ما أحقر قضايانا!

عثمان أيت مهدي

تعودت الانتقال بين القنوات التلفزيونية منذ تكاثرها على القمر الاصطناعي نايل سات، وتشابهها في الشكل والمحتوى، على شاكلة: استقبل فخامة الرئيس، وبعث جلالة الملك، وأضاف خادم الحرمين يقول.. وأشدّ ما يقلقني هو كثرة البحث لإيجاد حصة تليق باهتمامي وفضولي! كنت نادرا ما يستفزني موضوع أو يثير فيّ رغبة الإنصات والمتابعة، وهذا ما وقع لي في حصة حوارية بين السيدة بارعة الزبيدي، ناشطة حقوقية بالمملكة العربية السعودية، وعيسى الغيث عضو مجلس الشورى بنفس البلد، وكان الموضوع هو: "السعودية بين مؤيدي ومعارضي قيادة المرأة للسيارة".

حاولت المسكينة السيدة بارعة الزبيدي أن تبرأ نفسها من ذنب لم تقترفه وتدافع عن نفسها من كلّ تأويل لكلامها أو شكوك حول إخلاصها وحبّها لوطنها، وأنّها من خلال مطلبها لا تريد فوضى ولا فتنة ولا خروجا عن الحاكم، كلّ ما في الأمر أنّها تريد السماح للمرأة السعودية أن تقود سيارتها، مثلها كمثل أخيها الرجل. ويحاول عيسى الغيث أن يطمئنها على سلامة مطلبها إلا أنّ الزحمة بشوارع الرياض لا تطاق ولا تتيح للمرأة القيادة بسلام، أمّا خارج العاصمة والمدن الكبرى فلا بأس أن تقود السيارة إنْ تحصلت على رخصة من السلطات.

كيف لك أخي القارئ أن تعرض عن متابعة موضوع غريب كهذا الذي يقع في القرن الواحد والعشرين، ببلد عربي يستوحي فتاويه من المجهول، فلا القرآن ينص على تحريم السياقة، ولا النصوص النبوية، ولا السلف ولا الخلف الصالحين! وكيف يسمح للمرأة أن تخلو برجل سائق السيارة في زحمة شوارع الرياض ولا يسمح لها أن تسوق سيارتها معززة، مكرّمة!

انتابني الغضب من هذا الوضع المتردي الذي نحياه في ظل حكام يعيشون خارج الزمان، وتألمت لهذه السيدة رغم شجاعتها وجرأتها على طرح الموضوع وإثارته على الرأي العام والسلطات الحاكمة، وتمنيت لها التوفيق من الله وتأييد واسع من الشعب السعودي.

انتقلت إلى قناة أخرى، إلى خبر آخر يبكي العيون ويدمي القلوب، زوار بيت الله الذين أتموا مناسك حجّهم من السوريين ينتظرون السماح لهم بالدخول إلى وطنهم، وكلّهم خوف وهلع من ردّة فعل النظام المتعفن بسوريا الذي يرى من السعودية ألد أعدائه فوق الأرض، فلا سلام ولا كلام ولا حجّ إلى هذا البلد الآبق حكامه الظالم أهله، والسوريون الحجاج بين فكي كماشة، بلد هم أجانب عنه وبلد يرفضهم ويتوعدهم. دعوت الله أن ينقذنا وينقذهم من هؤلاء الحكام الذين اغتسلوا بمياه قذرة آسنة، وأصبحوا مصدرا للروائح الكريهة حيثما حلّوا وارتحلوا.

حوّلت هذه المرة الاتجاه إلى القنوات الأجنبية التي كثيرا ما تريحني من متاعب هذه الحياة الضنكى التي نحياها رغم أنوفنا، سواء من خلال قنواتها الإخبارية أو القنوات العمومية أو المتخصصة. لم يطل بيّ البحث عن موضوع أتابعه، فأنجيلا ميركل قد تمكنت المخابرات الأمريكية من التنصت على هاتفها الخلوي الخاص، وتفطنت ألمانيا لهذا السلوك المعادي للحريات والأخلاق، وترفضه القوانين الدولية، ورغم نفي أمريكا لهذا العمل إلا أنّ ألمانيا أقامت الدنيا وأقعدتها، فكيف لأمريكا أن تجرأ لارتكاب جريمة كهاته؟. بعد هذه الحادثة الغريبة تثير الصحافة الدولية قضية أخرى، أنّ عملية التنصت على الرؤساء والمسؤولين الكبار ومشاهير العالم تعتبر شيئا عاديا منذ سنوات.

أعرف أنّ ألمانيا ثالث قوة اقتصادية في العالم، لها القدرة على استرجاع حقوقها، واستعادة هيبتها، فلا يأكل الذئب لحم ذئب، ولا أسد يأكل لحم أسد، ولكن يأكل الذئب من الغنم القاصية. قلت وأنا أحدث نفسي، إذا كانت ألمانيا قد تنصتت عليها أمريكا، فما هو حال رؤساء وملوك العرب الأشاوس؟ كلّ ما يدور بينهم وبين مرؤوسيهم، وبينهم وبين أفراد عائلاتهم، وبينهم وبين طابورهم الخامس تحت أسماع وأنظار الولايات المتحدة الأمريكية ولا يملكون شجاعة فضح أنفسهم، إلا أنهم يجرؤون على تحريم السياقة والانتخاب على المرأة، واضطهاد شعوبهم، وسجن معارضيهم، وإسكات مفكريهم ومصلحيهم، وإشعال نار الفتنة بين رعيتهم إن اقتضى الأمر وغلّبت مصلحة الدولة على مصلحة الشعب.