ، داخل وخارج المخيم ، توزعت فوق مدينتي صيدا والغازية وقرى ضواحي صيدا وجوارها ومخيم عين الحلوة ايضا.وعطلت معظم مدارس صيدا وحوارها لعدة ايام بسبب الاوضاع الامنية بالمخيم .

وسوم: العدد 1069