الزوسكندية

يسري الغول

[email protected]

كنت قد قرأت ذات صباح ضمن بستان أخبار الأدب، قبل أكثر من عشرة أعوام، أنه وبعد الانتهاء من تقديمه مونودراما (عازف الكونترباص) والتصفيق الحار له من طرف الجمهور، استوقفته إحدى الفاتنات لتعبر له عن مدى إعجابها بمسرحيته تلك، وهو الكاتب المغمور، الذي لم يكن يعرفه أحد من قبل. وقد كانت تعمل تلك الفتاة سكرتيرة عند أحد الناشرين في ألمانيا، فأخبرها ذلك الممثل عن عمل روائي له حاول نشره أكثر من مرة، لكن دور النشر كانت ترفض طباعة الرواية، فطلبت منه السكرتيرة روايته وعرضتها على الناشر الذي قام بطباعتها لتصبح فيما بعد أحد أهم الروايات الألمانية ولتُترجم إلى أكثر خمسة وأربعين لغة ويباع منها أكثر من عشرين مليون نسخة. هذا بالإضافة إلى تحويلها لفيلم سينمائي نال استحسان الكثيرين أيضاً، فقد أخرجه الألماني توم تايكوير، وقد اشترى داستن هوفمان حقوق الراوية لتحويلها إلى فيلم سينمائي بـ 10 ملايين يورو في حينه.

باتريك زوسكيند، صاحب رواية (العِطر) المغمور، الذي لا تجد له حديثاً صحافياً واحداً، أو صورة منشورة في جريدة، قدم عمله الرائع ليصح أحد أهم أعلام الرواية في عصره، لدرجة أن اعتبر أدباء ألمانيا رواية العطر تقف في مضاهاة مائة عام من العزلة لماركيز، وصار شعارهم: بأن مدرسة زوسكيند تضاهي الواقعية السحرية وأدب أمريكا اللاتينية. فقد نجح الأخير حسب كثير من النقاد بالولوج مع قرائه في العوالم النفسية المتناقضة لشخصياته، وتوصيفه للأشياء من حوله، حتى كأنك تشم الرائحة مع كل حرف من الرواية.

زوسكيند لم يكن ليحصل على تلك الشهرة لولا الظروف المواتية والفرصة السانحة التي أتاحت له تقديم عمله، في حين يفتقد الكثيرين من الشباب اليوم للفرص لتقديم أعمالهم. ولعل بوكر الرواية العربية، وفوز الكاتب الكويتي الشاب سعود السنعوسي بالجائزة عن روايته (ساق البامبو) دليل واضح على وجود كثير من المبدعين المغمورين في صفوف هذه الأمة التي أهملت شبابها، وتركتهم على مفترقات الطرق يمارسون جنونهم بعد أن أحبطتهم الظروف والواقع المعاش. هذا بالإضافة إلى وجود كثير من الأعمال الإبداعية التي لم يحالفها الحظ بالانتشار بسبب ترهل وزارات الثقافة واتحادات الكتاب العربية، والاستئثار بطباعة أعمال فريق معين من الكتّاب على حساب آخرين جدد لديهم ربما ما هو أروع وأعمق كما جرى مع السنعوسي، وهو ما دفع بالمبدعين الجدد إلى الركون والانزواء والاكتفاء بما تم تقديمه.

ولذلك فإننا نقدم دعوتنا لكل مبدع بأن يستمر، فبكم تستمر الحياة، وإن تجاوزتكم اليوم فستصلكم غداً، وعليكم أن تدركوا بأن من يعترض طريقكم اليوم هو من سيفرش لكم البساط الأحمر غداً.