جريمة "الاغتصاب" والحمل منه

عابدة فضيل المؤيد العظم

جريمة "الاغتصاب" والحمل منه

عابدة فضيل المؤيد العظم

إن قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض جريمة كبرى لا شك في ذلك، وهي من أكبر الكبائر بلا جدال ولا نقاش. ولن تسمح "الإنسانية" ولا "الإسلام" ولا "العقل" بالتخلي عن نعمة الولد إلا لسبب وجيه، بل وجيه جداً.

إن "الإنسانية" و"الإسلام" و"العقل"  ثلاثة حجج قوية، فلا يملك المرء مخالفتها أو التجرؤ بالسؤال عنها إلا من أحصر وقبله مطمئن بالإيمان,ولن يفكر بفعلها إلا من اضطر غير باغ ولا عاد (كالمغتصبة أو من ثبت تشوهه أو اتضح مرضه العضال...)

على أن الدين يسر، وللضرورة أحكام، أفلا يجوز للمغتصبة ما لا يجوز لغيرها؟! ولكن العلماء تشددوا في أمر الإجهاض وبالغوا في الاحتراز والاحتراس، مما جعلهم يتجاوزون المستجدات، مع أنهم هم أنفسهم أجازوا بعض الأحكام بشروط. بل المحرمات كلها تباح عند الضرورات القصوى، ولا ننسى أن المسلم يجوز له أكل الميتة والخنزير ليحافظ على حياته، ويجوز له شرب الخمر إذا هددت لقمة علقت بحلقه حياته. فلماذا لا يخضع "الإجهاض" لنفس المحاكمة، ولدراسة حديثة جداً ومتقدمة، ويجتمع فيها الفقيه بالطبيب النفسي بالطبيب البشري بالطبيبة النسائية وبالمغتصبة نفسها وأهلها، ثم يسقطون المهم منه على النصوص الشرعية ويستخرجون الأحكام.

"الاغتصاب" حدث جد على أمتنا العربية والإسلامية النظيفة الراقية، فليست له فتوى خاصة واضحة مفصلة في كتب الفقه القديمة، وإنما يُعتمد فيه على ما يعرف من الدين بالضرورة وعلى الأصول، والنوازل لها أحكامها الخاصة. ولكن وكأني أرى الفقهاء المعاصرين الذين اجتمعوا للفتوى في "الاغتصاب" يكررون الفتاوى القديمة العامة عن "الاجهاض" ويسقطونها كما هي على "مسائل الاغتصاب"، حتى أن بعضهم يحرم على الفتاة الإجهاض بعد 40 يوماً؟! فما الفتوى الجديدة التي جاء بها لهذه الجريمة الحرجة والخاصة؟

ولقد قرأت فتوى لأحد المجامع الفقهية المعتبرة فرأيتهم أسقطوا أحكام الزنى كما هي على المغتصبة، فهل هما سواء؟! ثم أضافوا على فتوى الزنا ما يلي:

(1) يجوز للمغتصبة الترقيع.

(2) ليست ملزمة بإرضاع الطفل ولا العناية به ولها تركه.

انتهت الفتوى، ولكن المسألة أهتمني وأقلقتني وإني أتساءل بجد واهتمام حقيقي: ما دامت المغتصبة ليست ملزمة بالطفل فلماذا تحمل به وتتعب وتتحمل الذل والمهانة من العامة (الذين لا يفقهون أنها بريئة ومسكينة وضحية) ولماذا يفتضح أمرها (والله يحب الستر)، ثم نعفيها من العناية بالطفل وحضانته ونسوغ لها وبإفتاء شرعي معتبر ومن مجامع فقهية رمي الصغير وإهماله؟!

وإذا رمته ألن يموت؟  وإنه سيموت وقد أضحى إنسانا كاملاً قادراً على الحياة ولم يعد جنيناً ناقصاً؟! فلماذا لا تسقطه من قبل وتنهي القضية قبل أن تكبر ويتعذر حلها؟!

خاصة وأن الثورة لم تنته بعد ، ولا يوجد في المجتمع السوري الحالي من يرعاه؟! وإننا بالكاد نغيث المشردين والمبعدين ونعالج الجرحى والمصابين.... فمن سيقيم مأوى لهؤلاء الأولاد غير الشرعيين ومن سيرعاهم وهم أبناء الأعداء، ومن سيصرف عليهم وقد شح المال وقلت التبرعات؟

إني أناشد العلماء والفقهاء بفتوى خاصة جداً للاغتصاب،

وأتساءل عن إمكانية تمديد مدة الإجهاض لأكثر من 4 أشهر

وإني أتساءل متى يجوز للمسلم أن يأخذ بالرخص التي تعلمناها في الفقه والقواعد الفقهية ومقاصد الشريعة؟ ومتى نستعمل هذه الأدوات إن لم نستعلمها في هذه الكربة وفي هذا النطاق الضيق؟ ولماذا وضعت القواعد الفقهية: "يرتكب الضرر الأقل لدفع الضرر الأكبر" ، و"الضرورات تبيح المحظورات"، و"إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما" إن كانت الأحكام الشرعية لا تتقبل الحالات الخاصة؟

وهنا –مثلاً- تعارضت مصلحة الأم وصحتها ونفسيتها (وهي روح كاملة حاضرة) مع مصلحة جنين في عالم الغيب (وهو روح ناقصة) لا تستطيع الحياة إلا باستنزاف هذه الأم وهذه الروح المريضة المنهارة نفسياً وجسدياً والمهددة بالقتل والعار ومن أهلها وذويها... أليس من الضرورات المحافظة على سلامة عقل هذه الأم، وسترها...

وذكروا لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل جنين الغامدية وهو ابن زنا، ولكن الغامدية افتضح أمرها فعوقبت على الملأ، أما المغتصبة فأمرها سر حتى يفضح حملها مصيبتها، ولو أرادت أن تستر نفسها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم نسمع بأنهم يجهضون، وما كانت عندهم وسائل تضمن الإجهاض السليم بلا ضرر للأم أو الجنين، فهل يصلح  هذا الحدث للاستشهاد في مثل هذه الظروف الخاصة؟

ولا أخفيكم أنه تسربت أخبار بأن بعض الأطباء في الداخل بات لهول ما يراه من جنون وهيستيريا الفتيات يسقط الحمل ولا ينتظر فتوى ولا ضابطاً ولا يهتم بعمر الجنين ولو صار بالشهر التاسع، فأحببت أن أطرح الموضوع ولعل الله يفتح على الفقهاء ويجدون مسوغاً شرعياً لذلك.

وسؤالي للسادة العلماء "لماذا أقصى مدة للإجهاض أربعة أشهر"؟!

يقولون لأن الروح نفخت فيه، ولكن ما هي الروح التي نفخت فيه؟ ما هي طبيعتها وما هي ماهيتها؟ هل هي الروح التي تؤهله للحياة وتجعله كائناً بشرياً منفصلاً عن أمه؟ وكيف يكون كذلك والجنين غير قادر على الحياة بحال من الأحوال وهو في الشهر الرابع؟! كما أنه ليس آدمياً بشكله وأجهزته، فهو كائن يتحرك ولكنه لم ينضج بعد ولم تتطور أجهزته ولا حتى شكله ليكون قادرا على الحياة.

الرسول عليه السلام قال "نفخت فيه الروح" ولم يقل "لا تسقطوه"، وإن مما يجعلني أسأله أن الفقهاء لم يجعلوا دية الجنين ابن الأربعة دية نفس كاملة، والموضوع فيه خلاف، وجاء في المغني لابن قدامة: "إن الدية الكاملة إنما تجب فيه إذا كان سقوطه لستة أشهر فصاعداً" أوليس هذا الخلاف اعترافاً ضمنياً بأنه ليس نفساً كاملة؟!

إن الروح موجودة في كل خلية من خلايا الجسم، وأي عضو يقطع يبقى فترة ينبض وينتفض ريثما تفارقه الحياة، والجنين منذ اللحظات الأولى "خلية حية" ولذلك تنقسم، وتنمو، وتحتاج إلى الغذاء، ومن الشهرين الأوليين ينبض القلب فعلياً.

إن "الجنين" يبقى غير قادر على الحياة ولو نفخت فيه الروح، أوليس الاكتمال والقدرة على الحياة منفصلاً عن الأم هو المقياس؟ حتى الأجهزة الطبية لا تبقيه على قيد الحياة لأن جسمه ناقص، وثبت بالطب أن بعض الأجنة التي ولدت لستة أشهر عاشت، وهذا الذي أخذ به الفقهاء الذين بحثوا قضية "النسب" واعتبروا الولد الذي يلد بعد ستة أشهر من الزواج صحيح النسب.

وهذا المقياس مقنع جداً، وليت الفقهاء يفكرون به. وإن مَثَلَ الجنين كمن يعيش في المشفى على الأجهرة فهذا أجاز الفقهاء نزعها عنه إذا كان لا يحيا إلا بها، وكذلك الجنين في بطن أمه لا يحيا إلا بهذه الأجهزة "رحمها" و"المشيمة" و"درجة الحرارة" و"التغذية عن طريق الدم"... فإذا سقط أو حاول الناس إسقاطه مات! فإذن حياته وهمية ولا قيمة حقيقية لها "كحياة قائمة منفصلة".

وإني أقدم تساؤلاتي هذه إلى المجامع الفقهية وأنتظر الجواب منهم مشكورين مأجورين.