ذاتية
كان عندنا في الوزارات والمديريات العامة في سورية، التي رسم اسمها في كل كتب التراث العربي بالتاء المربوطة، قسم خاص يُسمى "الذاتية" لا أدري إن كان ما يزال موجودا. هذا القسم يفتتح ملفا حاصا لكل موظف، يحتفظ فيه بالوقائع الرئيسية لسيرة حياة الإنسان الوظيفية: التعيين- الدرجة- الترفيع- الإجازة- المكافأة - العقوبة...
لكل إنسان.. موظف أو عامل ذاتيته...حاولت كثيرا أن أرسم للذين يريدون مقاربة صفحتي دائرة ذاتيتي..
أنا هنا أعبر عن رأيي الشخصي من خلال تربيتي وتكوني ورؤيتي وقدرتي على التعبير والتقريب..
مثلا...
حديثي بالأمس عن قرار مهرجان "كان السينمائي"، بوضع قواعد أشد صرامة للباس الممثلين والممثلات، أثناء مشاركتهم في المهرجان وليس خارجه..
أردت أن أقول لإدارة الإخبارية السورية الجديدة: حتى المهرجانات السينمائية تضع قواعد تخصها للباس، فلن تتهموا بالتخلف والرجعية والأصولية إذا وضعتم قواعد للباس الرسمي لمقدمي البرامج وللضيوف أيضا...
بالأمس لاحظت أن أحدهم يحاور المذيع وقد وضع برنيطة على رأسه.. اذهبوا إلى قواعد لبس البرنيطة في بلاد البرنيطات، وأصل اللفظة فيما أقدر إيطالية، بَروتة، ستجدون: تخلع البرنيطة في الأماكن المغلقة، وفي المجالس وعلى موائد الحوار والطعام.. لا أحد يحضر إلى شاشة التلفزيون بما اتفق له من الثياب.. بالمناسبة منذ يومين علقت بقولي : ميلي عليّ ومسندك أنا، اليوم أعجبتني جدا جدا جدا الوسادة الحمراء المستطيلة التي فصلت بين الجطل، من مقدمي برنامج الصباح...
أنا والإخوان المسلمون...
وأنا كنت ومازلت من جماعة الإخوان المسلمين، وأعتقد أن ذخيرتي في حياتي هي ما اعتددته فيها ومنها...ستون سنة مرت وأنا هناك، وأعتز وأعتد وأرجو الله...
وحين تسمعون الكثيرين يتفاخرون بأدوارهم، أقول لكم أنا في مسيرة ستين سنة، أقصى ما وصلته فيها أنني كنت في الصف الثاني، لم أكن قائدا لم أكن رائدا.. ولم أكن يوما صاحب قرار..
وكنا في تجمعنا الإخواني المثالي، الذي صمد لمدة قرن فيما تضعضع الآخرون، مثل كثير من الخلطاء، ولكن تربيتي البيتية والدعوية تمنعني أن أحمل خنجرا في ظهر..كل من عايشت منهم أخ لي أحميه بنفسي، وأذود عن سمعته ما حييت. أسوء ما عهدت من رجال الأحزاب أنهم إذا تنافروا تطاعنوا..يا للعيب!!
وأنا الآن أعيش مع إخواني على هامش القرار، وليس هامش الحركة، أسمع وأرى وأعبر، وأكرر ما أكتبه ليس معبرا رسميا عن رأي إخواني، هم أصحاب القرار، وانا لا أنازعهم فيه...ونحن في قواعد بيعتنا لنبينا وليس لبعضنا: أن لا ننازع الأمر أهله. ومفهوم الأهلية يكتب فيه كتاب. علم يحتاجه بعض الناس.
ونحن في هذه الجماعة منذ ثمانين سنة نعيش في ظل هذا العارض من الدعاية السوداء.. لا أقول: ولانبالي، ولكنه قدر الدعوة والدعاة إلى الله (وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ) فأجد من غير اللياقة أنني إذا علقت يوم على النشرة الجوية يخرج عليّ من يقول: ولكن الإخوان المسلمين!! سواء كان ما يقرره صوابا أو خطأ ..أجده من غير اللياقة ممن يقدم عليه، وأجد من الترفع أن لا أبالي به، ولا أرد عليه...!!
وأنا لا أزعم أن الإخوان المسلمين لا يخطئون!!...وأنا أول خطاء فيهم..
.ولكن وهذا جواب خاص على أخ خاص...
والمواقف من الأفكار والقضايا والأشخاص، لا يمكن أن تجمل في كل مقام، ولكل مقام مقال. فأنا إذا أردت أن أذكر بالشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى بذكر بعض صوابه وسبقه وتألقه وبذله وعطائه، ليس واجبا علي في هذا السياق أن أذكر أو أذكّر بكل ما سبق فيه قلمه أو رأيه، وهو كتب بعض كتبه تحت سطوة السجن والسجان...
وكان بعض المنافقين والعياذ بالله إذا صلى أصر أن يقرأ في صلاته (عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ...)
باختصار أشد:: أفق تفكيري هو "إسلامنا في الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين" ومن يعش يسمع. ولست معنيا بمناجزة قوما آخرين.
وأخيرا
من أول ثلاثة أيام بعد انتصار هذه الثورة المباركة، سجلت بصوتي: مؤيدون مباركون ناصحون ولسنا محبكجية ولا ناقمين...فمن كان من أولئك أو هؤلاء فنرجوه أن يكف عنا بعض جشاءه.
أشرتم إليكم منذ ثلاثة أيام إلى محاضرة السفير الأمريكي فورد. قلت حديثه له خبيء، ما أردت أن أبدأ بإشاعة الريبة. أما أنه قد شاع وذاع، وفُكك وحُلل ورُكب، وتحمل وحُمّل.. فأسأل الله أن يعينني لأقول فيه ما أعتقد أنه القول الفصل..
فأنا لا أرى أننا نُغيّب أو نتغيب أو نتهرب من بيان. وكما حفظت من قواعد سادتنا الفقهاء: لا ينسب لساكت قول. حفظت والصمت في معرض البيان بيان. ومرة أخرى أحدثكم عني، وأكتب باسمي...
وسوم: العدد 1126