سوارا كسرى وتاجه

عزة مختار

[email protected]

" كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى وتاجه " .

في دار الندوة ، تلك الدار التي طالما رد فيها حق الغريب والمظلوم والضعيف  ، وأديرت بها الأمور الكبيرة التي تهم مستقبل البلدة التي  يؤمها  القريب والبعيد للتجارة والتعبد .

اجتمع بتلك الدار هذه الليلة صناديد الكفر ، وقادة القبائل ، ورؤوس الفساد ، وعبيد الشهوات ، اجتمعوا كي يقرروا أمرا

إنهم ما عاد لهم طاقة بقبول صاحب هذا الدين الجديد وأصحابه ، لم يعد في جعبتهم صبرا علي تحمل وجوده بينهم

يجب وضع خطة قوية هذه المرة

خطة تخلصهم ليس من أصحابه الذين هاجر منهم الكثيرين إلي الحبشة تاركين خلفهم أرضهم وديارهم وأهلهم وصحبتهم ، وإنما من صاحب الرسالة ذاتها.

 وقد توهموا زيفا أن الرسالات بموت أصحابها تموت

قرروا في ليلة الغدر قتله

واجتمع من كل قبيلة رجل

من أقوي فتيانها

كي يضيع دمه بين القبائل

من المسئول عن الدماء ؟ ومن المسئول عن الخيانة ؟ ومن المسئول عن  الحقوق المهدرة ؟ لا احد ، اقتلوا ولن يسائلكم أحد ، فانتم فوق المساءلة ، وأنتم فوق القوانين

أقتلوا رجلا صاحب رسالة في ليلة مؤامرة شهد عليها الشيطان

اقتلوا أصحاب الأخدود لترجعوهم عن الحق

اقتلوا  موسي وقومه فقد أراد أن يبدل دينكم

اقتلوا السحرة التائبين حتى لا يكونوا فتنة لغيرهم

اقتلوهم في الحرس الجمهوري والمنصة

اقتلوهم في رابعة والنهضة وسيارة الترحيلات

لا فرق

لا مساءلة

يجتمعون ، لكنهم ببعض أخلاق الرجال ما زالوا يتمسكون

لم يقدروا علي انتهاك حرمة البيت فلينتظروا حتى يأتي الصباح

الصباح الذي انتظروه وأتي بقول غير قولهم

وبإرادة غير إرادتهم

إنها كلمة الله عز وجل

تلك الكلمة التي تأتي بقدر وبحكمة وبتوقيت يعلمه سبحانه في صالح ليس الجماعة المؤمنة فقط ، وإنما في صالح البشرية جميعا

يأتي الصباح بأمل جديد ويوم خير جديد علي البشرية رغم شدته وألمه

إنها الهجرة

مفارقة الوطن والأحبة والبيت والذكريات والأهل

الهجرة القسرية

كالخطف القسري

يقف فيها الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم ليلقي نظرة علي الوطن الغالي " والله إنك لأحب بلاد الله  إلي الله ، ولولا أن اهلك أخرجوني منك ما خرجت "

لكن الدافع أكبر

والغاية أسمي

والله أكبر

خاتم الأنبياء وصاحبه في وقت الظهيرة  ، وقت الهجير ، وقت لم يعتاده أحد للخروج من شدة حرارة الصحراء ، من الدار إلى الغار في أعظم وأهم واقسي رحلة في التاريخ ، خروج الإسلام من أرض بور لدار صالحة لأن تعمر بها ، بعد ثلاثة عشرة سنة هي عمر الدعوة بمكة ، قاسي فيها النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه ما قاسوه في سبيل نشر دين الله عز وجل ، تعذيب وتجويع   ثم ثلاث ليال في الغار ، تظهر فيها أسماء ، المرأة  المجاهدة ، تحمل جنينها في  أشهرها الأخيرة ، ثم هي تحمل الزاد ، وتصعد الجبل ، وتؤتمن علي أداء المهمة الكبري في التاريخ البشري ، إنه أمن نبي آخر الزمان وصاحبه ، النبي المهاجر بدينه ودعوته

يأتمن أسماء ، وتكون هي علي المهمة قادرة ، وبها جديرة

لله درك يا ذات النطاقين

هاجت قريش وماجت ، وبلغ الغضب بها مداه ، إذ كيف يخرج النبي من بينهم  متوجها إلي يثرب المدينة التي احتضنت أصحابه من قبل  بدعوته ، كيف يتركون له الحرية وقد صارت كلماته ودعوته خطرا عليهم وعلي  فسادهم وتجارتهم بعبادة الأصنام التي تجذب أهل الجزيرة العربية

يعلنوا عن المكافئة لمن يأتي به وبصاحبه ، ويجزلوا فيها العطاء ، فيخرج الطامعون ، ويخرج سراقة

إنها مائة ناقة

والمهمة ما أيسرها

رجلان سلميان ، لا يحملان سلاحا  ، وليس معهما قوة حامية ، ولا خلفهما إرهابا كما ادعوا عليهم زورا دوما

خرج سراقة طامعا ليعود طامحا

إنها مائة ناقة وعد من قريش

والنبي وصاحبهما والله ثالثهما أمام قوة الباطل مجتمعة

ثم وعد من مهاجر ، مطارد ، في صحراء قاحلة ، واسعة ، ينتشر فيها العدو ، والطامع

 " كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى وتاجه " .

أي ثقة تلك التي كان يملكها محمدا صلي الله عليه وسلم

وأي توقيت هذا الذي يصدقه فيه سراقة ليعود ويخذل عنه

إنها العقيدة الثابتة التي لا تهتز ولو تحركت جبال الدنيا

إنها الثقة في الله تلك التي استطاع أن ينقلها بصوته ونظرة عينيه لسراقة فصدقه

إنها الحقيقة حين تتجسد في كلمات يعبر عنها المؤمنين

ليتحقق الوعد يوما ، ويقف عمر بن الخطاب باكيا وأمامه سواري كسري داعيا سراقة ليحقق موعود النبي له

صلي الله علي محمد صلي الله عليه وسلم ...