إنها الجماعة والله ينصرها

محمد فريد الرياحي

[email protected]

قد كان ما كان مما أذكره، ويذكره الذاكرون في المجالس والمجامع حين اليسر، وحين العسر، قراءة للحدث، وتحليلا لما كان من الأسباب التي دعت إليه، والدوافع التي حضت عليه، فلا راد له،إذن، فيما هيئ له من هذه الدوافع، وحضر من تلك الأسباب، في السياق الذي هو لها مكانا وزمانا. لقد كان هذا الذي كان، في جو من التآمر على الجماعة من خصومها داخل مصر وخارجها، وليس هذا التآمر بالذي يخفى على من له بصر وألقى السمع وهو شهيد، وهو التآمر الذي واجهته الجماعة خلا ل القرن الماضى، فيما آدها من اللظى، ونالها من الأذى، فلم ترتدد عن وجهتها التي اختارت، ولم تتخل عن طريقتها التي سلكت، وكيف يكون ذلك منها وهي التي أوفت بوعدها ووفت لعهدها، غير عابئة بما أصابها ويصيبها من الشدائد، وناءها وينوؤها من الزعازع، فكان لها النصر المكين، والفتح المبين، بما صبرت، بل بما اصطبرت في الخضم الذي اشتد واحتد حولها، فنال منها من غير أن تكون له القدرة على إغراقها.

فهي ما زالت قائمة بالحق، مقيمة عليه إلى يوم تشخص فيه الأبصار، ذلك بما لها من القيم التي لا تبلى، والمبادئ التي لا تفنى. ورحم الله الإمام حسن البنا، ورحم الإخوان الشهداء والشهداء الإخوان الذي قتلوا في سبيل الله. وها هي الجماعة تواجه، فيما واجهته من المحن، محنة أخرى كشرت عن أنيابها، وأبانت عن أظفارها، في همجية من التنكيل، ووحشية من التقتيل، هي للطغيان ومن الطغيان في جو من التغول والتفرعن يزداد تغولا وتفرعنا، وحقدا وضغينة، كلما حانت فرصة الإجرام، وينسى أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وأن الظلم إلى أجل لا يتجاوزه، وحد لا يتعداه، وأن الله ناصر الذين اعتصموا بحبله، فلا راد لقوله الفصل، ولا معقب على حكمه الحق، فمن يستطيع،إذن، من الجبارين والطاغين والمجرمين نفي ما قدر في الأزل من النصر للمؤمنين الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، من من القتلة يستطيع القضاء على الإرادة الإيمانية في القلوب والعقول، في الحركات والسكنات، في الحياة وفي الممات، من يستطيع من هؤلاء الفجرة إطفاء نور الله الذي لا يبلى ولا يفنى؟ ولقد سبقهم إلى الإجرام مجرمون كانوا أشد منهم قوة، وأقوى منهم بأسا، فلم يفلحوا في قمع الجماعة التي لا تنقمع بما آتاها الله من الحكمة وفصل الخطاب، ورزقها من الصبر والاصطبار في البأساء والضراء وحين البأس.

ألم ير المجرمون كيف قامت هذه الجماعة قومة رجل واحد، وكيف أسست بنيانها على تقوى من الله، وكيف دعت إلى الله على بصيرة هي ومن اتبعها؟ ألم يروا كيف دامت دعوتها واتصلت فلم تنقطع، ولم تنفصل على ما أصابها من العناء على أيدي الفراعين؟ ألم يدركوا أن ما فعلوه ويفعلونه من الإثم والعدوان إلى خسران لا يفوقه خسران، وأنهم زائلون في يوم يكون عليهم وبالا ووباء بما طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، وبما ران على قلوبهم من الران ، فأوغلوا في الطغيان، وأمعنوا في العصيان والله لا يهدي القوم الظالمين؟ ها هي الجماعة مقبلة غير مدبرة، تسعى صادقة لما عاهدت عليه الله  من الذوذ عن الملة والسنة، في عزم ركين، وحزم مكين، لا يروعها من الإجرام ضرب ولا نهب ولا سلب، ولا يفتنها عن وجهتها التي ارتضت، وطريقتها التي اختارت، ما تبدعه الآلة العسكرية من الترغيب تارة، ومن الترهيب تارة أخرى. ها هي ما ضية في سبيلها ترجو من الله ما لا يرجو المجرمون الضالون المكذبون الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وما لهم من ناصرين.

((وامتازوا اليوم أيها المجرمون ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جـِبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم  بما كنتم تكفرون))..