أرقام تلجم الكلام

د. ضرغام الدباغ

[email protected]

مليون ونصف سكن عشوائي في بغداد ! حسب تصريح محافظ بغداد، فماذا يدل هذا الرقم. هناك دلالة مباشرة وأخرى مستترة غير مباشرة. المباشرة منها تشير أن مساحة الفقر قد اتسعت بشكل خطير، لدرجة أن لا يجد مواطنون عراقيون أمكانية السكن سوى في سكن غير مشروع، وغير صحي بالطبع، ولا أحد يسأل عن الخدمات الأساسية، فالعوائل تسكن في فيما يشبه الأكواخ من الصفيح أنتشرت في الأنترنيت في الآونة الأخيرة، كما شاهدنا عوائل عراقية كاملة تسكن في مكبات النفاية، لماذا يتضاعف الفقر فيما يتضاعف دخل العراق فقط من النفط الخام ؟ أما المؤشر المستتر، فيشير إلى أعداد كبيرة من البشر تتخذ من بغداد سكن لها، بأهداف اقتصادية وسياسية / ديمغرافية.

هذه حقائق علمية مرعبة، نعم نحن ندرك أن هناك بعض الفقرات في المشهد العراقي العام تمثل إرادة المحتلين التي ما زالت نافذة، ولكن ما زالت هناك مساحة كبيرة مهدورة من العمل الوطني، فالوضع العراقي اليوم بائس أكثر بكثير من أيام الحصار، وأسوء من اليوم الأخير للحرب والاحتلال، وأسوء بكثير من اليوم الذي أعلن الأمريكان أنسحابهم، وبل ويتعمق المستنقع العراقي ويزداد تورط الغاطسين فيه.. 

في الأعوام الأخيرة للثمانينات، قبل الحصار: صدر العراق ما قيمته  نصف مليار دولار محولات كهربائية للأتحاد السوفيتي آنذاك، كما كان يصدر الفوسفات كأسمدة أو منتجات بحوالي ثلاثة أرباع المليار دولار، وهذه الأرقام كبيرة جداً بمقاييس ذلك الوقت (قبل خمسة وعشرون عاماً) وكان هناك تصدير واسع للأسمنت العراقي، وإنتاج صناعي عراقي عام واعد وكان يبشر بمستقبل كبير للصادرات العراقية في كافة المجالات وخاصة في مجال البتروكيمياويات، وفي تلك السنوات (رغم صعوبتها) أشارت إحصاءات للأمم المتحدة أن العراق على وشك ان يغادر قائمة البلدان النامية، واليوم وبينما تتضاعف الميزانية العراقية أضعافاً مضاعفة، يتراجع الموقف الاقتصادي والاجتماعي بدرجة عكسية.

بتقديري أن هذه الحقائق الكبيرة ينبغي أن تقنع كل من له يد أو رأي في الشأن العام، أن لابد أن تجتمع إرادة كافة القوى السياسية العراقية طالما لم يزل في باطن الأرض وظاهرها ما يستحق الحديث والعمل، أن تتحد الجهود في برنامج وطني شامل، فالكارثة كبيرة جداً، وهي أكبر من طاقة وقدرة أي حزب التصدي لها، أو جهة، وغير هذا إنما قبض للريح.

المعطيات المادية المجردة عن العواطف والأتهامات، تشير أن الخسائر في الأرواح خلال الأشهر الثلاثة الماضية بلغت (2500) حسب تصريح وكالة الأمم المتحدة(يونامي)، وبنفس الوقت حذرت من إن العراق يقف على حافة حرب أهلية. وتصاعد العمليات خلال شهر حزيران الماضي إلى (2532) مواطنا حسب تقرير بعثة الأمم المتحدة في العراق. منها (761) قتيل و(1771) جريح. ومن الجهات العراقية من يؤكد أن هذه الأرقام الصادرة من الوكالة الدولية لا تمثل الحقيقة الكاملة، فالأرقام الصحيحة هي أضعاف ما يذكر.

الحكومة والنظام يتوسلان كل شيئ للأستمرار في السلطة. تتنازل عن  الأراضي الوطنية جنوباً، والتساهل من أجل الإبقاء على تحالفات هشة شمالاً، وأنفلات أمني غير مسبوق في تاربخ العراق، ظواهر تؤكد أن النظام لم يعد مقنعاً إلا لمن جاء به، ويجد المصلحة في بقائه.

أي دولة هذه يصرح فيها علناً بأنها طائفية، نظام يستخدم علناً كلمات ومصطلحات : الإقصاء والتهميش والاجتثاث، التطهير، دولة بلا رئيس جمهورية لما يقارب العام، القضاء فيها مليشياوي، والشرطة عبارة عن حاصل جمع وتقسيم ودمج، ما يجعلها أداة للقتل لا لتحقيق وتطبيق القانون، المحاكم تعمل حسب توجهات الدولة السياسية، بلد صار الفساد فيه عنواناً رسمياً، ما هو الأمل ... وأين هو المستقبل ... لا يوجد من يستطيع أن يجيب على هذه التساؤلات المصيرية.

سمعنا وقرأنا الكثير عن ما حدث في أو غريب والتاجي، ولكني أرجو من الجميع التحلي بالموضوعية، وبالجوهر دون الشكل الخارجي السطحي للأشياء، المذهل في الأمر هو أن تكون ألوفاً مؤلفة في السجون، الذي يجب أن يستنكر وتسلط عليه الأضواء هو أعداد السجون في العاصمة والمحافظات، أهذا هو الفجر الجديد الذي وعدوا به العراق.

دون ريب، أن مسببات هذا التراجع العظيم عديدة، ولابد من الاعتراف أن الكثير منها موضوعية / خارجية، مفروضة على العراق بحكم الاحتلال وما نجم عنه، وهو لا يزال سار المفعول، وأن قوى الاحتلال الأمريكية والإيرانية والاسرائيلية ما تزال تمسك بخناق العراق، وتمنعه من التنفس، ومن ذلك تدمير المكونات العراقية : السياسية / الاقتصادية / الثقافية، وبث شتى صنوف الألغام التي تنفجر بالملامسة، وتحول دون إجراء أي تقدم وعلى أي صعيد له أهمية.

هذه الأرقام والحقائق والوقائع كبيرة، بل ومذهلة، ولكن الدهشة سوف تتضاءل أمام حزمة إحصائيات مرعبة وحقائق مادية مؤكدة، حتى يكاد المرء لا يصدق عينه وعقله ووعيه. وأمام هذه المعطيات فإن أي كلام سيبدو لا معنى له، فالمطلوب عاجلاً العمل المشترك بين جميع العراقيين دون إقصاء ولا تهميش ولا أستثناءات، وأستخدام أي من هذه المصطلحات تعني التسويف والمماطلة ليس إلا.

هذه الأرقام هي سبب جراحنا، ومؤشر أمراض، وسبب يدعونا لأن ننهض من جديد. ليتناهض العراقيون من أجل تأسيس دولة عصرية حقيقية للجميع، وليعلم الجميع أن مواصلة العمل بأفكار بخطوط اليوم يعني هو تواصل أن يصفي العراقيون بعضهم بعضاَ على الهوية، تلبية لمصالح أجنبية، لنقم أخيراً دولة محترمة تليق بمواطنين محترمين يجيدون فن الحديث بلا عدوانية واعتداء، ومستمعين يجيدون فن الأصغاء للمقابل.

هذه مهمة الآن، بل حالاً ...... من يضع الحدود والشروط والإبعاد والتهميش والاقصاء وما إلى ذلك من كلمات تبشر بالطغيان، لا يريد لهذا الوطن أن يكف عن الأغتسال بالدم. كفى ألم نشبع من أكل لحم بعضنا .... أقرأوا هذه الأرقام وترحموا على أنفسكم.

* ,500,000 مليون شهيد (حسب إحصائيات وزارة الصحة العراقية والطب العدلي حتى كانون الأول 2008).

* 1,000,000 مليون أرملة عراقية (حسب إحصائية رسمية صادرة عن وزارة المرأة العراقية  عام 2008).

* 4,000,000 مليون طفل يتيم (إذا كان معدل العائلة العراقية من 4 إلى 6 أطفال حسب تقديرات وزارة التخطيط).

*  800,000 مغيب (مفقود) (حسب إحصائيات الدعاوي المسجلة لدى وزارة الداخلية العراقية حتى كانون الأول 2008).

* 340,000 سجين في سجون الدولة بضمنها سجون إقليم كردستان (حسب إحصائيات مراصد حقوق الإنسان، علما بأن القوات الأمريكية كانت قد اعترفت رسميا بوجود 120,000 سجين لديها).

*  4,500,000 مليون مهجر خارج العراق (حسب إحصائيات المتقدمين بطلبات للحصول على جوازات فئة "ج" لدى مديرية الجوازات العراقية حتى نهاية كانون الأول 2008). 

*  2,500,000  مليون مهجر داخل العراق (حسب إحصائيات وزارة الهجرة والمهاجرين والمهجرين العراقية). 

* 76,000 حالة ايدز، بعدما كانت 114 حالة فقط قبل الاحتلال (حسب الإحصائيات المسجلة في وزارة الصحة العراقية). 

*  انتشار المخدرات المستوردة  في طبقة الشباب وبنسب مخيفة (إحصائيات وزارة الصحة العراقية ومركز مكافحة المخدرات والإدمان الكحولي في وزارة الصحة العراقية).  

*  ثلاث حالات طلاق من كل أربع حالات زواج بعد الاحتلال (حسب إحصائيات وزارة العدل العراقية). 

*  40% من الشعب العراقي أدنى من مستوى الفقر (حسب إحصائيات وزارة حقوق الإنسان العراقية).  

 550 كيان سياسي (إحصائيات مفوضية الانتخابات العراقية).

* 11,400 منظمة مجتمع مدني (وزارة الداخلية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية).

* 126 شركة أمنية تدار من أجهزة المخابرات الأجنبية (مسجلة في وزارة الداخلية العراقية).

* 43 ميليشيا مسلحة تابعة للأحزاب (مسجلة في وزارة الدفاع ووزارة الداخلية العراقية –  لجنة دمج الميليشيات).

*  220 صحيفة وجريدة ممولة من أجهزة المخابرات الأجنبية (نقابة الصحفيين العراقيين).

* 45 قناة تلفزيونية ممولة من أجهزة المخابرات الأجنبية (أدارة القمر الصناعي نايل سات وعرب سات).

* 67 محطة راديو ممولة من أجهزة المخابرات الأجنبية (هيئة الأعلام والترددات العراقية).

* تدمير شامل ومبرمج للبنى التحتية من قبل الاحتلال وحكوماته المتعاقبة (وزارة التخطيط العراقية).  

* انحدار التعليم الجامعي والأساسي. (منظمة اليونسكو ـــ رفع الاعتراف بالشهادات العراقية).  

* بقاء العراق يفتقر إلى خدمات الهاتف، ليحتكر شبكات الاتصالات أربعة أشخاص فقط. يديرون أربعة شبكات بقيم 12 مليار دولار لكل شبكة، تضم ملايين الخطوط.

* عشرات الآلاف من الشهادات المزورة للمسؤولين والضباط والمدراء العامون وكوادر الأحزاب الذين يشغلون مناصب قيادية في الدولة (إحصائيات هيئة النزاهة العراقية).  

* فساد كامل لهيكلية الدولة الإدارية والمالية وفي جميع المفاصل  (منظمة الشفافية العالمية).  

* احتقان طائفي / إثني / طبقي بين مكونات الشعب العراقي. (منظمة المؤتمر الإسلامي). 

* أكثر من 11,400 مقر لأحزاب السلطة بشكل رسمي أو بشكل غير رسمي، كأن يكون مقر شركة مقاولات وهمية أو جمعيات خيرية كغطاء لأعمال الأحزاب وهذه المقرات  في الغالب أبنية دولة أو أبنية تم الإستيلاء عليها من أصحابها الشرعيين بعد تهجيرهم أو تصفيتهم أو مؤجرة بإيجارات تدفع من ميزانية الدولة.  

* تبديد ثروات العراق النفطية وثرواته المعدنية وأراضيه ومعامله ومصانعه عن طريق توزيع أراضي العراق بموجب قانون الاستثمار سيء الصيت على المنتفعين من الأحزاب العميلة وبعقود طويلة الأمد وكذلك بيع وتأجير ثروات العراق ومعامله وهي ملك للشعب العراقي، فقد تم بيعها وتأجيرها لكي يضعوا موظفي وعمال تلك المصانع بين فكي سندان ويقضوا على موارد العراق وثرواته. 

*  سيطرة التخلف على المجتمع العراقي، فبعد أن كان العراق قد محى الأمية في العام 1977 وكان الدولة الأولى بالعالم التي تمحو الأمية بالكامل حسب منظمة اليونسكو.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقالة جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى القنوات العربية نهاية شهر تموز / يوليو / 2013