لا تدانوهم وانبذوا إليهم جميعا على سواء

ولا يجوز التعاطي بأي شكل من الأشكال الايجابية مع القوى الصهيونية والروسية والأمريكية والإيرانية بكل زعانفها المحتلة للأرض السورية..

وهذه فتوى وطنية سياسية، وأنا لا أفتي في أمر الدين من حل وحرمة؛وإنما أتكلم باسم المصلحة الوطنية.

بالأمس انهدت بناية كاملة في حمص العدية، قصفت فهدت على رؤوس ساكنيها، لأن مالكها أجر بعض شققها لبعض هؤلاء المحتلين المريبين. وكانت المصيبة بحق الساكنين من المواطنين السوريين الأبرياء.

من حق أهلنا الأبرياء، الذين قضوا في هذا القصف، وقد بلغوا العشرة، أن نترحم علبهم، وأن نحتسبهم عند الله شهداء. اللهم اغفر وارحم واجبر المصاب، وأجمل العزاء.

ومن واجبنا أن نذكر كلَّ أبناء وطننا الصادقين المخلصين، أن كل أشكال التعامل مع قوى الاحتلال، بهيئاته وأفراده يدخل في دائرة المحظور الوطني. لا نبتسم في وجوههم، لا نسلم علبهم، ولا نرد عليهم إذا سلموا، لا نقاربهم ولا ندانيهم، لا نؤاجرهم ولا نبايعهم ولا نشاريهم، ولو رغيف خبز..

وأحب أن أذكر كل أبناء شعبنا أنه على مثل هذه الفتوى، فاصل شيخ الإسلام العز بن عبد السلام صاحب دمشق الملك الصالح. فقد عقد الأخير صلحه مع الصليبيين، وسمح لهم بموجب الصلح أن يدخلوا دمشق، وأن يمتاروا منها، وأن يبيعوا ويشتروا، ويصلحوا نعالهم وسلاحهم..

وصعد الشيخ منبر الأموي، ورد كلام ولي الأمر، وما أجمل الشيخ عندما يكون ولي "ولي الأمر" ولا تصدقوا الخوارين الكذابين، فقد استقر رأي الأكثرين من المفسرين، أن المراد بقوله تعالى (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) العلماء. وأن دلالة الآية أن يطيع الحاكمُ الشيخَ العالمَ وليس العكس. وكل من قلب فقلبه مقلوب، ورأسه منكوس (ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ)

الشيخ ابن عبد السلام غضب، وأعلن غضبه على الناس فأطاعه الناس، وغضب الملك الصالح، ووصفه بالصالح من الإثم والإفك، فأمر بسجن الشيخ فسجن، ثم أرسل إليه يغريه، فأبى سلطان العلماء..كل إغراء، وأن يهادن بما أوصينا بمثله اليوم. لا تصلحوا لهم شسع نعل انقطع…

وبعد مفاوضات مع وزير السلطان لم يسحب الشيخ فتواه، وتمسك بها، وغادر دمشق إلى مصر، ليببع المماليك الملوك في المزاد، ليمول المعركة مع التتار، ويكون النصر المؤزر ببركة الشيخ في عين جالوت.. التي ما زلنا نتمدح ونتفاءل بنصرها.

أحكي لكم كل هذه الحكاية أيها السوريون جميعا في الداخل والخارج، لأبين لكم أنني لا أدعوكم أن تطيعوني؛ وإنما أطيعوا سلطانكم شيخكم العز لا: لا تبتسموا في وجه محتل وأخطرهم الصفوي الحاقد اللئيم، لا تسلموا عليه، لا تبيعوه ولو رغيف خبز، لا تدانوه، انبذوه وانبذوا كل أمره على سواء. ورضي الله عن علمائنا السلاطين، الذين علمونا، وقدموا لنا المثل من قلب التاريخ؛ وإلى مثل عين جالوت نغدو بإذن الله..

رحم الله الصالحين الذين غدروا أمسِ في حمص. ولعنة الله على الراشي والمرتشي والرائش بينهما؛ على القاصف والمقصوف والكامخ الذي بينهما..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1069