توبة الفريق السيسي!!

حسام مقلد *

[email protected]

يحاول الإعلام المصري أن يرسم صورة براقة للفريق السيسي، ويقدمه للجماهير باعتباره قائدا عظيما، ورجلا شجاعا فذا يتمتع بالوطنية وحدة الذكاء والنزاهة والقوة والتواضع والاستقامة والورع والتدين...!! ويسعدنا ولا شك أن يكون وزير الدفاع المصري متصفا بهذه الصفات، وأن يتمتع بهذا النبل وهذه الأخلاق الحسنة لاسيما الورع والتدين، لكن ما ظهر لنا من أفعاله، وما سمعناه من أقواله يخبرنا بعكس هذه الصورة!! ولا أدري ما علامات الورع والتدين الذي يتحدثون عنه في شخصيته؟! وربما كان الرجل متمتعا على المستوى الشخصي بقدر عالٍ من الانضباط العسكري والالتزام السلوكي، لكن هل يعد ذلك ورعا وتدينا واستقامة بالمفهوم الديني؟! وما علاقة ذلك بالوضع المحتقن بشدة في مصر الآن سياسيا واجتماعيا، وهو الذي أشعل الأوضاع بانقلابه العسكري؟! لنناقش ذلك في النقاط التالية:

أولا:

من المفارقات العجيبة أن الانقلابيين طالبوا بتنحية الدين وإبعاده عن السياسة، بل صرح الفريق السيسي نفسه لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية بأن سبب انقلابه على الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي استناد الأخير إلى مرجعية إسلامية، وسعيه لإعادة الخلافة الإسلامية... فلماذا يتم الآن استدعاء الدين للمشهد السياسي المصري المأزوم بل المشتعل؟! ألم يحضروا شيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية في مشهد إعلان الانقلاب العسكري الظالم يوم3/7 ؟! ألم يدفعوا مفتي مصر السابق ليبيح لهم باسم الدين قتل المتظاهرين بلا رحمة أو شفقة؟! أم أن التدين حلال على الفريق السيسي حرام على الرئيس مرسي؟!

ثانيا:

إذا كان الفريق السيسي متدينا فعلا فلِمَ قتَلَ أكثر من ستة آلاف إنسان بريء (بحسب الإحصائيات المحايدة) وأحرق بعضهم أحياء؟! ألم يقرأ قول الله تعالى: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا" [المائدة:32] وقوله عز وجل: "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ" [الإسراء: 33] ألم يشاهد السيسي قتل الأبرياء في رابعة والنهضة والمنصورة وعند الحرس الجمهوري ومسجد الفتح ...؟! ألم يشاهد مذابح الضحايا الذين سفك دماءهم وأزهق أرواحهم وأحرق أجسادهم ظلما وعدوانا؟! ما الجريمة التي ارتكبها هؤلاء ليستحقوا القتل بهذه البشاعة؟! أم أن من طقوس تدين الفريق السيسي قتل آلاف الأبرياء بينهم نساء وأطفال لمجرد أنهم يناصرون الشرعية ويرفضون الانقلاب ويعبرون عن رأيهم بكل رقي وسلمية؟!

ثالثا:

ألا يدرك الفريق السيسي هذا الرجل التقي الورع المتدين الذي يخاف الله تعالى ويخشى لقاءه يوم الحساب "يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)" [الشعراء: 88 -89]... "يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)" [عبس: 34- 37] ألا يدرك حجم الكارثة التي ارتكبها؟!

لقد حرَّض على الإمام الشرعي صاحب البيعة، وبالتعبير العصري حرَّض على الرئيس الشرعي المنتخب بانتخاب حر مباشر، وسلَّط عليه أجهزته الأمنية والإعلامية فألَّبُوا الناس عليه، وشنُّوا ضده حملة شعواء استمرت أشهرا طويلة، واصطنع (البلاك بلوك) و (تمرد) للنيل منه... ومحصلة ذلك كله إحداث فتنة عظيمة في المجتمع المصري، بل في الأمة العربية والإسلامية كلها!!

لقد شق السيسي بانقلابه العسكري الظالم وحدة الصف المصري، وساعد على تمزيق نسيجه الاجتماعي المتماسك من خلال الشحن الطائفي والسياسي وترويع الناس وتخويفهم من الإخوان، والسعي لجر البلاد للعنف ووضعها على شفا حرب أهلية تنفيذا للمخطط الصهيوأمريكي، لقد اغتال السيسي بانقلابه الغاشم حلم المصريين والعرب والمسلمين في تقديم نموذج حضاري إسلامي مدني ناجح تتحقق فيه العدالة والمساواة بين الناس، ويحصل الجميع فيه على حقوقهم بكل يسر انطلاقا من مبدأ المواطنة، فبدلا من ذلك زرع الفرقة والخلاف والفتنة في المجتمع الواحد بل في العائلة الواحدة، ألا يدري بشاعة جريمته؟! ألا يعلم خطورة إشعال نيران الفتنة في المجتمع؟! ألم يقرأ قوله تعالى: "وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ" [البقرة: 191] وقوله عز وجل: "وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ" [البقرة: 217]

رابعا:

لماذا لا نرى حول الفريق السيسي الرجل المتدين غير الممثلين والممثلات والراقصين والراقصات، ودعاة التعري والشذوذ والانحلال والفاسدين المفسدين، وفلول المخلوع مبارك، وذوي المطامع والمآرب؟! وأين العلماء والباحثون؟! أين المفكرون والمبدعون المحترمون من غير أولئك السفهاء المنحرفين الذين أدخلوا من خلال أعمالهم وأفلامهم الإباحية على الأسرة المصرية مشاهد السحاق والشذوذ والخلاعة والمجون، والذين لا يمانعون في ممارسة بناتهم وأخواتهم للزنا تحت دعوى الحرية الشخصية؟!

أين الفضائل والقيم ومكارم الأخلاق في مشروع السيسي (الرجل المتدين...!!) لحكم مصر؟! بل أين العمل والإنتاج والتقدم العلمي والنهضة الصناعية والعمرانية؟! بل أين الأمن والاستقرار الذي وعد به الناس؟! ألا يعرف حجم الإهانة والترويع وتدمير المعنويات الذي ارتكبته قواته الغاشمة في دلجا وكرداسة وناهية ورفح وسيناء...؟! ألم يسمع عن اعتقال الفتيات والنساء والأطفال وغلق آلاف المساجد؟! ألا تؤثر فيه دماء الشهداء؟!!

خامسا:

أذكر الفريق السيسي بصفات عباد الرحمن إن كان يريد أن يكون واحدا منهم (...!!) يقول الله تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)" [الفرقان: 63-77]

وأخيرا ليسمح لي الفريق السيسي الرجل المؤمن المتدين أن أسأله هذا السؤال: هل يحب أن يكون ممن (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) أم يسارع إلى التوبة ليغفر الله تعالى له ويكون ممن "يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ" ... (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المجادلة: 22]

أرجو أن يصل هذا الكلام للفريق أول عبدالفتاح السيسي شخصيا، ومؤكد أنه يعلم شروط التوبة المقبولة وأولها رد المظالم إلى أصحابها، وإرجاع الحق لأهله، والندم على ما فات... وأسأل الله تعالى أن يلهمه الرشد والصواب ويعلم ثقل الدماء التي في عنقه وخطورة الفتنة التي أشعلها، وأتمنى أن يقرأ الفريق السيسي هذه المقالة بعقلية الإنسان المتدين حقا الذي يقبل النصيحة، لا بعقلية من وصفهم الله تعالى بقوله: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)" [البقرة: 204-206] ... وعلى الله قصد السبيل.

               

 * كاتب إسلامي مصري