الفيتو الأمريكي والمجموعة العربية في الأمم المتحدة
نيويورك-»الأمم المتحدة»:كان اجتماع مجلس الأمن الدولي يوم 4 حزيران/يونيو مرآة لحقيقة التركيبة المختلة للمنظومة الدولية التي أنشئت عام 1945 لتعكس موازين القوى آنذاك، وهي تكمل عامها الثمانين، وهذا العمر بالنسبة للبشر قد يكون بداية الهرم والانهيار والخرف أو يكون سن الحكمة والتبصر والوعي والاستقامة والابتعاد عن ظلم الناس والاستخفاف بهم والتمييز بين الألوان والأديان والأعراق والثقافات.
صوّت مع مشروع القرار الذي صاغته الجزائر وتقاسمته مع مجموعة الدول العشر المنتخبة لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة، ثم وزعته على الدول الخمس دائمة العضوية. تقبلته أربع دول إلا الولايات المتحدة الأمريكية، فانتدبت مجموعة العشر سفير سلوفينا للتفاوض مع ممثلة الولايات المتحدة بالإنابة، دوروثي شيا. وبعد أسبوع لم يتغير الموقف الأمريكي وبقيت مصرة على تغييرات جوهرية غير مقبولة أو انتظار نتائج المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة مع المقاومة الفلسطينية بطريقة غير مباشرة عبر قناة مصرية-قطرية لنقل الرسائل ذهابا وإيابا. ثم وضع مشروع القرار باللون الأزرق وطرح للتصويت من بعد ظهر الأربعاء فحصل على 14 صوتا مؤيدا بينما رفعت شيا يدها لوحدها لتطيح بالجهود التي بذلتها مجموعة العشر وبمشروع قرارها وبالتالي وجهت لطمة على وجوه الدول جميعها التي تمثل العالم أدق تمثيل، شرقه وغربه، شماله وجنوبه.
كيف استطاعت شيا أن تنظر في عيون الحضور وترفع يدها لتعلن قتل مشروع القرار ما يعني مزيدا من القتل والدمار والتجويع والمجازر والانتهاكات لكل ما توافقت عليه البشرية من تصرف إنساني وحضاري وأخلاقي؟
وتبريراتها الثلاثة لهذا التصويت كانت:
أولا: إن رفض الولايات المتحدة لمشروع القرار يجب ألا يكون مفاجأة لأحد لأن الولايات المتحدة لن تدعم أي إجراء لا يدين حماس؛
ثانيا: «إن أي قرار يقوض أمن حليفتنا الوثيقة إسرائيل، مرفوض تماما»، كما قالت نصا؛
ثالثا: على الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية دعم ما يعرف باسم «مؤسسة غزة الإنسانية»، ومساعدتها على إيصال المساعدات بأمان بدون أن تحولها حماس. إن إسرائيل اتخذت إجراءات عديدة للحد من إلحاق الضرر بالمدنيين وتلبية الاحتياجات الإنسانية. «إن خسارة أرواح المدنيين في غزة أمر مأساوي. جميعنا نحزن على هذا، لكن مسؤولية ذلك تقع على عاتق حماس».
هل هناك صلف أكثر من هذا؟ قتل وجرح 10 في المئة من سكان غزة وإسرائيل تتخذ إجراءات للحد من إلحاق الضرر بالمدنيين! فماذا لو لم تأخذ إجراءات؟ يعني يجب شكر إسرائيل على إجراءاتها العتيدة للحد من قتل المدنيين. والأغرب أنها تشعر بالحزن للخسائر في أرواح المدنيين. رأينا ذلك الحزن في يدها المرفوعة بالفيتو.
محاولة اعتماد قرار جديد في مجلس الأمن جاءت بعد سنة كاملة من آخر قرار عرض على مجلس الأمن وصوت عليه المجلس بتاريخ 10 حزيران/يونيو 2024 والذي اعتمد بغالبية 14 صوتا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، بمعنى أنها سمحت للقرار أن يعتمد والذي أخذ الرقم 2735 (2024). ووراء ذلك القرار حكاية عرضها الرئيس السابق جو بايدن يوم 31 أيار/مايو على أنها مبادرته والتي قال عنها إن إسرائيل وافقت عليها، بل هي التي صاغت بنودها. لكن إسرائيل وقبل أن يغادر أعضاء المجلس قاعة الاجتماع أعلنت مندوبتها في المجلس رفضها للقرار، كما صدر بيان من وزارة الخارجية برفض القرار فورا. والغريب أن المندوب الأمريكي، روبرت وود، خرج من المجلس وسمع الرفض الإسرائيلي بأذنيه لكنه بكل صلف قال: «الكرة الآن في ملعب حماس». أي أن سنة كاملة لم تسمح الولايات المتحدة لعرض أي مشروع قرار داخل المجلس. وهذا يعيدنا لدور المجموعة العربية.
تتكون المجموعة العربية من سفراء الدول العربية الـ22. وكما يفعل مجلس الأمن، حيث يتم تناوب الرئاسة شهريا حسب الترتيب الأبجدي، تقوم المجموعة العربية بتناوب الرئاسة حسب الترتيب الأبجدي اللاتيني كذلك. فالرئاسة في أيار/مايو كانت من نصيب دولة الإمارات وفي الشهر الحالي لليمن. وتعمل المجموعة على تنسيق المواقف وطرحها في المجلس باسمها لتكسب زخما قويا لا تتوفر لدولة بمفردها. ومع أن قلوب المجموعة متفرقة ومتناحرة أحيانا، كما هو الحال بين السودان والإمارات، والمغرب والجزائر، إلا أنهم يحاولون أن يظهروا تضامنهم مع قضية فلسطين في الحد الأقصى، كقضية مركزية للأمة العربية. تضامن يمكن أن يجمع دولا مطبعة مع الكيان الصهيوني وأخرى تعتبر التطبيع خيانة، ودولا تقيم علاقات سرية مع الكيان وأخرى تقوم بمناورات عسكرية معه، وأخرى أقرت في برلماناتها أن التطبيع يعتبر خيانة وطنية. على الرغم من ذلك تلتئم المجموعة ويتحدث باسمها عادة رئيسها لذلك الشهر ثم ينقل الميكروفون لممثل فلسطين الذي يكرر دائما شكره لتضامن المجموعة العربية مع فلسطين.
في 30 أيار/مايو وقف السفراء جميعهم (ليس بالضرورة على نفس المستوى من التمثيل) لزيادة الدعم لمشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية فورا والذي تعرض للفيتو الأمريكي لاحقا، تحدث سفير الإمارات العربية محمد أبو شهاب عن تصميم المجموعة العمل بكل الوسائل لرفع المعاناة عن غزة. وقال في مداخلته: «إن المجموعة العربية تطالب مجلس الأمن بإعلان وقف إطلاق النار فورا وإيصال المساعدات الإنسانية بدون قيد أو شرط وإطلاق جميع الرهائن والمحتجزين والأسرى والموقوفين. كما تطالب مجلس الأمن باعتماد مشروع القرار الذي قدمته الجزائر وتبنته الآن مجموعة الدول العشر المنتخبة في المجلس».
وهذه ليست المرة الأولى التي تقف المجموعة وتطالب وتدعو وتدين وتعد بالعودة مجددا لمجلس الأمن والجمعية العامة.
لكن مجلس الأمن اعتمد أربعة قرارات بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر لوقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، والجمعية العامة اعتمدت قرارين بتفاصيل أكثر، بالإضافة إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، كلها لم تجبر إسرائيل على وقف الحرب، ولا إدخال المساعدات ولا وقف آلات المجازر والهدم والتدمير، فلماذا تهتم إسرائيل بما تقوله المجموعة العربية التي تطالب مجلس الأمن بالقيام بتلك الإجراءات؟ ونسأل المجموعة أمام الصحافة: «لماذا لا يستخدم العرب مصادر قوتهم لإجبار إسرائيل لوقف الحرب. هل تم سحب سفير عربي من إسرائيل؟ هل أغلقت سفارة؟ هل قطعت العلاقات مع الكيان؟ فكيف لإسرائيل أن توقف الحرب إذا لم يكن هناك ثمن؟»، فكان جواب أبو شهاب :»هذه مسؤولية المجتمع الدولي بما في ذلك مجلس الأمن. المجموعة العربية منذ 600 يوم تعمل على الضغط على مجلس الأمن الذي اتخذ عدة قرارات ولم تنفذ. لكن لا يعني أننا سنكتف أيادينا ولا نعمل شيئا، سنبقى نعمل بكل إمكانيتنا لنتأكد أن هذا الوضع الكارثي سيتوقف».
ثم عرض مشروع القرار للتصويت يوم 4 من الشهر الحالي فاستخدمت أمريكا الفيتو الذي جاء بعد أن جرف ترامب خمسة مليارات دولار من دول الخليج.
وبعد قرار إنشاء برج ترامب ذي الخمسة والأربعين طابقا في عاصمة الأمويين بقيمة 200 دولار؛ وبعد مناورات الأسد الأفريقي في المغرب بمشاركة إسرائيلية بالإضافة إلى الولايات المتحدة؛ وبعد توقف المظاهرات في طول الوطن العربي وعرضه إلا من حفنة هنا أو هناك؛ وبعد تشكيل قوة عميلة في غزة لاستدراج المواطنين لمراكز توزيع ما قيل إنه مواد غذائية تشرف عليه مؤسسة إسرائيلية-أمريكية تدعى «مؤسسة غزة الإنسانية»، ثم يتم ارتكاب المجزرة قرب مراكز المساعدات وتحميل المسؤولية للمقاومة.
فهل تأبه الولايات المتحدة لـ22 دولة إذا ما استخدمت الفيتو؟ هل تحسب حسابا لشعوب تلك الدول التي في غالبيتها الساحقة لا تعرف معنى الخروج إلى الشوارع والاحتجاج والتعبير عن الغضب؟
وسوم: العدد 1127