انقلاب

زكي بني ارشيد

هذا الفضاء الواسع الذي يغلف حياتنا ويعج بصخب الحوار وازيز الرصاص وغبار النقع وبجدل عميق ربما ندرك بدايته ولا نعرف له نهاية ينطلق بسرعة البصر ولا يلوي على شيء تخضع فيه الحقائق الى التزييف والانكار والجحود, واعلام ساحر ومفترس كثر فيه الفجور والتزوير والاسترزاق وبايقاع متواصل ومستمر لصناعة الانطباعات الخادعة والصورة الموهومة  كأن البحتري  كان يصفه عندما وصف ذئب الصحراء بقوله :

عوى ثم أقعى فارتجزتُ فَهجْتُ                     فأقبل مثلَ البرق يتبعه الرعدُ

له ذَنَبٌ مثل الرشاءِ يجرُّهُ                         و متنٍ كمتنِ القوسِ أعوجَ منأدُّ

فعندما يتعلق الامر بانكار المعلوم من المنطق بالضرورة وتحتاج الشمس في رابعة النهار الى اثبات يصح فينا قول الشاعر

وليس يصح في الاذهان شيء                                 اذا احتاج النهار الى دليل

في محاولة لفهم ما جرى في مصر يحاول البعض ان يصور الامر باعتباره حدثا مصريا معزولا عن محيطه واقليمه بعيدا عن مؤثراته الخارجية, ويجهد اخرون لانكار الاجندات والبرامج المعنية بعدم خروج الدولة المصرية عن سياقات وقواعد الجغرافيا السياسية وطبيعة العلاقة بالجوار الفلسطيني , وتحت عنوان التنوير والتفكير المتقدم او بحجة الحداثة والثقافة العصرية  ينكر البعض فكرة وجود المؤامرة !!ونظرية الصراع على تقسيم النفوذ وتوزيع الادوار.

ولمحاولة فهم  ما حدث ويحث في مصر هل هوتداول سلمي للسلطة ؟ ام انه انقلاب عسكري؟ وهل هو تنافس سياسي محكوم بقواعد العملية الديمقراطية ؟ ام استقواء واستعانة بادوات استبدادية ؟  هل هو  صراع فكري وبرامجي ؟ ام انه صراع عقائدي وايدلوجي على هوية الدولة؟ وهل هو  صراع بين الحضارات وتصادم بين الثقافات ؟ بين الديني والعلماني او بين العسكري والمدني او الفرعوني و العربي؟

ان لم يكن ما جرى في مصر انقلاباً عسكرياً  فما هو تفسير الانقلاب؟ هي معركة المصطلحات اذا

ونحن اذ ذاك بحاجة الى قاموس جديد يتم بموجبه تعريف الثنائيات المتقابلة في اللغة وفي السياسة ايضا وبحاجة الى تحرير مصطلحات الارهاب والانقلاب والانتخاب والجريمة السياسية والعنف السلطوي والمؤامرة والاستبداد والحرية والديمقراطية والوصاية السياسية والسيطرة الامنية والاصلاح والفساد والاستقلال وفصل السلطات.

 اننا باختصار بحاجة الى اختراع العجلة من جديد دون الالتفات الى بعد المسافة الشاسعة التي ستفصلنا عن ركب الحضارة والابداع .

ماذا نحتاج الى افعال اضافية حتى نحكم على ما حدث بانه انقلاب عسكري ؟ ماهي المعايير وادوات القياس ؟ اهو تعطيل الدستور؟ وحل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية وقد حصل, بحاجة الى الاعتقال والمطاردة السياسية وقد حصل ومحاصرة وسائل الاعلام واغلاق المعارض منها وقد حصل وتجاهل بل قمع الراي المعارض وقد حصل والتحريض الدائم والمستمر ضد المعارضين وقد حصل واستخدام العنف والسلاح والقتل بدم بارد وباطلاق النار والرصاص الحي على المتظاهرين المد نيين وتحويلهم  الى مجرمين وارهابيين وجناة وقد حصل.

ما الذي ينقصهم حتى يستكملوا مواصفات الانقلاب ؟ وان لم تكن هذه مؤامرة فماهي المؤامرة اذا ؟ وقد تكشفت بعض ملامحها وخيوطها ومن افواههم واعترافاتهم .

لماذا يسمح للجميع ان يبدي رايه فيما حدث؟  ويحظر على الإسلاميين ان يعبروا عن قناعتهم وفكرهم ؟ اليس هذا هو الارهاب الفكري ؟ الا تسمعون وتشاهدون حجم التدخل والتحريض من سياسيين وكتاب واعلام ؟ ولا يتهمون بانه تدخل في شؤن الغير.

بقي ان اقول الى الذين سقطوا اخلاقيا واصطفوا مع الانقلاب سعيا للحصول على عظمة من بواقي الفريسة او انطلاقا من نزعة الثار والانتقام انتم واهمون وخاسرون فما زلنا في الجولة الاولى والمباراة ستحسم بالنقاط , والانقلابيون يخسرون في كل يوم, والحكم يا سادة عقيم ومن يرافق العسكر فعليه ان ينتظر دوره في التصفية والاقصاء , وعندئذ لا ينفع الندم ولات حين مندم .