عن أيِ عودةٍ تتحدثين؟؟

هنادي نصر الله

[email protected]

حين طلبتْ مني سيدةٌ فاضلةٌ اسمها " اعتماد الطرشاوي" والتي تشغل مدير عام التشغيل القطاعي في وزارة التخطيط في قطاع غزة أن أكتبَ عن حق العودة؛ سألتُها بعفويةٍ " أي عودة"؟؟

أجلْ.. أيُ عودةٍ هذه التي تُريدين مني أن أكتبَ عنها؟ عودةُ اللاجئ الفلسطيني المشرد إلى مخيم اليرموكِ مثلا؟ أم عودة لاجئ شاتيلا وعين الحلوة ونهر البارد إلى الحياةِ في مخيماتهم سابقة الذكر رغم قسوتها وسوئها..

أتقصدين العودة الجزئية، أم العودة الكلية إلى فلسطين التاريخية عام ثمانية وأربعين؟

عزيزتي.. حتى حق العودة أصبح حقًا مجتزئًا، ناقصًا، مهترئًا، تعتريه عوامل التعرية السياسية القبيحة بين الحينِ والآخر، تُشوهه حساباتُ الدول العظمى في العالم، وتنالُ منه مفاوضاتٌ عبثيةٌ ما انفكتْ تُحقر المقاومة وتُجرم من يُطالب بالعودةِ إلى دياره..

من يحمل مفتاح بيته هو إنسانٌ أحمق؛ متخلف، أبله.. يقولُ المفاوضون تحت  وفوق طاولة التفاوض؛ التي لطالما كانتْ عنوانًا للتنازلات الضارة بالقضية الفلسطينية ومشروع التحرر، هم لا يخجلون حتى من التنكر لأحلام اللاجئين علنًا أمام عدسات الإعلام ووسائل التلفزة..!

أتنكرين عليّ أن أسألك أي عودةٍ هذه التي تتحدثين عنها؟ هل هي عودة " الكابونة" والمساعدات الإنسانية للاجئين التي قطعتْها عنهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ـ الأونروا، بذريعة أن وضع بعضهم المادي السيء تحسن وأصبح جيدًا؛ فأضحوا بمقدورهم أن يستغنوا عن الكابونة...

لعلكِ تفهمينني الآن وأنا أدقق في هتافات اللاجئين الفلسطينيين التي  تغيرت بحكم المرحلةِ التي نعيشها في ظل الحصار الإسرائيلي المشدد ضد القطاع وفي ظل ثورات الربيع العربي آلا تسمعين معي ماذا يقولون" اللاجئ يريد عودة الكابونة، اللاجئ يريد العودة لمخيمه في اليرموك، اللاجئ يريد إصلاح مخيم نهر البارد، اللاجئ يريد تحسين أحوال مخيم الشاطئ.. ....ودواليك..

هكذا تطورتْ معاناة اللجوء من الخيمة السوداء، إلى المخيم في الداخل والخارج، إلى الحروب التي يكتوي بنارها اللاجئ، وكأنّ مآسيه مع التهجير لا تكفيه ولا تُبرر له مساعيه نحو العودة والتحرير...

أتعلمين ما الذي يملأني حنقًا، أن يغرق اللاجئ وهو في سفينه النجاة، أن يتعلق بقشة في المياه الدولية، أن تصفعه كل قرارات الشرعية الدولية، أن يُصبح القرار الدولي  مائة وأربعة وتسعين وصمة عار على جبين من أقروه بعد أكثر من ستة عقودٍ على النكبة؛ فلم يعد اللاجئ ولم يُعوض ولم يُكرّم في غربته إلى حينِ عودته..

حق العودةِ لا أحد ينكره، لا أحد يتخلى عنه من اللاجئين المُحاربين في كل شيء، حتى في غربته مضطهدين، حق العودة واضحٌ كالشمس في وضح النهار، لكنه بحاجةٍ إلى الكثير من الخطوات التي تغرسُ في عقول الناشئين الوعي بقيمته المادية والمعنوية..

تُعجبني جداتنا الكبيرات وهنّ يستهزئن" لو أعطوني مال الدنيا ما بتساوي بسمة حب في أرضي التاريخية" يروق لي آمال أجدادنا بينما مفتاح بيتهم معلقٌ في رقبتهم" هل نقبل ترابنا قبل مماتنا"؟؟

أستنكر وبشدة أن يكون التعاطي مع قضية اللاجئين وحقهم في العودة، تعاطيًا موسميًا؛ ذلك يتطلب من كل الدوائر الرسمية وغير الرسمية أن تتكاثف لوضع خطط استراتيجية لحماية مشروع العودة إلى فلسطين التاريخية،خططٌ تضع في الحسبان تطلعاتِ الناس، بحيث تكونُ سدًا منيعًا أمام كل مشاريع التوطين وخيارات الوطن البديل في ظل عملية التسوية الهزيلة أو تُعرف بالمفاوضات بين فريق السلطة الوطنية الفلسطينية والكيان الإسرائيلي..

وتبقى عزيزتي.. العودة مطلبنا وحقنا التاريخي، غير القابل للتنازل أو التعويض...