الانقلاب على الصعيدين الاجتماعي والإنساني

الموضوع جزء من مسودة كتاب لي تحت عنوان

"مصر المفترق الأخطر في التاريخ المعاصر"

تحسين أبو عاصي

– غزة فلسطين –

[email protected]

للوضع الاجتماعي والسياسي علاقة وطيدة ومتداخلة بالوضع السياسي والأمني في مصر ، فقد تجلت العنصرية الوحشية بأكمل تجلياتها ، حيث فصل الانقلابيون الإخوان من اتحاد طلاب مصر، ومن كليات الشرطة والحربية واعتقلوهم من الجامعات والمدارس ، وأرعبوا الأطفال .

وحرموهم من الوظائف ، واعتدوا على الآمنين في البيوت وروعوا الأطفال والنساء ،  وفي قرية دلجا لوحدها على سبيل المثال لا الحصر ، منعوا الدقيق عن كافة مخابزها أثناء حصارها ، وحطموا أثاث منازلها ، وحاول الانقلابيون أن يشعلوا الفتنة الطائفية فيها ، عندما نشروا شائعات عن طريق إعلامهم المأجور ، بان المسلمين يقومون بطرد الأقباط من القرية وحرق مساكنهم ، وشاهدنا من خلال الفيديوهات المسربة كيف ينفي أقباط دلجا ما ردده التلفزيون المصري والجيش ، حول تلك الإشاعات التي تهدف إلى تمزيق المجتمع المصري وهم يقولون : المسلمون إخواننا نأكل ونشرب معهم ، بل يدافعون عنا وعن كنائسنا وممتلكاتنا ، كما حطم الجيش المصري أبواب ونوافذ وأثاث البيوت التي اقتحموها هناك ، وأمست اللحية علامة خطر في عهد الانقلابيين ، وكذلك المساجد من خلال ما يجري فيها الآن من إغلاق ، وفصل للدعاة والعلماء ، وتعيينات جديدة لأذنابهم ومخبريهم ، ومنع الحديث بالسياسة أو بالشأن المصري العام ، أو بأي شيء يتعلق بمعاناة المصريين ، وفق أهواء بابا الأزهر ، واشتدت حدة المشكلات والأزمات التي يعاني منها المواطن المصري بعد 30 يونيو ، والمتمثلة في غلاء الأسعار ، وانقطاع التيار الكهربائي ، وتفشي الجريمة ، وتنامي ظاهرة البلطجة بأكثر حدة وتفاقم ، واستمرار عمليات إذلال المواطن المصري الكريم ، وسط صمت إعلامي أو حديث علي استحياء .

وأثاروا الحقد عندما قتلوا وجرحوا واعتقلوا عشرات الألوف ، والويل لصاحب لحية أو امرأة عفيفة منقبة من بلطجيتهم ،  كما شاهدنا من خلال وسائل الإعلام ، وانقسم  المجتمع المصري عموديا وأفقيا ، وهو اليوم وفقا لكثير من المؤشرات كالنار من تحت الرماد ، ويتجسد الانقسام المجتمعي قي كثير من الصور ، والتي باتت لا تخفى على احد ، حتى عاش الشعب المصري اليوم وبسبب الانقلاب الدموي ، وضخه الإعلامي الكاذب ، أسوأ أوضاعه الاجتماعية ، فالنقاش الحاد في كل بيت ، وفي كل مؤسسة حكومية ، وفي وسائل المواصلات ، وفي المحال التجارية ، والطرقات ، وبين زملاء العمل والأصدقاء ، ورواد المساجد ، حتى بين الرجل وزوجته ، والأخ وأخيه ،  والمرأة وأمها أو أبيها .. خلاف أدى إلى نزاعات اجتماعية بعضها كان داميا ، وقد وصل الأمر إلى درجة الطلاق وتشتيت الأسر والكيد والضرب ، كل ذلك كان نتيجة للوضع السياسي المصري ، والذي ربما يستمر لسنوات طويلة قادمة لا سمح الله ، وهناك أحداث قتل لعشرات المواطنين إثر مشاجرات بينهم ، ولعل ما حدث بمنطقة الموسكى مؤخرا يدل على ذلك ، وكذلكاحتجاج سائقي سيارات الأجرة بطنطا ؛ بسبب الانفلات الأمني ، وانتشار الجريمة ، فضلا عن نهب المحلات التجارية ، والاعتداءات على الممتلكات ، وهو ما تعرضت له محلات التوحيد والنور بالجيزة ، ومحلات مؤمن من قبل ، وقطع الكهرباء لا يزال  أكثر حدة في مناطق محافظة الدقهلية والقاهرة ، والإسكندرية والشرقية وأسيوط ، ومنوفية والفيوم ، وكبت الحريات وإلغاء الآخر ، وتجريمه بسبب موقفه ورأيه ، حتى لم يسلم من ذلك فلاحا مصريا كتب اسم السيسي على حماره ، الأمر الذي يثير الضحك والسخرية من عقلية هؤلاء القتلة ، فالحقد الأعمى هو نقيض للوطنية ، وينتهك الكرامة الإنسانية ، ويهدر حقوق الإنسان وآدمية البشر  .

أليس من السخافة والهوس أن يتم الاعتداء على كل من يضع شارة رابعة على صدره أو في حقيبته ، أو يحملها بيده ، كما حدث في كثير من محافظات ومدن وقرى مصر على أيدي الجيش ورجال الأمن ، وبماذا نفسر هجوم المصريين على إخوانهم بالسلاح الأبيض والعصي ، وكأنهم قطعان هائجة من الوحوش التي تحاول افتراس فريستها ، بعيدا عن أي قيمة أخلاقية تمت للانسانسية بصلة .. فإلى أين يقبل المجتمع المصري الآن ، وقد دقت كل تلك المظاهر ناقوس الخطر الذي يجب أن يشعر به عقلاء وأحرار مصر ؟ .

على أحد الحواجز الأمنية ، أجبر الأشاوس من رجال الأمن أحد أعضاء حزب العمل على حلق لحيته بأسلوب همجي استفزازي وقح ، أليس من الحقارة بهؤلاء إيقاف الناس على الحواجز على أساي اللحية والنقاب ؟ . وعندما يسمع تلاميذ المدارس في طابور الصباح أغنية تسلم الأيادي – في أول أيام العام الدراسي - ، وعندما تطلق الشرطة الغاز على الطلاب وتضربهم بالعصي وتطلق النار، ألا يعمق ذلك الانقسام في المجتمع المصري ؟  فهم بذلك كمن يريد أن يطفئ النار بالقار فيزيدها اشتعالا ؛ ليجسدوا بذلك مزيدا من الغباء ، من بعد أن بات واضحا أن القبضة الأمنية لن تؤدي إلا لانهيار اقتصاد مصر ، ومزيدا من الانقسام المجتمعي ، والعزلة السياسية الدولية ، فعقلية العمى لا يمكن أن تقود تسعين مليون نسمة بالحديد والنار.

المجتمع المصري اليوم منقسم إلى قسمين ، فإما مع الانقلاب الدموي، أو رفضه ، والنتيجة أن يتعرض المواطن للقتل والاعتقال ، وتحطيم أثاث المنزل ، أو التعذيب ، أو خطف الزوجة والأبناء ، أو الأم والأب ، أو سرقة ذهب الزوجة وأموال البيت ، أو تحطيم محتويات البيت ، وتجريف المزرعة ، وقتل الماشية ، وهدم المنزل  ، سطحية وعَمى بصيرة وبصر ، لأولئك الذين يدَّعون أن الرافضين للانقلاب هم إخوان ، وهم اليوم جبهة وطنية موحدة وعريضة ، مهما حاول العُمي تبسيط وتسطيح الأمور ، يشترك بكل الجبهة جميع شرائح الشعب المصري وقواه السياسية ، باستثناء أولئك المنتفعين الذين يخشون على امتيازاتهم ويعتقدون أن المقاصل بانتظارهم ، من أجل ذلك هم يقولون وقد سمعنا ذلك من بعضهم : أن الموت ينتظرهم في حالة الفشل ، بل لسان الحال ربما يكون أبلغ من لسان المقال ، عندما يُترجم على أرض الواقع بوحشية لا تضاهيها في العصر الحديث إلا وحشية البوذيين ضد المسلمين في بورما . "وبكره تشوفوا مصر"  .

أكد الناشط الحقوقي هيثم ابو خليل - مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، أن هناك تهديدات بقطع المياه والكهرباء عن المعتقلين الرافضين للانقلاب ، وأوضح أبو خليل أن هذا الكلام  جاء من خلال رسالة نقلها عن ابن أحد المعتقلين ، أنهم يتعرضون إلى تهديدات ، وإهانات ، وتعذيب ، وتفتيش السيدات تفتيشا مهينا ، مشيرا إلى انه يوجد مع والده بعض كبار السن الذين أصيبوا بأمراض البواسير؛ بسبب صعوبة دخول الحمام ، وكشف عبد الرحمن في رسالته ، أن قوات أمن الانقلابيين  يرفضون دخول الفيتامينات والأدوية الخاصة بالمرضى.

وأشار "مركز بصيرة" في دراسته الأخيرة ، واستطلاع الرأي الذي قام به ، والذي جاء فيه : إن 73% من المصريين لا يشعرون بالأمان ، ولا تختلف النسبة بصورة واضحة بين الحضر والريف، حيث تبلغ النسبة في الحضر 71%،مقارنةً بحوالي 74% في الريف. كما تبلغ النسبة 71% في الوجه البحري ، وترتفع إلى 74% فى المحافظات الحضرية، و75% فى الوجه القبلي ،  وتظهر النتائج أن الشباب أقل شعورا بالأمان ، مقارنةً بكبار السن ، حيث تبلغ نسبة الذين لا يشعرون بالأمان 78% بين الشباب فى الفئة العمرية (18-29) سنة، مقابل 64% بين المصريين ، فى العمر 50 سنة فأعلى . وتم إجراء هذا الاستطلاع بعد عدة أيام من إعلان حظر التجوال ، ابتداءً من الساعة السابعة مساءً ، ولذلك اهتم المركز بسؤال المستجوبين ، عما إذا كانت دخولهم قد تأثرت نتيجة حظر التجوال ، وقد ذكر 46% من المستجوبين أن دخلهم تأثر نتيجة حظر التجوال ، وترتفع هذه النسبة من 44% فى الريف إلى 50% في الحضر ، كما يظهر من النتائج أن المحافظات الحضرية هى الأكثر تأثرا بالحظر ، حيث تبلغ نسبة الذين ذكروا أن دخولهم تأثرت بالحظر 53% ، مقابل 47% ، في الوجه القبلي ، و43% في الوجه البحري . وتم توجيه سؤال للمستجوبين حول أحوالهم المعيشية الآن ، مقارنةً بالسنة الماضية نصه "مقارنة بالسنة اللى فاتت هل أحوالك المعيشية الآن أفضل ولا زى ما هي ولا أسوأ؟"، وتشير النتائج إلى أن 10% فقط من المصريين ، يرون أن أحوالهم المعيشية أفضل ، فى مقابل 62% يرون أنها أسوأ ، و27% يرون أنها لم تتغير، و1% فقط أجابوا بأنهم لا يستطيعون الحكم ، وترتفع نسبة الذين يرون أن أحوالهم المعيشية أسوأ من 59% في الحضر، إلى 64% فى الريف . وأوضح المركز أن الاستطلاع الذي أجرى باستخدام الهاتف المنزلي والهاتف المحمول ، على عينة احتمالية حجمها 1395مواطنا ، في الفئة العمرية 18 سنة فأكثر ، غطت كل محافظات الجمهورية ، وتمت كل المقابلات فى الفترة من 19 إلى 21 أغسطس 2013. وبلغت نسبة الاستجابة حوالى 73%، ويقل هامش الخطأ فى النتائج عن 3%. . "وبكره تشوفوا مصر"  .

يتبع بإذن الله