دروس الانقلاب على ثورة 25 يناير

عبد الرحيم صادقي

[email protected]

نؤكد بداية أن الانقلاب العسكري بزعامة عبد الفتاح السيسي انقلاب على ثورة 25 يناير، وليس مرسي وإخوانه غير ذريعة، أو هُم حصان طروادة الذي مهّد سبيل الانقلاب. أما الدروس المستقاة فكثيرة ولا ريب. بعضها تُمحَّص فيه سننُ العمران البشري، وبعضٌ آخر محكٌّ لعلم التاريخ. نَلمّ هنا شتات دروس الانقلاب، ونجمع بعض قوانين التدافع البشري.

أولا: استمرار المؤسسات الفاسدة نتيجة حتمية لعدم استكمال الثورة، ولو سقطت رموزها. ولقد أخطأت القوى الثورية حين أوقفت الثورة حيث لا ينبغي أن تقف.

ثانيا: الفساد منظومة متكاملة لا تُختزل في شخص أو حزب أو مؤسسة. وهنا يظهر خطأ مرسي وجماعته في تقدير قوة دولة الفساد العميقة.

ثالثا: لا بد للانقلاب من شرعية، ولذلك كان لا مناص من استغلال أخطاء الحكم وتبني مطالب الشعب الملحّة، ثم استقدام ثوار حقيقيين ومناصرتهم. وحتى حين تلاوة بيان الانقلاب كان لا بد من تأثيث المشهد بشرعية دينية إسلامية ومسيحية، وشبابية وحزبية وأمنية.

رابعا: صِدق الثوار ومَطالبهم الشرعية لا يعني بالضرورة أنهم أسياد الحَراك، وأن اللعبة بأيديهم. ونحسب أنهم استدرجوا لأداء مشهد في مسرحية من إخراج الفلول. أما المسرحية كاملة فلا يعلمها غير المُخرج وكاتب القصة. وهنا يَعجب المرء كيف عميَت بصيرة الثوار حتى رضوا أن يقفوا جنبا إلى جنب مع الفلول. أليست وسيلة التغيير من جنس غايتهم الشريفة؟

خامسا: من الواضح أن طائفة من المعتصمين في ميدان التحرير لا مشكل عندها مع مرسي تحديدا، ولا خلاف لها مع جماعته. وإنما مشكلتها مع الإسلام. طبعا سيقولون: الإخوان ليسوا هم الإسلام، وتلك كلمة حق أريدَ بها باطل.

سادسا: نعلم أن السيسي أجبنُ من أن يفعل ما فعل لولا أنه تلقى الضوء الأخضر من أوباما. لكن الولايات المتحدة الأمريكية لها مصالح، ولذلك من الممكن تعديل الموقف الأمريكي. كل شيء رهين بما يحصل على أرض الواقع، وبنتيجة التدافع بين المؤيدين والمعارضين.

سابعا: الانقلابيون يدركون جيدا أن العصر عصرُ الصورة والصوت، ولذلك سارعوا إلى السيطرة الإعلامية ليُذيعوا ما يشاؤون ويحجبوا ما يشاؤون، ولا معقّب لأمرهم. أما الرئيس "الطيب" فتركَ المناوئين يسبّونه ويسخرون منه على الملأ بدعوى حرية التعبير والإعلام والصحافة.

ثامنا: يقضي القانون الخلدوني بأن الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قلَّ أن تستحكم فيها دولة. وقبائل هذا الزمان وعصائبه هي الأحزاب. الحزبية ورَمٌ خبيث لا حلّ له إلا الاستئصال. سيُقال بل هي التعددية التي لا غنى للديموقراطية عنها!

تاسعا: لا شك أن التجاذب والتدافع سيستمر في مصر إلى أن يتضح الخلاف فيصير في أجلى صوره، فيكون صراعَ هوية ومرجعية. وحينها تتمايز الصفوف، ثم كر وفر من جديد. ولقد عكس الميدانان إلى حد ما هذا الصراع: ميدان يُقام فيه الليل، وميدان تُغتصب فيه النساء. والمرء مع من أحب.

عاشرا: أوضح ابن خلدون في أثناء بيانه منهجَ دراسة التاريخ أن أهم ما يوقِع في الوهم إحصاءُ الأعداد من الأموال والجنود. من الممكن التحقق من ذلك بمتابعة الحالة المصرية الآن، فإنك لا تسمع إلا حديثا عن الملايين التي تملأ الشوارع. أما كيف أُحصيَت هذه الأعداد وبأيّ تقنية علمية فلا طمعَ في جواب.

على سبيل الختم

لا يقول قُضي الأمر إلا من قلبُه معلّق بحزب سياسي، ودولة قُطرية مفصّلة بعناية سايكس بيكو، وآلية مغشوشة يسمونها الديموقراطية. ثم إن هذا ليس أول انقلاب في دويلات العرب، ولعل أشهر انقلاب وأشْبهَه بانقلاب السيسي هو انقلاب عسكر الجزائر على الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ذلك الانقلاب الذي تَلته عشرية دموية جعلت الجزائريين يكرهون الديموقراطية، وربيع العرب وباقي الفصول.

أما ما يحزّ في النفس حقيقة فهو أن المنهج التوافقي المذبذَب الذي انتهجه الإخوان منذ أن استلموا الحكم لم يعصمهم مما ليس منه بد. فلا هم رفعوا راية إسلامية واضحة، وسعوا إلى تطبيق الشريعة ولا شيء غير الشريعة كما ادّعوا، ولا هم مارسوا السياسة كما يمارسها العالمون بخفاياها. ولذلك تجد معارضيهم من الطوائف كلها. فلا الإسلاميون راضون عنهم، ولا العلمانيون، ولا الاستئصاليون، ولا اليساريون، ولا الليبيراليون، ولا القوميون، ولا الناصريون، ولا الثوريون، ولا الإصلاحيون، ولا الشباب، ولا الفقراء، ولا الأغنياء، ولا الفلول ولا الثوار، ولا قوى الخارج، ولا الصهاينة والأمريكان، ولا مستضعفو الشام، ولا بشار وشبيحته، ولا مُحاصَرو غزة. إنه مآل المكيافيلية التي تسترضي الجميع ولا تُقنع أحدا. فليْتَهم اقتدَوا بِتشي غيفارا الذي باع حياته لأجل قضية واضحة.

ومع ذلك، حين تكون السعودية والإمارات أولّ المهنّئين فمن السهل أن تستنتج أن الفلول قد رجعوا. وحين يُفرحُ خبرُ الانقلاب نتنياهو يساوِرك الشك أن مرسي ابنُ بلد وأصيل.

وإذا أتتك مذمتي من ناقص = فهي الشهادة لي بأني كاملُ

الخشية في هذه اللحظة العصِيبة أن يقتسم المتمرّدون والمتجرّدون مصر فيما بينهم، فتكون تلك هديتهم للأعداء المتربصين.

ومجمل القول أن ساحة المعارضة ملطخة بأخطاء لعل أبرزها ثلاثة:

1.    اجتماع ما لا يجتمع: فلول وثوار.

2.    المزايدة السياسية.

3.    لا بديل واضح.

كما أن ساحة الإخوان لم تخل من أخطاء لعل أهمها:

1.    تعجُّل الحكم قبل استكمال الثورة.

2.    إدارة المرحلة بعقلية إصلاحية.

3.    محاولة إرضاء الجميع.

4.    عدم الوفاء بما عاهدوا الله عليه.

أما خطأ الساحة المصرية الجوهري فهو افتراق الأمة إلى أحزاب. ولعل الدروس تكون نافعة.