الإنسان

د. حامد بن أحمد الرفاعي

الإنسان

د. حامد بن أحمد الرفاعي

يقول رب العزة والجلال في محكم التنزيل:"الرَّحْمَنُ،عَلَّمَ القُرْآنَ ،خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ ،الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ،وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ،وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ،َألاَّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ،وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا المِيزَانَ،وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ"هذه الآياتُ المباركاتُ من مَطلعِ سورةِ الرحمنِ..منْ أبرزِ المنظوماتِ القرآنيةِ..التي تُؤكدُ التكاملَ بين القِيمِ الربانيةِ الروحية والمادية في سياقِ بيانِ مقاصدِ رسالةِ الإسلامِ العظيمِ..خلقَ اللهُ تعالى الإنسانَ في أحسنِ تقويمٍ لقوله تعالى:"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ"وأنعمَ عليهِ بفطرةِ الإيمانِ لقوله تعالى:"فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا"وكرّمَهُ بنعمةِ العقلِ والإرادةِ وحريةِ الاختيارِ لقوله تعالى:"إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً"وشرَّفه فحمّلَهُ أمانةَ الاستخلافِ في الأرضِ لقوله تعالى:"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً"وشدَّ من أزرِه فسخّرَ له ما في السمواتِ والأرضِ لقوله تعالى:"وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ"وذلك من أجلِ النُهوضِ بجلالِ مَهمةِ الاستخلافِ وعمارةِ الأرضِ وإقامةِ الحياةِ..وأرشَدَهُ جلَّ شَأنُه إلى أنَّ تمامَ العبوديةِ الخالصةِ للهِ تعالى..لا تكونُ إلا مع التكاملِ والتلازمِ بين العبادةِ الروحيةِ والعبادةِ العِمرانيةِ..أي التكاملِ والتلازمِ بين القيمِ والأخلاقِ والسلوكياتِ..وبين العلمِ والمادياتِ والوسائلِ والمهاراتِ في ميادينِ الحياةِ..لذا جعلَ الإسلامُ تَشّكيلَ ذِهنيةِ الإنسانِ..وصِياغَة وجدانِه..وبناءَ قُدراتِه ومَهاراتِه..من أبرزِ المقاصدِ الرئيسةِ لرسالتِه الساميةِ..فبالعقلِ السليمِ والوجدانِ المستقيمِ والكفاءةِ والخبرةِ والمهارةِ..تَقُومُ الحياةِ الآمنةِ والتنميةِ الراشدةِ..فالأرضُ سكنُ البشرية لقوله تعالى:"وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ"ووطنُهم الأوسع وخزانُة رزقِهم الأوفر لقوله تعالى:"أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا"ورياضُ نُزهتِهم،ودوحةُ ظلِّهِم إلى الآخرةِ..هلا تعاونوا على البر والفضيلة لقوله تعالى:"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى"وهلا تنافسوا في الفعل الخيرات لقوله تعالى:"وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ"لتكونَ الأرض من بعد آمنةً مطمئنةً يَأتيهم رزقُهم رغدًا - بفضلِ ربِهم - منْ كُلِّ أطرافِها..لا شك أنهم فالحون إن فعلوا وصدقوا..؟لقوله تعالى:"فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"ولقوله تعالى:"وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم"فالله سبحانه لا يخلف وعده لقوله تعالى:"وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ"