أعد لإبادة جماعية”.. من يحترم جيشاً يقتل الأطفال والجائعين في مراكز المساعدات؟
هناك صورتان واستنتاج واحد. محرر موقع “بيرس بكتيفا” حنان عميئور، عرض في صفحته هذا الأسبوع على “اكس”، الصفحات الأولى لملحق “هآرتس” وملحق “مصدر أول”. على اليسار صورة قاسية تبعث على اليأس، كئيبة، تفطر قلب كل شخص وتهزه، باستثناء الساديين المريضين نفسياً، الذين عددهم يزداد هنا للأسف الشديد. أم ترتدي الأسود، تحمل على يديها طفلها الذي يحتضر، هيكل عظمي لإنسان، يمسك بها بما بقي له من قوة، في جسده وروحه، ويرسل نظرة استغاثة تطلب المساعدة. ثمة صورة نموذجية ونص مثالي لنير حسون لا يقل عن ذلك: “دخلنا مرحلة التغول” (ملحق “هآرتس” الأخير).
على اليمين صورة مضاءة وأكثر تلويناً؛ أربعة نساء في وضعية جماعية، ثلاثة منهن يرتدين شالات فاخرة بروح العصر، ويضعن أيديهن على أكتاف بعضهن. “بطلات من أجلهم”، هن زوجات مصابين في الحرب، يخرجن إلى القتال (غلاف ملحق “بورتريه” في صحيفة “المصدر الأول”).
استنتاج عميئور هو “على اليمين حب الجيش الإسرائيلي. على اليسار كراهية الجيش الإسرائيلي”. كان يجب على ناقد إعلامي حقيقي أن يكتب: على اليمين عسكرة، دعاية، هوس فني، قومية متطرفة؛ وعلى اليسار: صحافة. يؤمن عميئور هو وملايين الإسرائيليين الآخرين بوجوب حب الجيش الإسرائيلي، وتحريم إظهار معاناة قطاع غزة خشية أن يخل ذلك بواجب حب جيشنا المقدس.
العلاقة بين هذا والصحافة انقطعت منذ فترة. لم يبق سوى الفاشية، وغسل الأدمغة، ونفي الواقع، ليس في صحيفة “مصدر أول” فحسب، بل في معظم وسائل الاعلام الإسرائيلية. قراء “مصدر أول” مثل معظم مستهلكي وسائل الإعلام في إسرائيل، لا يريدون رؤية الصورة الحقيقية التي تحاول “هآرتس” عرضها. معاناة النساء بالزي العسكري هي المعاناة الوحيدة التي يرغبون في معرفتها، لكن، لشدة الخوف، فإن بين مستوطنة “اليعيزر” (التي يعيش فيها عميئور) وبين رفح، هذه هي المعاناة الإنسانية الأقل في الوقت الحالي.
إن موقف عميئور لا يجب أن يهم أحداً، لولا أن اليمين الاستيطاني تحول إلى وسط في إسرائيل. كم إسرائيلياً ما زالوا يحتجون على أقوال مثل يجب أن نحب الجيش الإسرائيلي، ومحظور علينا رؤية قطاع غزة؟
حسب هذا المنطق الصحافي المريض، يحظر رؤية غزة؛ لأن حب الجيش أمر واجب. هكذا، من الواجب إظهار غزة، كما يفعل ملحق “هآرتس” بتصميم وشجاعة، ومسموح انتقاد الجيش وحتى كراهيته. كل شخص صاحب ضمير ولديه إنسانية لم يبق أمامه أي خيار آخر.
كيف يمكن الآن “حب الجيش الإسرائيلي”؟، ماذا فيه لنحبه؟ باستثناء إخفاقاته قبل وأثناء 7 أكتوبر. لم يبق سوى النظر إلى ما فعلت يديه منذ ذلك الحين. الجيش الإسرائيلي في العشرين شهراً الأخيرة هو جيش ينفذ المذابح، مثلما لم يكن من قبل. جيش أعد للإبادة الجماعية والترانسفير. ليس هناك ما يوقفه، هو لا يميز، ومنفلت العقال. لم يقتل هذا العدد الكبير من الأطفال في أي يوم، ولم يدمر مثل هذا العدد من المباني والبيوت وعوالم الأشخاص. يدمر ويتفاخر، يقتل ويتبجح.
انتقلت روح الجيش الإسرائيلي الجديدة إلى الضفة الغربية أيضاً. الجيش، منظمة مساعدة المستوطنين العنيفين، يتعامل مع الفلسطينيين بوحشية غير مسبوقة، ولا حتى في سنوات الاحتلال الأكثر قسوة. روحه التي تغيرت تحتاج إلى إحداث التغيير أيضاً في النظرة إليه، أن نحبه؟ أن نحب جيشاً قتل جنوده ألف طفل في يومهم الأول؟ كيف نحب جيشاً يذبح طوابير من الأشخاص الجائعين الذين يناضلون على وجبة غذاء واحدة كي يبقوا على قيد الحياة؟
الجيش لا يجب أن يكون محلاً للحب. ولد عاجزاً. فأن نحبه الآن يعني أن نحب أفعاله، وهي أفعال إجرامية. أن نحب، أو لا نحب، يجب أن ننظر إلى غلاف ملحق “هآرتس” ونتذكر أن أحدهم تسبب بسوء نية في موت هذا الطفل العاجز في حضن أمه.
وسوم: العدد 1127