مقالات بيّنة...

لن أكتب حتى هذا العنوان مقالات رأي، بل مقالات علم… مقرر في مظانه.

"المنتظم السياسي" عنوان في بناء الدولة ينبي عنها..وعن حقيقتها، وعن ما وراء المظهرية التي يحاول القسيم الممثل للحكومة مواراتها أو مداراتها.

تحت عنوان "المنتظم السياسي" يقف كل المواطنين المعنيين بالشأن السياسي على خط أول، ليس فيهم كما يقرر الفقهاء "ضمادة عذر" يحق للقائمين على الحكومة التبري منه، أو طمسة، أو تجاهل مكانه، أو البغي عليه، إقصاء أو استئصالا…

ويشتمل مصطلح "المنتظم السياسي" على المنظومات الأولية المعتمدة للشرائع والتشريعات والقيم والقواعد والقوانين والأساليب والأخلاقيات المستقرة والأعراف الإيجابية التي تحكم دولة ما .. والتي لا ينبغي لأي فريق في هذه الدولة أن يتجاوزها..

وبالمقابل يشتمل عنوان "المنتظم السياسي" على كل التجمعات والجماعات والمكونات الأهلية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات، وبعبارة أقصر، يشتمل على كل المنخرطين في العمل السياسي، بأي صورة، وعلى أي خلفية، ومهما كانت الغاية والهدف.

بكل هؤلاء أو أولئك يعترف الممسك بناصية القرار ، ويعطيهم حقهم أو جملة حقوقهم على سواء.

"الدولة" في الأوطان التي بنيت فيها الدولة، ليست إرثا، ولا كسبا، ولا عهدة.. ولا غنيمة.. بل هي حالة تشاركية بين القائم على الإيقاع، وبين جمهور السواء الوطني، في المنتظم السياسي، يقول كل واحد فيهم لصاحب القرار، لنا في حقنا الوطني مثل الذي لك فيه. غير أنك تحملت وبقينا الأخلياء.

ثم يشتمل المنتظم السياسي ثالثا على الطرائق والأساليب وقواعد اللياقة وأصول الأدب العام مما جرت به عوائد الناس في المجتمع الذي يتجسد المنتظم السياسي فيه، من العناوين التي سماها القرآن الكريم المعروف والمنكر، ولن أغرب عليكم لأقول إن العرف والنكر مجتمعيان في كثير من القواعد والأبعاد…وانظروا في أصول التشريع تجدون "العُرف" مصدرا من مصادره.

ومن مقتضيات الاحترام للمنتظم السياسي

أن الفريق الذي يشار إليه بالحكومة، وإن ملك بجهتيه التشريعية والتنفيذية حق عقد الاتفاقات، وإصدار القرارات، وإنفاذها.. إلا أنه لا يملك أدبيا حق الانفراد بالقرار الأكثر تأثيرا على واقع الدول ومستقبل أجيالها..

ولا يملك أيضا حق حجب تفاصيل الكثير من الملفات، وطرائق معالجتها، مع افتراض حسن النية، وجمال الطوية..

في الدول المحكومة بحكومات تحترم نفسها وظلها وشعوبها.. كل الملفات الأهم يصل منها نسخ إلى القوى الرديفة، موافقة كانت أو مخالفة، للإحاطة أولا .. ولسماع رأي إن كان رأي ثانيا..

كف الظلم عن الناس أو عن سوادهم، أمر مهم وجميل ومشكور..وما زلنا ننفح حوله العطر، وتشعل عيدان البخور!!

ولكن قول ملكة سبأ يا أيها الملأ.. قول أجمل (مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ)

ونرى في عمق السماء عارضا، ونخشى أن نقول كنا قال قوم مغررون قبلنا: (هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا..) فيقال لنا: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم..)

والقضية ليست قضية ثقة.. فقد أوحي إلى أسوة الأمة الحسنة: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ..)

ماذا يدور وراء الأكمة!!

وأنا كلما رأيت عدوا مبينا كالحا يبتسم تذكرت قول المتنبي:

إذا رأيت نيوب الليث بارزة .. فلا تظنن أن الليث يبتسم

كفرد من 23 مليون مواطن سوري يحق لي أن أتوجس وأسأل: وماذا وراء ابتسامة ترامب ومشتقات ترامب الدوليين والإقليمين؟؟

من حقي كواحد أن أسأل

ماذا عن الجولان؟؟ وماذا عن فلسطين؟؟

وماذا عن الدين الإبراهيمي الجديد؟؟ ومن حقي أن أحذر وأن أخاف

ومن حقي أن إسأل: وماذا عن العلاقات البينية في مجتمع الغد ومن من الناس سيحسب على المغضوب عليهم؟؟ ومن منهم سيحسب على الضالين؟؟ ستون عاما ونحن ندفع الخراج، ونلسع بالكرباج وماذا بعد؟؟

اسمعوني أيها السوريون على خلفياتكم

وماذا عن ملف الأسلحة الاستراتيجية؟؟ وهل فعلا أننا سنطرب كلما احتدمت موجة التصفيق والتصفير..

أعداؤنا الإيرانيون يناضلون عن وجودهم. نحن ضد الأسلحة الاستراتيجية لأننا اكتوينا بها، ولكن ماذا عن المخبأ لنا في ديمونة.

ولماذا لا نتكلم بلغة السواء. تقول أم زرع عن أبي زرع: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب. هذا في العلاقة الزوجية فقط جميل..

ثم

وماذا عن عسل عقود الاستثمار!! وبعض الناس يسمونها العسل المر، وآخرون يسمونها العسل المسموم.. جميل أن يكون لنا ماء وكهرباء وغاز وشبكات اتصال وشبكات طرق معبدة وبيوت معمورة .. ولكن بأي ثمن ذلك سيكون؟؟ تقول العامة في وطن الحكمة: يا عريض القفا الدين بدو وفا.. وأخطر الأموال التي نمتلكها: المال السهل، ولذا تكثر المطبات مع المستثمرين!!

ثم ماذا

والقروض والمعونات والاتفاقات والاعترافات والأهازيج ..

لست ضد أن نستبشر، ولست ضد أن نفرح، ولست من الذين يحبون التثريب على الناس..

ولست معارضا بل أنا مؤيد ومبارك ومتابع، ولكنني متخوف إيضا..

والعنب يؤكل حبة.. حبة يا علام..

(لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا..)

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1127