إعلام البيادة !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

انقطعت الكهرباء بصورة متكررة ولمدد طويلة على مدى الأيام والأسابيع الماضية ، ولم يحدث صدى لهذا الانقطاع في الصحف وأجهزة الإعلام . لم يصرخ مذيع ولم يلطم كاتب ولم يهتف متحدث في الإذاعة والتلفزيون بسب محمد مرسي ولعن مرشد الإخوان كما كانوا يفعلون قبل الانقلاب. السادة الإعلاميون ابتلعوا حبوب الصمت والسكينة ولم ينطقوا بكلمة لأن الأمر يخص السادة الذين يسوقونهم ويلوحون لهم بالسوط والركل بالبيادة .

عندما كانت الكهرباء تنقطع في عهد الرئيس المختطف محمد مرسي كانت الدنيا تقوم ولا تقعد . كانت البطولات تنعقد للمذيع أوالكاتب أو المتحدث الذي يعلو صوته ويهين رئيس الجمهورية المنتخب ويسب الإخوان والإسلام بأكبر كمية من السباب الفاحش البذيء ! وكان هؤلاء الأبطال مطمئنين تماما أن أخلاق الرئيس المسلم لن ترفع السوط ، ولن تركلهم بالبيادة لأنه لم يكن يملك البيادة .

الوضع الآن اختلف ، فالانقلاب العسكري الدموي الفاشي عبر عن الموقف الحقيقي للعسكر الذين يرفضون حرية الشعب واختياراته وحكمه لنفسه .وهم من خلال المجلس العسكري لم يتورعوا عن اللعب بالشعب والضحك عليه بعد ثورة يناير عن طريق مدّ المدة الانتقالية والضحك على القوى السياسية وتأخير العدالة الانتقالية وإتاحة الفرصة للمجرمين لإخفاء أدلة الإدانة وتهريب الأموال والهروب بعيدا عن الوطن وقبضة العدالة ، فضلا عن التفريط في دماء الشهداء ماديا ومعنويا .

الانقلاب العسكري الدموي شطب الثورة تماما وأعاد نظام مبارك في صورة أكثر وحشية وأشد إجراما ، ويكفي أنه حول الإعلام إلى منشور من الشئون المعنوية مهمته الرئيسية شيطنة الإسلاميين وتقديمهم للعالم بوصفهم إرهابيين دمويين معادين للحياة والمجتمع والإنسانية والثقافة والفكر مما يستوجب من وجهة نظر الانقلابيين ومؤيديهم قتلهم بلا رحمة وتصفيتهم بلا شفقة !

لقد تحولت الصحف والإذاعات والشاشات التلفزيونية إلى حفلة يومية صباحية ومسائية لسبّ الإسلاميين ولعنهم وتشويههم والتشهير بهم وتحليل دمائهم والحض على الانتقام منهم بكل الطرق المتاحة .

والمفارقة أن من أتاح لهم الإسلاميون فرصة الوصول إلى مناصبهم الرفيعة في الصحافة والإعلام دون أن يقبّلوا حذاء الأمن في لا ظوغلى كانوا أشد إجراما في حملتهم ودعواتهم للانتقام من الإسلاميين .. لماذا ؟ لا أدري ! ولا تفسير لذلك إلا الخسة والوضاعة التي يتمتع بها أولئك النفر من العبيد الذين يرفضون الحرية ولا يستطيعون العيش في أجوائها ، ولكنهم سعداء بكل تأكيد حين يقومون بتلميع بيادة الانقلاب الدموي في الصباح والمساء ، ولا تسل عن قضايا الاقتصاد والمجتمع والتعليم الثقافة وبناء الوطن وحل مشكلاته ، فهذه أمور لاتعنيهم من قريب أو بعيد . المهم تلميع البيادة بإهانة الإسلام والمسلمين ، أي إهانة الشعب المصري في صورة الأغلبية الساحقة .

تأمل ما يقوله خسيس وضيع في مقاله اليومي في صحيفة يملكها الشعب ويغطي خسائرها اليومية من كده وعرقه وهو يكفّر الإسلاميين ويخرجهم من الملة وينفي عنهم كل صفة إنسانية وهم الذين أتاحوا له أن يصل إلى منصبه بطريقة محترمة متحضرة . إنه يقول : " ..أيها الإخوان المجرمون.. أجيبوا علي سؤال المصريين.. ردوا.. ماذا تعرفون عن الإسلام..  هل الإسلام يعني الاستيلاء علي السلطة بأي ثمن.. وعلي حساب أرواح المصريين.. أبدا لن نسمح لكم بتشويه صورة الإسلام.. أياديكم ملطخة بالدماء.. ودماء من؟! دماء المصريين الذين خدعتموهم.. وتصوروا أن حل مشكلات مصر يمكن أن يكون علي أيديكم.. ولهذا انتخبوكم!

للأسف الشديد كنا مخدوعين.. لم نر حين مدوا أيديهم سوي المودة.. بينما أياديهم كلها ممدودة بالخناجر والجنازير والبنادق والرشاشات.. والقنابل والمتفجرات ووجدنا العمليات الانتحارية من الإرهابيين المتعاونين مع الإخوان المسلحين.. لقد طعنوا المصريين في ظهورهم.. .." الخسيس الوضيع الذي كان مهمشا ومهملا في أحشاء مؤسسته الصحفية حتى أتاح له الإخوان فرصة التنافس على منصب كبير يصفهم بالمجرمين ويجردهم من الإسلام ، ثم يدعي الخسيس الوضيع كذبا أنهم يسفكون الدماء ويحملون الخناجر والجنازير والبنادق والرشاشات ويحولهم من ضحايا إلى جناة ، ونسي الخسيس الوضيع أنهم لوكانوا دمويين كما يصفهم لمسح أحذيتهم مثلما يمسح بيادة سادته العسكر الآن ، ونسي الخسيس الوضيع أنهم لوكانوا قتلة يحملون السلاح كما وصفهم ما سمحت ألوفهم التي تبلغ المئات أن يٌقتل أتباعهم في رابعة أو يُطبخوا حسب تعبير الصحفي الحقيقي روبرت فيسك الذي يملك ضميرا حيا ولا يجيد تلميع البيادة . الإسلاميون ياللمفارقة يرفضون العنف ويؤمنون بالسلمية ويعتقدون أن من قتل نفسا بغير نفس فقد قتل الناس جميعا ! 

خسيس وضيع آخر يدعو إلى القسوة لردع المعارضين للانقلاب ، وإن كان يحصر المعارضة مثل غيره من لاعقي البيادة في الإخوان ، ويقوم بدور المخبر الرخيص ليدل على مايسمى بالقيادات الوسطي . يقول الخسيس الوضيع : هناك قيادات إخوانية وسطي مجهولة للأمن هي المنوط بها تخطيط وتحريك أعمال العنف والإرهاب علي مستوي مصر كلها بما فيها سيناء.. بدليل أن هذه الأعمال مستمرة بعد إلقاء القبض علي معظم القيادات العليا للجماعة.

 ......

ولكي نصدر اليأس إلي نفوس الإرهابيين يجب معاملتهم بقسوة بالغة خاصة إذا كانوا مسلحين.. ويجب ألا يكتفي بالقبض عليهم متلبسين ثم تصدر النيابات العامة قرارات حبسهم علي ذمة التحقيق في الاتهامات الموجهة إليهم.. بل يجب إحالتهم إلي محاكمات عاجلة..    

نحن نطالب الأمن باستخدام القبضة الحديدية الرادعة والفورية وإلا سيتمادي هؤلاء الإرهابيون في غيهم.

لا حقوق إنسانية لأي إرهابي يروع المواطنين المسالمين"!

خسيس وضيع آخر تربي في حضانة البيادة خادما ذليلا وعبدا  مطيعا  يدعو إلى إنشاء حرس وطني على غرار ما حدث في حرب 1956 ضد العدوان الثلاثي بأقصى سرعة ، ولكن هذه المرة ضد أبناء الوطن الذين يرفضون الانقلاب العسكري الدموي الذي أطاح بالشرعية والإرادة الشعبية في أقذر مزبلة ، وضرب عرض الحائط بكرامة الوطن والمواطنين ...

هذا بعض ما يقدمه إعلام البيادة في مجال الصحافة ، أما ما ما يقدمه هذه الإعلام الداعر في الإذاعات وعلى شاشات الفضائيات الرسمية والمتعهرة فحدث ولا حرج !

إعلام البيادة إعلام بلا خلق ، لأن إعلام الدنيا  يتكلم بمنطق غير منطقه . هو منطق الواقع الذي يؤكد على رفض الشعب المصري للانقلاب الدموي الفاشي ، ويعبر عن رفضه بالخروج اليومي إلى الشوارع منذ ثمانين يوما دون أن يحمل سلاحا أو عصا أو نبلة !