إنه موسم التين والعنب
عندما يقع العديم في سلة التين ، فإنه لا بد أن ينقض على الثمار الطازجة ، يلتهم منها كيف يشاء ، دون اعتبار لعواقب نهمه، من تخمة وسوء هضم، فالحرمان قاس والجوع كافر.
وهكذا وبعد مايزيد عن خمسين عاما من تكميم الأفواه وإخراس الألسن ، لاعجب إن نزع سكان المزرعة الشريط اللاصق عن أفواههم بعد فرار حامي المزرعة ، وحراميها وسجانها ومغتصبها ، في ذات ليلة ظلماء.
والسلطة الجديدة في سوريا اليوم أصبحت في موقع (تحت المجهر) ، فالنقد لاذع مرير، والانتقاد مباح وإن كان ليس بهدف البناء أو التصحيح ، وكلمة داعشي تهمة جاهزة للإدانة والتشهير .
وتصيد أخطاء السلطة والتربص بكبواتها وتجريمها ومن ثم إعلان عيوبها على الملأ قد يأتي من خلفيات متباينة .
فهو إما أنه من خلفية فارغة تهوى الثرثرة والظهور وتسليط الأضواء والتقاط المتابعين واللايكات من أمثالها كالذي ينعق بما لايسمع إلا دعاء ونداء.
أو أنه من خلفية كارهة تضمر الحقد والبغضاء فتجادل بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .
أو أنه قناص يتربص بكل كبوة ، كي ينال أجرا ، لأن غايته إثارة الفتنة ونشر الفوضى وزعزعة الاستقرارمقابل لقمة مغموسة بالدماء .
وحرب داخلية شرارتها تعود لتفاهة أوغباء أو بغضاء ، لن تتوج ناصرا أو منتصرا ، فالكل سواء في حرب مسعورة لن تبقي ولن تذر .
ولن نغفل أن قانون قيصرهو ورقة جاهزة بيد قرود الخارج ، فهم مستعدون لإبرازها دون اعتبار لمصلحة البلاد من زرع أوطير أو دابة أو بشر... فقد أضرموا النار في الغابات بهدف إحراق الحرث والنسل ولم يرمش لهم طرف .
والحدود السورية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها من أتباع ال ب ك ك أو فلول الأسد أو أذناب إسرائيل والهجري، تنوء بأثقال مجتمعة من البغضاء والغباء والخيانة .
وفي القرآن * لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون * ، فالتاريخ ليس قصصا مسلية كي ينام على سردها الأطفال ، بل ليتنبه بها أولوا الألباب .
وفي عام 1958 تنازل الرئيس السوري شكري القوتلي عن الحكم للرئيس المصري جمال عبد الناصر بكل أريحية ومودة . وحسب الصحفي حسنين هيكل ان القوتلي خاطب عبد الناصر ( انت اخذت شعبا يعتقد كل من فيه أنه سياسي ويعتقد 50 في المائة منه أنهم زعماء ويعتقد 25 في المائة منهم أنهم انبياء)
واستبدال السلطة بأخرى فخ وقع فيه السوريون فيما مضى في منتصف القرن الفائت ، فعاشوا فترة حرجة من الإنقلابات العسكرية والمتاهات السياسية ودفعوا ثمنا باهظا وهم يبحثون (عسكريا)
عن القائد الأمثل...
حتى جاءها الحامي الحرامي في صورة المخلص ،وهتف بهم بابتسامة خبيثة ، لقد مضى زمن الانقلابات أهلا بكم في قبضتي ...
وهكذا دخلت البلاد في نفق مظلم من الظلم والاستبداد والقمع مايزيد عن نصف قرن من الزمن.
والدول الأوربية أدركت أن إرضاء شعوبها بكل الفئات و الأطياف والأهواء ، أمر مستحيل، ولم تجد حلا كي توفر الاستقرار على أرضها سوى في هيمنة الهيبة الملكية التي تظلل الانتخابات السياسية .
والناقد الناصح الغيور على وحدة سوريا واستقرارها وأمانها له دوره ، والمعترض الواعي المثقف له أن يؤلف حزبه ويعلن خططه ، وصناديق الاقتراع في انتخابات نزيهة لها الكلمة الأولى.
ولكن الصراع مع الناطور لن يجلب خيرا للسوريين ، ولن يملأ سلالهم عنبا وتينا ، بالرغم من أن أشجارالوطن مثقلة بالثمار.
إنه أواخر صيف قائظ ، إنه موسم التين والعنب في سوريا ، وقد آن فيه للنفوس المحرومة أن تأكل حتى الامتلاء.
ولكن لا تسرفوا انه لايحب المسرفين*
وسوم: العدد 1130