أنا واللغة العربية

زاهد عبد الشاهد

[email protected]

طفل نشأ في مدينة الرسول وعاش مع أسرته فيها برهة من الزمن يخرج من بيته فيلاقى أترابه ويلعب معهم ويراهم ويشاهد أحيانا في بيت جيرانه الرسوم المتحركة على الشاشة التلفازية بالعربية ،ويتحدث مع أبناء عمومته وأقاربه بالعربية وحينما يبلغ السادس أو السابع من عمره يدخل مدرسة التحفيظ ويتعرف هناك على أولاد من جنسيات مختلفة كلهم يتكلمون بالعربية،وهذا الطفل يشعر بالطمأنينة والسكينة لما يدخل حلقات التحفيظ بمسجد الرسول ويزداد فرحا واطمينانا لما يرى معلما وقورا وشخصا حنونا ذات صوت شجي جميل ومظهر أنيق قليل الكلام متماسكا،ولايفرش تلاميذه(الفرش كلمة عامية دارجة استخدمتها لأنها كانت تستخدم في المدارس للضرب)ولا يقسو عليهم بل يحاول أن يحل المشكلة ببساطة واسمه القاري عبدالرحمن ،وكان اسما على مسمى ولذلك كانت سجيته الرحمة والحنان والترحم.

ودرس هذا الطفل على هذا المدرس فترة ثم درس على معلم آخر يعرف بالقاري رمضان وهو كان ذا هيبة وشخصا مهتما بطلابه حفظت بعض الأجزاء لديه،ثم ساق بي حظي إلى ألقاري محمد أنور الذي أكملت عنده الأجزاء الباقية وحفظت كلام الله لديه وأنا علي ديون الشكر لما أنه -حفظه الله- اهتم بي وبإصلاح لهجتى وتحسين صوتي ومخارج الحروف وقراءة القرآن بالتجويد،على كل فهناك ذكريات طيبة لن أنساها تتعلق بحياتي الدراسية بالتحفيظ،ولكن مخافة الفوضوية في الكلام والخروج عن الموضوع وعنوان المقالة فلن أتحدث إلا مايتعلق بعلاقتي وارتباطي باللغة العربية.

فيا سادتي وأحبتي...! إن العربية في عروقي ودمي ارتباطها بي كارتباط الشرايين وأهميتها للكائن الحي ولا أدري كيف أشكر والدي المرحوم وأقاربي الذين جعلونى أعيش أهم أيام حياتي في بلاد الحرمين وفي البقعة المباركة المدينة المنورة وبيئتها العطرة  التي مازلت أشم عبقها الزكي وأريجها الفائح وأدعو الله أن يهب لي في المدينة مستقرا ورزقا ثم دفنا بالبقيع.

وخلال هذه الفترة والتي لا تزيد عن 10 سنين فإني تعلمت الشيئ الكثير من دون جهد وكفاح ومن دون أي حفظ للمتون والمعاجم والقواميس ودون ضرب وتهديد من معلم النحو والصرف واللغة والبلاغة ومايمارسه المدرسون والمعلمون في مدارسنا لتعليم اللغة العربية ويستخدمه أساتذتنا من أساليب روتينية وسلوك عنيف غير مجد.

وحينما وصل في سن المراهقة ساقه حظه إلى معهد اللغة العربية بكراتشي لينهل من هذا المنهل ويرتوي من ماءه العذب وإن كان الانسان لايشفى غليله ولايرتوي من حبيبه ولامنزله 

إنسانُ عَيـني قطُّ مـا يَرتوي                   من مـاء وَجهٍ مَلُحَتْ عَينُـهُ

كذلك الانسانُ ما يرتوي                       من شُربِ مـاءٍ ملُحَتْ عينُـهُ

وهنا وجد استاذا قديرا وأديبا عربيا أريبا من شجعه وشجع زملائه وأدخل في صدورهم حب العربية وكأنه وإن فارق تيك البيئة العربية والبلد العربي(بعد مغادرته المملكة العربية السعودية) إلا أنه وجدت بديلا لها ومرة أخرى فإنه استغل الفرصة ووجد حبه وإلفه بين ظهرانيه وهو مع الحبيب ليل نهار و ماكانت حالته حينها كما يقول الشاعر:

أشد ما لاقيت من ألم الجوى

قرب الحبيب وما إليه وصول

ويقول آخر:

سَأَلـتُهَا الوَصْلَ قَالَتْ لاتُغَـرَّ بِنَا

مَنْ رَامَ منَّا وِصَالاً مَاتَ بالكَـمَدِ

بل كان  يهدأ لقربه بحبيبه ويأنس من تواجده معه وماكان يتألم منه ولا يخشى الفراق الفقد ولا الحزن والحسد،بل يقول: أنا العاشق الوحيد الذي لايحترق قلبه من لوعة الغرام ولايذوب جسمه من الجفاء والهيام ولايخشى الطعن والملامة بل يفرح بكثرة عدد الشركاء في حبه وليس ممن يقولون:

سأترك حبه من غير بغض وذاك لكثرة الشركاء فيه

بل مازال يبحث عمن يشاركه في حبه ويطمئن لمن ينافسه في هذا الحب ويسعى لأن يتقرب إلى حبيبه أكثر منه.

وفي عنفوان شبابه أكمل دراسته الجامعية ولكن لم يبتعد عن حبيبه وظل معه بعد التخرج ولايعنى الإكمال والتخرج أنه أصبح نابغة وعبقريا وإنما هو النظام التعليمي في زماننا يسمى من اجتاز المرحلة الجامعية متخرجا وفاضلا ومثقفاوإن لم يدرك معنى الثقافة ومن اجتاز الدراسات العليا والدكتوراة دكتورا وأستاذا وإن كان بعيدا عن الاستاذية يفقد الكفاءة الأكاديمية، ويسمى المبدع والمخترع الذي لايحمل ورقة أو شهادة جاهلا،انه كما يقول الدكتور طارق السويدان "منهج الكب والصب"، يكبه المعلم على رأس الطالب ويصبه الطالب أيام الامتحانات وينتهي الموضوع.

"أنا واللغة العربية" عنوان اخترته لأبوح بأسرار أخفيها تجاه علاقتي باللغة العربية وحبي لها وانزعاجى من تكاسل الجهات المعنية باللغة والتعليم تجاه هذه اللغة وعدم اعتناء المدارس الدينية بها وإضاعة العرب لهذه اللغة الحبيبة وتركهم للفصحى ونطقهم بالعامية بل صارت من الموضة الرطانة باللغات الاجنبية وعلى رأسها الانجليزية والتباهي بترداد كلماتها وتعبيراتها السخيفة ،ولكن مالي وللذين لا يقدرونها ويكرمونها فليس عنوان مقالتي هم واللغة العربية، بل الموضوع هو أنا وأعوذ بالله من كلمة "أنا" لكن ماذا أفعل وكيف الخلاص من نفسي وأنا أقص عليكم قصتي وأحكي لكم حكايتي فاعذروني في هذا..

 وأخيرا ليتني أقدر على حذف حرف العطف الذي حال بيني وبين حبي كما يقول قباني :"العشق هو أن أكون أنا حبيبي و حبيبي أنا "...

وللحديث بقية