عسكر مصر وديكتاتورية الأقلية!!

حسام مقلد *

[email protected]

هل فشل الإخوان أم أُفْشِلُوا؟! ومن الذي أفشلهم؟! وهل انحاز السيسي لخيار الشعب المصري فعلا أم أنه انحاز لفريق بعينه على حساب غالبية المصريين؟!

لو رجعنا بالذاكرة قليلا إلى الوراء قبل عام واحد فقط لتذكرنا أن رئيس جمهورية مصر العربية فاز في انتخابات مباشرة نزيهة وحرة وديمقراطية بشهادة العالم كله، وكان فوزه بنسبة (51.7٪) أي أن خصمه الانتخابي (الفريق أحمد شفيق) حصل على (48.3٪) وهذا يعني أن هناك ملايين المصريين لم ينتخبوا الدكتور مرسي، بل عملوا على إسقاطه وإفشاله من أول يوم تسلم فيه السلطة!!

لا أحد يشك في أن فلول نظام مبارك وكل الفاسدين والمرتشين والمنتفعين من هذا النظام كانوا حريصين كل الحرص على إفشال الرئيس مرسي، وللأسف فإن أغلب هؤلاء مازالوا هم المسيطرون فعليا على مفاصل الدولة المصرية، ولم يكن لديهم أي إخلاص لمرسي، ولا أي حرص على مصالح الدولة، بل حرصهم وولاؤهم كله لمصالحهم الشخصية ولو على حساب المصالح العليا للوطن، ومن هنا وقف هؤلاء حجر عثرة أمام أي إصلاح أراد تحقيقه الدكتور محمد مرسي، ولعل أجهزة الشرطة أبرز مثال على ذلك، فقد غابت عن البلد وأطلقت يد البلطجية والخارجين على القانون ليعبثوا بأمن المواطنين ويثيروا الرعب والفزع في قلوبهم!

انضم للمناوئين للدكتور مرسي طبقات من المجتمع المصري تضع نفسها دائما موضع العداء لكل ما هو إسلامي كالفنانين والشيوعيين والليبراليين والعلمانيين ومتطرفي الأقباط وطبقة المثقفين المخملية المرتبطة بدوائر الغرب ومنظومته الحضارية، وهذه الطبقة لا تنظر فقط بعين الريبة لجميع الإسلاميين ومشروعهم، وإنما تشيطنهم وتراهم خطرا جسيما على البشرية والحضارة الإنسانية!!

وطبيعي أن رجال الأعمال الفاسدين وكل المنتفعين من منظومة الفساد التي استشرت في المجتمع المصري يقفون ضد الرئيس مرسي؛ لأنه جاء ليطهر الفساد وليُرْسِي منظومة جديدة من الشفافية والنزاهة وطهارة اليد والمنافسة الشريفة، وهذا كله لا يعجبهم فهم لا يدفعون الضرائب، ويحصلون على كافة التسهيلات والتيسيرات الاستثمارية التي تقدمها لهم الدولة دون أن يقوموا بما عليهم من واجبات نحوها!

وبدهي أن المرشحين الفاشلين في الانتخابات الرئاسية وغيرها من الاستحقاقات الانتخابية سيقفون ضد المرشح الفائز وضد حزبه، ومن هنا تجمع الليبرالي مع العلماني مع اليساري مع فلول نظام مبارك ليشكلوا جبهة معارضة ضد الرئيس محمد مرسي، لكنهم بكل أسف لم يلتزموا بقواعد اللعبة الديمقراطية، ولم يتنافسوا بشرف وأمانة مع خصومهم السياسيين من الإخوان المسلمين وحزب الوسط والأحزاب الأخرى المؤيدة للرئيس الشرعي المنتخب، بل استخدموا كل الأساليب القذرة الخسيسة والأفعال الخبيثة لإفشال مرسي، ولو كان على حساب المجتمع ذاته وتطلعاته للحياة الكريمة وحقه في الحرية والكرامة والديمقراطية الحقيقية.

ولكن أين كان موقف العسكر من كل ذلك؟! لقد أوهمنا العسكر في البداية أنهم يقفون على الحياد، وأنهم على مسافة واحدة من كافة التيارات والقوى السياسية، وأنهم لن يرجعوا للسياسة مرة أخرى لا طائعين ولا مكرهين، وأنهم قد عادوا بلا رجعة إلى ثكناتهم لمزاولة مهمتهم الطبيعية في الحياة!!

بلع الإخوان الطعم وظنوا أن الفعل السياسي هو وحده الكفيل بصقل التجربة الديمقراطية المصرية، فانصهروا في السياسة وانهمكوا في إعداد أنفسهم للانتخابات البرلمانية، واكتسبوا مزيدا من الخبرة، ومدوا أيديهم للحوار غير المشروط مع خصومهم السياسيين، لكن القوى السياسية التي لبست ثوب معارضة الإخوان رفضت التحاور معهم وردوا دعوتهم للحوار عدة مرات؛ فسجل الإخوان نقاطا سياسية كثيرة عليهم.

كل ذلك كان يحدث داخل مصر، أما خارجها فكانت هناك رغبة إقليمية ودولية في إفشال تجربة الإخوان المسلمين لتكون ضربة قاصمة للمشروع الحضاري الإسلامي كله إن لم تقضِ عليه تماما... فجرى حصار مصر اقتصاديا، والتقط أعداء مرسي الخيط في الداخل فافتعلوا له أزمات عديدة في الوقود والكهرباء ... وغير ذلك لتأليب الجماهير عليه، ودفعهم للوقوف ضده!

وقد استخدم أعداء مرسي أقوى أسلحتهم في المعركة: الإعلام، والقضاء، والاقتصاد... وما هي إلا بضعة أشهر حتى أوجدوا عداوة حقيقية لمرسي وللإخوان على الأرض وسط قطاع من الناس العاديين غير المؤدلجين.

هكذا أحكَمُوا قبضتهم على الرئيس مرسي، فما عساه أن يفعل وهو في الأصل لم يُمَكَّن من الحكم، وكان مطلوبا منه أن يظل رئيسا صوريا، وعندما رفض جرى إفشاله على هذا النحو الأليم.

ومع ذلك لم تكن المشكلة عويصة، وكان بإمكان الرئيس مرسي حلها لو أعطي بعض الوقت، لكن كيف يمهله من يريدون إفشاله؟! كيف يمنحه أعداؤه المتكاثرون عليه طوق النجاة؟!! وعندئذ جاءت فكرة الحشود الرافضة لحكمه للإجهاز عليه فاخترعت قصة تمرد على أيدي المخابرات، وهذه المعلومات منهم أنفسهم، فقد فضح بعض أعضاء (تمرد) حركتهم عند أول اختلاف وقع بينهم!!

وفي أية دولة في العالم يكون هناك أغلبية ومعارضة سياسية، وتلتزم جميع الأطراف بقواعد اللعبة الديمقراطية، وتترك الفائز في الانتخابات ليحقق برنامجه وسيتولى الشعب نفسه محاسبته وعقابه إن قصَّر في الانتخابات التالية... لكن الديمقراطية المزعومة في مصر مختلفة عما تعارف عليه الناس!!

وهنا يبرز دور عسكر مصر في إدارة أزماتها فرغم أن مكانهم الثكنات العسكرية إلا أن السيسي ومن معه من العسكر المؤيدين له آثروا الانقلاب على السلطة الشرعية في مصر وإجهاض مسيرتها الديمقراطية، فاختاروا الانحياز للأقلية العلمانية وقهروا إرادة الأغلبية الإسلامية والوطنية لصالحهم، وليحموا انقلابهم الآثم ارتكبوا عدة مجازر بشرية وجرائم حرب كمذبحة ميدان النهضة بالجيزة (16شهيد) ومذبحة الحرس الجمهوري (أكثر من 100شهيد) ومذبحة المنصة عند النصب التذكاري (أكثر من200شهيد) كل هؤلاء الشهداء قضوا بطلق ناري مباشر في الصدر أو في الرأس، هذا غير آلاف الجرحى والمصابين بإصابات خطيرة، وبذلك فتح العسكر أبواب الجحيم على مصر ... فهل يتداركون بشاعة الجريمة التي أقدموا عليها؟!!

               

 * كاتب إسلامي مصري