ما أجملَ تشبيهك يا أردوغان!

عثمان أيت مهدي

في ظل سكوت معظم الأنظمة العربية على ما يجري بمصر، وجهر بالموالاة ودعم العسكر لبعضها، تبقى قطر هي الاستثناء، أمّا الدول غير العربية، الإسلامية منها وغير الإسلامية، فقد عملت ما استطاعت للصلح ذات البين أو ندّدت، أو رفضت الانقلاب علانية.

إذا كانت الأنظمة العربية لا ترى في شعوبها إلا ما يضمن لها الحياة والدوام على الكرسي لسنوات أخرى مقبلة، فإنّ جلّ دول العالم تحتكم إلى شعوبها ولا تقوى على السباحة ضد التيار، لأن مجتمعها المدني قويّ، يرفض أيّ تجاهل لمطالب أو سخط من يمثلونه بامتياز.

من هذه الدول الإسلامية غير العربية تركيا التي خطت خطوات كبيرة في مجال الديموقراطية باعتراف الدول الغربية نفسها. يلقي رئيسها رجب أردوغان خطابا جماهيريا حماسيا يضمنه تشبيها رائعا استوقفني لكتابة هذه المقالة، يقول أردوغان: إنّ ما تعيشه مصر اليوم أشبه بحالة مصر أيّام موسى مع فرعون. ما أروعه من تشبيه وكأن التاريخ يعيد نفسه! فرعون الذي اغترّ بقوته وجبروته، الذي لا يرى الناس إلا ما يراه هو، جعله الله آية لكل متجبر ظالم، يقول تعالى في سورة يونس: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفكَ آَيَةً) [92]. فالآية لمن أراد أن يعتبر تتمثل في هذا الشخص الذي طغى واعتقد أنّه ربّ على الناس، يقول تعالى في سورة النازعات: (فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [23-24] ولأنّ فرعون كذلك لم يحافظ على سلم القيم، أذلّ الأشراف والضعفاء وتعدى على حرماتهم، يقول تعالى في سورة القصص: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [4].  

كم هي جميلة هذه الصورة! إنّ فرعون مصر الحالي سيصبح آية أخرى لمن أراد أن يعتبر، لقد قام بانقلاب على شرعية الشعب لاعتقاده أنّ الشعب لا يرى إلا ما يراه هو. يريد لشعب مصر أن يفوضه ويعطيه أمرا، صكا على بياض، يقتل من يشاء ويعزل من يشاء ويفعل بمصر ما يشاء.

ولأنّ قدرة الله هي الأقوى وهي الأصلح فقد جعل لكل فرعون موسى، فقد يكون موسى هذه الأيام هو الشعب المصري الذي هبّ هبة رجل واحد ضدّ الظّلم والحكم العسكري الذي تربى في أحضانه منذ 1952 إلى يومنا هذا، يقول تعالى في سورة القصص: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) [8].

لقد كانت المؤسسة العسكرية خاطئة لما اعتقدت أنّ الشعب المصري تسهل قيادته، ولا يعدو أن يكون إلا قطيعا من الأغنام، فمن سرّه زمن ساءته أزمان كما قال أبو البقاء الرندي عند سقوط الأندلس:

لكل شيء إذا ما تم نقصــــان       فلا يغرّ بطيب العيش إنسانُ

هي الأمور كما شاهدتها دول       من سرهُ زَمــنٌ ساءته أزمــــانُ

وهذه الدار لا تُبقي على أحد      ولا يـــدوم على حال لها شانُ