ستنصرون

د. محمود نديم نحاس

ستنصرون

د. محمود نديم نحاس

منذ سنوات قليلة وفي غمرة أحداث غزة كتب شاعرنا سليم عبد القادر، رحمه الله، قصيدة رائعة لأهلها يبشرهم فيها بالنصر، فقال لهم:

ستنصرون لا مراء

ستنصرون في الأرض والسماء

لأنكم مشاعل الحياه، في العالم الخواء

حكاية الأقدار هذي حكمة القضاء

والله يؤتي نصره من شاء

وقد ازدادت القصيدة روعة عندما أنشدها صاحب الصوت الجميل العندليب يحيى حوى، الذي أنشد مجموعة كبيرة من قصائد الشاعر سليم.

وها هي اليوم بلدهما سوريا تمر بمحنة لا كالمحن، فتذكرنا القصيدة بأن النصر قادم بإذن الله. وما أشبه الليلة بالبارحة، فما قاله عن أهل غزة ينطبق على أهل سوريا، بل وأكثر:

قلبي على الضحايا، روحي على الشيوخ والأطفال والنساء

روحي على الرجال صدورهم عراء, أكفهم عزلاء

يصارعون الموت والأهوال

يصارعون بالإرادة الفناء

حياتكم يا أخوتي انتصار

وإن في الشهادة انتصار

في الأرض والسماء منصورون, يا أيها الأحرار

ولا يستطيع الإنسان أن يحبس دموعه وهو يتابع الأخبار ويرى الأشلاء على الشاشة، رغم أن شاعرنا قال:

أطالع المأساه، في الصبح والمساء

أود لو أبكي ولكن يرفض الإباء

في عالم يعتز بالرقص على الأشلاء

نعم يعتز بالرقص على الأشلاء! ففي مأساة فلسطين تشرد مليون إنسان في العراء، أما عدد المشردين السوريين فأضعاف ذلك، وعدد الضحايا لم يعد يُقاس بضحايا فلسطين، بل يُقارن بعدد ضحايا الهوتو والتوتسي. لكن شاعرنا ينظر إلى الموضوع من زاوية أخرى:

فليسكر الأعداء بالدماء، وليشمتْ بكم من شاء

فإنهم جميعهم أموات, وأنتم الأحياء

ولم يجد وصفاً لهؤلاء الذين يقاومون الموت إلا وصف الأبطال:

تحية يا أيها الأبطال

تحية في البدء والختام

تسري مع الأنسام

تضج بالأنين وتحمل الدعاء

فتحية لأهلنا في سوريا، تحية للأبطال الذين يقارعون الموت، تحية تضج بالأنين وتحمل الدعاء، تحية ودعاء إلى الله من القلب بكل الصدق والإخلاص أن يزيل الغمة وينزل النصر.

أما الذين ينتظرون النصر من الخارج، فإنهم لم يقرؤوا ما قاله شاعرنا عندما وصف موقف الغرب من أهل البوسنة، وهو موقف شبيه بالموقف من أهل سوريا اليوم:

يشمخ الغرب مزهوا بخسته *** وقد تعرى قبيح الوجه مخمورا

يشاهد المحن السوداء ممتعضًا *** جهرًا، وسرًا قرير النفس مسرورا

لو اليهود الضحايا شِمت همته *** أمضى من الريح إنقاذًا وتحريرا

لو أنكم قطط جرباء أسعفكم *** لكن محنتكم أن تحملوا النورا

فراح يغضي عن الجزار في سَفهٍ *** وليس يسألكم عذرا وتكفيرا

فأي حضارة وأي تقدم إلى غير الوراء؟ هكذا عبّر عنها في قصيدته "مقابر الأحياء":

طوبى لنا، قد شبعنا *** تقدماً للوراءِ

يموتُ شعبٌ ليحيا *** نذلٌ عديمُ الحياءِ

ولئن مضى بعض الناس قبل أن يأخذوا حقهم في هذه الدنيا فيبشرهم في قصيدة "محنة" بأنهم في الآخرة لا يستوون مع الظالمين:

تمضي الحياةُ بمجرمين لهم من الأخرى الخَسارُ

وبمؤمنين لهم جنان الخلد منسرحٌ ودارُ

لا يستوون... أتستوي خُضْرُ الحدائقِ والقِفارُ!؟