الأم آلاء النجار: أي غفران يرتجى؟ وطاقم المساعدات الأمريكي يبحث عن «عيون أبو عبيدة»
أحسنت كاميرا «الجزيرة» وهي تعرض لنا مجددا أبشع ما في «البشرية»، عندما يتواطأون على دم الأطفال بصورة تجعل الحيوان يخجل عند مقارنته بالإنسان.
لا أعرف إطلاقا صيغة مواساة يمكن أن تخفف وجع الطبيبة الدكتورة آلاء النجار، التي سمع صوتها الخافت خلف الكاميرا، وهي تردد العبارة نفسها أثناء نقل جثث 9 من أطفالها المتفحمين في غزة .. «حبيبي ماما».
الأبشع هو ما قاله رجل يرتدي الزي البرتقالي لكاميرا «الجزيرة» عن طفل عمره 6 أشهر، هو آخر ما تبقى من لحم آدمي لأم فقدت كل أطفالها حرقا وبقي أخرهم عالقا تحت الأنقاض.
اغتالت إسرائيل بوحشية عائلة النجار عقابا للأم والأب الطبيبين.
لا بد من طرح السؤال التالي: هل ثمة معنى للإنسانية والحياة في كون فيه جيوش ومؤسسات وقوانين ودول وزعماء يخفق في حماية 9 أطفال أبرياء تفحمت جثثهم؟!
ما الذي نتخيل أنه يحصل في ذهن رضيع صغير وجد نفسه تحت الأنقاض مخنوقا وحيدا دون أمل، فيما يبكي رجل الأطفاء لعدم وجود أي أداة يمكن استعمالها للحفر!
بصراحة أكثر: مقابل ماذا ومن أجل أي قيمة يعيش الرضيع النجار، مثل تلك اللحظات المرعبة بعد التسليم طبعا بقدر الله عز وجل، وبأن من مات متفحما «لم يعد يتألم»، بل يتألم فقط من قدرت الصدفة أنهم باقون على قيد الحياة.
مقياس الألم البشري بعد غزة مختلف.. والعار يجلل الجميع من القمة إلى القاع «كلن يعني كلن». أي غفران يرتجيه القوم بعد كل هذا الوجع المبثوث على الهواء المباشر؟
ترامب ورضاعة حليب
«هؤلاء جميعا مزارعون بيض يدفنون».. هذا ما بثته محطة «سي أن أن» على لسان الرئيس دونالد ترامب، وهو يرفع صورة موتى في افريقيا قبل أن يتبين وفقا لوكالة رويترز المتلفزة أن الصورة «مفبركة»، ولا تخص قتلى بيض ولا من يحزنون.
ترامب مجددا يدعي «الطهارة» في أحياء الدعارة! ويمارس هذا اللون الدعائي من إدعاء الحرص على الحياة البشرية بأثر رجعي وقرر أن يقرص إذن رئيس جنوب افريقيا الزائر متباكيا على إستهداف البيض في افريقيا، وهدفه على الأرجح أن تسحب دولة جنوب افريقيا شكواها المسجلة في الجنائية الدولية بحق الأوغاد الذين قتلوا 17 ألفا من الأطفال بينهم أطفال الطبيبة النجار.
هل سمع المبعوث ويتكوف قصة الأم الطبيبة التي إستقبلت أطفالها السبعة متفحمين، فيما علق الثامن مع رضاعة حليب تحت أنقاض قطاع غزة؟
ويتكوف كان مشغولا بموكب السيارات، الذي رافقه في أزقة روما، من أجل الحوار مع إيران قبل إعلان محطة «سكاي نيوز» أن» الإتصالات تقدمت» بما في ذلك ٪ الخاصة ب»خطة توزيع المساعدات» الجديدة لأهالي غزة.
بثت قناة «الحقيقة الدولية» شيئا عن «وثيقة الخطة» إياها والتفاصيل كوميدية بامتياز وتصلح لمسرحية «شفيق يا راجل».
على سبيل المثال لا الحصر: المواطن الغزي عليه أن يقطع 6 ساعات مشيا على الأقدام أو راكبا مع تفتيش حماره أو عجلته أو بقايا الخردة، التي تسمى سيارة، ثم يسجل اسمه في كشف ويخضع لفاحص نظر على طريقة مطار دبي، وإذا كانت عيونه لا تشبه عيون أبو عبيدة وأقاربه يحصل على عبوة حليب وكيس معجون تماطم لمدة أسبوع.
تلك ليست «إغاثة»، بل «إذلال» مبرمج بدعم عربي.
إغاثة أم إذلال؟
أحدهم على قناة « فوكس نيوز» صحح لمذيعة المعلومة التالية: «الرئيس حصل على 5 تريليونات و300 مليار دولار» عند زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، وليس على 4 تريليونات فقط.
يصبح السؤال حول حجم الأمة من محيطها لخليجها: هل خصصت حفنة دولارات من هذه الإستثمارات أثناء التفاوض التجاري لضمان إدخال ولو منشار كهربائي «صناعة مصرية» مثلا، يستعمل لتقصير تلك الفترة التي يقبع فيها وسط التراب والظلام رضيع خائف ومرعوب ولا يواسيه في غربته إلا الله؟
في عمان قالوا لنا وعبر تلفزيون «المملكة» يوما إن «الحكومة لا تستطيع منع أي منتجات من العبور إلى الكيان» بموجب القانون.
وفي القاهرة، وحصرا على شاشة «القاهرة اليوم» خرج أحد مشايخ سيناء لينطق بعبارة تقول «الله .. إيه الكلام ده.. مصر مش حتئبل إطلاقا تهريب أي منتج عبر الأنفاق».
المذيع المصري ابتسم وكاد يصفق ولم ينتبه الجميع لأن أحدا في الإستوديو لم يبلغ «شيخ الكبة» السيناوي بأن من لا يقبل الأنفاق يمكنه فتح المعابر على الأقل، حتى لا يموت الأطفال الرضع تحت الركام جوعى وعطشى وخائفين.
ولا أحد في عمان أبلغ الحكومة الرشيدة أن من لا يستطيع تجاهل تعليمات الترانزيت الدولية يمكنه أن يضغط أكثر من أجل مواثيق الأمم المتحدة، التي تمنع «التجويع». أقله «التلويح» بتجميد اتفاقية سلام سعرها اليوم أقل من سعر الورقة التي كتبت عليها.
قالها غيرنا ونعيدها اليوم: «اليوم بجارك.. غدا بدارك».
أي كلام دون ذلك تجديف وسواليف حصيدة على طريقة الطائر العراقي، الذي يدعى «مسهر الرعيان».
وسوم: العدد 1126