الحرب ثلاثية الأبعاد على حكم البلاد والعباد

عثمان أيت مهدي

لم أكن أتصور يوما أن يجتمع المتناقضان على طاولة الاتفاق، ويحتسيان معا نبيذ الانتصار المزعوم والفوز المشؤوم والخلاص الدائم من حكم الإخوان الحاملين حسب رأيهم لراية الإسلام. وهل هذا الاتفاق هو حقيقة الخلاص الدائم أم أنّ حربا أخرى ستشتعل لا محالة بينهما ثمّ لا يجدا من يدفع الفاتورة إلا ضياع الشعب بمن فيهم السلفي والعلماني، الماركسي والليبرالي، الإخواني والعسكري.

من المضحكات المبكيات أن تتطوع دول يقال عنها أنها إسلامية بمبالغ ضخمة من الدولارات لسد عجز الدولة المصرية في تحمل نفقات فاتورة الخسائر التي لن تنزل على كلّ حال عن سقف الملايير، وبالتالي تكون الحملة الشرسة على الشرعية الشعبية ثلاثية الأبعاد:

1.    الحرب الإعلامية: أوكلت مهمة تزييف الحقائق عن طريق الكذب والنفاق والتلفيق في وضح النهار لأرباب المال الذين يملكون القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف الورقية والإلكترونية. يبثون سمومهم وحقدهم الدفين على كلّ ما هو إسلامي (أرباب المال لا يؤمنون لا بالإسلام ولا بالعلمانية، غايتهم جمع الأموال بكل الوسائل المتاحة) وفي هذا المقام ظهر عدوهم الحالي في ثوب قميص أبيض ولحية سوداء يعتصم ويجاهر برفضه للانقلاب. علما بأنّ أرباب الإعلام والمال في معظمهم أرواح مستنسخة من العسكر والعملاء والمواطنين المصابين بمتلازمة لاربان.

2.    العسكر: صاحب النفوذ والعصا الغليظة في الدول المتخلفة والشمولية. يدير دواليب الحكم خلف الستار، يعزل ويدعم، يرفع ويذل من يشاء. له يد الأقوى على الكثير من القوى الوطنية، أحزابا كانت أو منظمات وطنية، وهذا ما توضحه جبهة الإنقاذ التي تحصلت على أكثر من عشر حقائب وزارية في حكومة الانقلاب ولم تكن لتحلم بها قبل لقاعدتها الهشة أو المنعدمة..

3.    التمويل وتحمل الديات: وهو البعد الثالث في هذه المعادلة المشؤومة، كلّ حرب نتائجها وخيمة، وقد قال أبو تمّام في فتح عمورية: "والحرب مشتقة المعنى من الحرب" مما يعني أنّ الخسائر المادية والبشرية ستكون باهضة الثمن على الشعب المصري. ولهذا السبب تطوعت السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتان حباهما الله بخزائن قارون من البترول والغاز لتحمل أوزار هذه الحرب، ولم تكتفيا بالمساعدة المالية بل راحتا تجندان الرأي العام العربي والعالمي ضد الإخوان.

يبقى السؤال الذي حيّر الكثير من المحللين والمتابعين للشأن المصري، هو: كيف اتحدت مساعي السلفية مع العلمانيين المتطرفين وأشباه العلمانيين؟ بالرغم، أنّ كليهما ينكر الآخر ويجتثه من الوجود؟ الإجابة عن هذا السؤال الصعب والغامض لا يخرج عن احتمالين، هما:

‌أ.       تواطؤ السعودية مع مصر في المشروع الأمريكي الصهيوني بالمنطقة وحماية إسرائيل من كلّ أذى يصيبها.

‌ب.  خوف النظام السعودي من مدّ الإخوان في شبه الجزيرة العربية، وقلب سياسة الموالاة للحاكم وإن ظلم وطغى، إلى سياسة الحكم بالشورى وعدم التوريث.

ما يدعّم هذه النظرة هو التناقض الصارخ في سياسة السعودية في الظاهر وتوافقها في الباطن، بحيث تقوم بدعم الأصوليين والقاعدة بسوريا، لأنّ سوريا في الوضع الحالي لا غالب فيها ولا مغلوب فكلاهما يعمل على تدمير البلاد ودكها بالصواريخ، ورفضها لحكم الإخوان بمصر، لأن الإخوان في حال السلم يمكن أن يؤسسوا لثقافة "الملك يبقى ولا يحكم"، ولا توريث في الإسلام، لا أبا بكر تركها لابنه ولا عمر تركها لأخيه ولا عثمان تركها لزوجته..