باليه «عبد الرحمن ورايموندا»: الآخر شرير يمثّل خطرا على الحضارة… والصليبي نبيل يقاتل من أجل الحق

(صور من التشويه الصليبي)

هناك العديد من الأعمال الفنية والأدبية التي أنتجها الغرب تنويعاً على موضوع الحروب الصليبية، كحدث بالغ الأهمية في تاريخ أوروبا، وكموضوع فني يمكن تناوله في صور عديدة مباشرة وغير مباشرة. من خلال تلك الأعمال الفنية يتم التعبير عن آراء وأفكار وتصورات حول الذات والآخر، والإعلان عن الانتماء إلى الجانبين الديني والسياسي المتعلقين بالحروب الصليبية، وفي هذه الأعمال بطبيعة الحال يحضر العربي المسلم بصفته الآخر/ العدو، ليلعب دور الشرير المعتدي الذي يمثل خطراً وتهديداً عظيماً، فهو القوي الشرس، الهمجي غير المتحضر، لكنه على الرغم من قوته وشراسته يُهزَم على يد المحارب الأوروبي، ليتحقق النصر ويعم الفرح والسرور.

في الكثير من تلك الأعمال يتم إبراز صورة المحارب الصليبي مقابل صورة المحارب المسلم، من خلال قصة يتصارع فيها الخير والشر، وبالطبع يتجسد الخير في المحارب الصليبي، بينما يتجسد الشر في السارازن أو المحارب المسلم. كما كانت هناك قوالب نمطية لصياغة صورة هذا أو ذاك، فالمحارب الصليبي نبيل شريف يقاتل من أجل الحق، أما المحارب المسلم الذي يكون عربياً في أغلب الأحيان، فكان أرضاً خصبة لكي يزرع فيها الفنان الأوروبي بعض بذور الكراهية والاحتقار. ونحن عندما نشاهد مثل هذه الأعمال فإننا نرى صورة المسلم العربي، بعين الفنان الأوروبي في تلك الأزمنة القديمة، الذي كان ينظر إلى المسلم العربي، فيجد شخصاً عجائبياً غرائبياً يتسم بالتوحش والهمجية، ويجد شخصاً شريراً كما لو أنه الشيطان، كافراً بالحق وعدواً للمسيحية. وكان يراه أيضاً رجلاً نهماً ذا شهوة مضاعفة للمال والسلطة والنساء وكل شيء في الحياة، يمتلك الكثير من الأموال الهائلة والثروات الطائلة والذهب والجواهر الثمينة، ويمتلك كذلك الكثير من العبيد والجواري والغلمان، ورغم كل ما يمتلكه فإنه يطمع دائماً بما لدى غيره ويحاول الاستيلاء عليه. وهذا كله أمر طبيعي في ظل التدافع والصراعات المستمرة، وعلى الجانب الآخر سوف نجد أموراً مشابهة أيضاً، عندما نرى الحملات الصليبية والمحارب المسيحي الأوروبي بعين عربية مسلمة، ولهذا حديث منفصل.

التركيبة الكلاسيكية

عن هذه الأجواء المتعلقة بالحروب الصليبية، والتصور الأوروبي حول العربي المسلم، لا يبتعد باليه رايموندا، الذي يعد من أشهر العروض الكلاسيكية التي لا تزال تقدم على مسارح العالم. الباليه من تصميم ماريوس بيتيبا وموسيقى ألكسندر غلازونوف، والقصة لليديا شكوفا، عرض العمل للمرة الأولى عام 1898 في روسيا.

باليه رايموندا عمل كلاسيكي بالتركيبة الكلاسيكية المعتادة، يتضمن قصة حب لطيفة، وصراعا وحبكة، وحلا مفرحا في النهاية، مع موسيقى رائعة متنوعة الإيماء والتعبير عن كل فصل ورقصة وحالة وشخصية. ورقصات متعددة الثقافات مستوحاة من خلفية كل شخصية، ومن الأحداث ومكان وزمان الباليه، وتتوزع الرقصات بين الفردية والثنائية والجماعية. رايموندا بطلة الباليه، الفتاة الجميلة الرقيقة المخطوبة لجون دو بريين، المحارب الصليبي والفارس النبيل، الذي يودعها ويرحل في مهمة مع الحملات الصليبية، لكنه يعدها بأن يعود ليحتفل معها بيوم اسمها. وبينما تكون رايموندا غارقة في حبها وأحلامها السعيدة المنتظرة مع فارسها الوسيم، وفي حالة ما هائمة بين اليقظة والمنام، وبمساعدة السيدة ذات الملابس البيضاء، التي قد تكون جنية أو عرافة، ترى رايموندا ما ينتظرها ويتربص بها في العاجل القريب، ترى عبد الرحمن المحارب المسلم، الذي يحاول أن يختطفها بمساعدة عبيده وجواريه، وتنتهي تلك الرؤيا أو الحلم بانهيار رايموندا وسقوطها على الأرض.

تعود رايموندا إلى يقظتها، وفي عالم الواقع يظهر المحارب المسلم بالفعل الذي كان يطاردها في رؤياها، أو فيما أرته إياها السيدة ذات الملابس البيضاء. يعجب عبد الرحمن بجمال رايموندا أيما إعجاب، وينظر إليها كشيء ثمين يجب امتلاكه، وإضافته إلى ثرواته وحريمه، يقوم عبد الرحمن باستعراض جواريه وعبيده وغلمانه أمام رايموندا، ويقدم لها صناديق الذهب والجواهر الثمينة، ويظهر لها مدى قوته وسلطانه وجبروته. ترفضه رايموندا رغم كل ما ألقاه تحت قدميها، فيزداد عبد الرحمن تعلقاً بها ويصر على امتلاك هذه الفتاة الجميلة، يشتعل الصراع إلى أن يأتي جون دو بريين خطيب رايموندا، المحارب الصليبي والفارس الشجاع الذي يرسم الصليب الكبير على ملابسه، ليخلص رايموندا وينقذها من المحارب المسلم الطامع في ما ليس له الراكض وراء شهواته.

يُقتل عبد الرحمن على يد جون دو بريين، وبمقتله يموت الشر وينتهي الخطر والتهديد، تتزوج رايموندا من فارسها النبيل ويبارك زواجهما ملك هنغاريا، وتتواصل الاحتفالات بالزواج السعيد وتقدم أجمل الرقصات، وينتهي الباليه بالنهاية السعيدة. على النقيض من رقة رايموندا وحركاتها الحالمة، ورشاقة خطواتها الوادعة، يأتي عبد الرحمن برقصه العنيف وحركاته الخشنة وإيماءاته الحادة، وعادة يكون الراقص الذي يلعب هذه الشخصية، قوي البنية ضخم الهيئة لتأكيد الطابع الوحشي الهمجي للمحارب المسلم العربي، بالإضافة إلى ملابسه الكثيرة المعقدة، والعمامة التي يضعها فوق رأسه والكثير من الزينة. لا يعبر رقص عبد الرحمن وحده عن الثقافة العربية الإسلامية، من وجهة النظر الغربية، فلكل من عبيده وجواريه وحاشيته مساحة من الرقص أيضاً، ولبعضهم ملابس عربية واضحة الدلالة كأغطية الرأس للرجال وما شابه. تؤدي المجموعات المصاحبة لعبد الرحمن بعض الرقصات عندما يأمرهن بذلك، بهدف إسعاد رايموندا وإغرائها بما يمتلك من أشياء جميلة، وتعد رقصة الجواري من أجمل رقصات العمل، وبشكل عام تعد الرقصات الجماعية في هذا العمل من الرقصات المهمة في عالم الباليه، وتكون الرقصة الثنائية الرومانسية بالطبع بين رايموندا والمحارب الصليبي جون دو بريين، بالإضافة إلى الرقصة الهنغارية..

وسوم: العدد 1126