ميادين النصر والشهادة

عزة مختار

[email protected]

في رابعة الصمود

حيث الرفعة والعزة بكل معانيها

حيث الحياة الحقيقية تحتويك

حيث تختلط السماء في عليائها بأرواح في الأرض تاقت للصعود

حيث عبرات الوداع لمن رحلوا سريعا دون كلمة وداع ، تختلط بابتسامة الأمل وبريق الانتصار في العيون المجهدة من طول السهر ، والظهور التي المنحنية في الركوع والسجود .

تقع خيمتنا بالميدان بجوار احدي بوابات الدخول ، جل أوقاتنا في حالة انتظار بلطجية ولصوص مصر الجدد ، لست أنكر بعض الخوف في نفسي كلما سمعت بعض الأصوات التي قد تعبر عن اقتحام للمكان فيرتعش قلبي أحيانا ـ مع شدة تعلقه بالشهادة ـ ، أطمئن نفسي بأن هذا هو مناط التكليف ، فلو نزع الخوف من قلبي فأين الابتلاء ؟ ولو لم يكن به شيء من التعلق بالحياة فأين هو الصراع النفسي الذي يجب أن انتصر علي نفسي فيه ؟

 ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ( 155 ) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ( 156 ) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )   157 ) )

البقرة

، عرفت هنا معني الرباط في سبيل الله في انتظار الموت القريب في كل لحظة ، بل هو الأقرب وميدانك ما زال يحوي جثامين اﻷطهار والذين هم في.ازدياد مع كل دقيقة ،

هنا عرفت عبادة جديدة : انتظار الفرج ، انتظار النصر ، الصبر علي فقد الأحبة ، تعلمت معني كيف أنطق بإنا لله وإنا إليه راجعون

 هنا الحياة علي حقيقتها حيث تخلص النفوس وحيث تتضح معالمها بدقة حين يرق ذلك الغشاء الفاصل بين الموت والحياة فتصير حتي أحلامك خليطا بين الجنة والحرية والنصر ، وحين يختلط عليك اﻷمر فلا تدري هل ضوء الشمس المتسلل إليك عبر منافذ في الخيمة هو ضوء للشمس حقا ، أم أنها الروح صاعدة إلي ربها فأصبحت تري الضوء قبل أوانه .

هنا الأطفال كبروا قبل الأوان فينطقون صبرا ، هنا النساء ارتدين ثوب الرجال عزة وإباءا وقوة وصمود .

هنا الرجال باعوا الدنيا بكل ما فيها في لحظات صدق حسبناها اندثرت مع تاريخ الفاتحين العظام .

هنا الشباب تعلموا الحكمة والعقيدة والبطولة ، تعلموا ما لا تعلموه الكتب

هنا كبرنا ألف عام ، وتعمقنا في التاريخ ألف عام ، وعشنا بين جدران الخيمات ألف عام .

هنا روح زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب  تطوف لتلحق بها أرواح الشباب التواقين إلي الجنة

هنا روح عبد الله بن رواحة تستحث الهمم  وتذكر بالجنة وتنهر النفس المترددة .

يا نفـس إلا تُقتَلي تموتي             هـذا حياض الموت قد صليت

وما تمنيت فقد لقيت                 إن تفعلي فعلهما هديت

وإن تأخرت فقد شقـيـت

 

سمعته يناديني :

يانفس مالك تكرهين الجنة           أقسم بالله لتنزلنه

طائعة أو لتكرهنـه           فطالما قد كنت مطمئنة

لا تخافي ولا تحزني ، سمعته يلومني بينما ينقبض قلبي لرؤية دماء الأحباب تملأ الساحات بينما تنطلق أرواحهم مهرولة تجاه السماء بلا انتظار للحظة وداع .

هنا في رابعة الصمود ، ونهضة الكرامة ، وميادين العزة ، تشم رائحة الجنة مشتاقة

تتزين لعرس شهيد في كل لحظة ، شهيد أصبحت كل أمنيته أن يعود للدنيا كي يقتل ، ثم يعود ليقتل من حلاوة الشهادة .

هنا الحياة ، هنا رمضان النصر ، هنا رمضان النصر ، إنها احدي الحسنيين

إما النصر والعزة والكرامة والحب ، وإما الشهادة والجنة ورضا وجوار الرحمن ...